الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ملك صلاح الدين يافا  

            لما رحل الفرنج نحو عكا كان قد اجتمع عند صلاح الدين عسكر حلب وغيره ، فسار إلى مدينة يافا ، وكانت بيد الفرنج ، فنازلها وقاتل من بها منهم ، وملكها في العشرين من رجب بالسيف عنوة ، ونهبها المسلمون ، وغنموا ما فيها ، وقتلوا الفرنج وأسروا كثيرا ، وكان بها أكثر ما أخذوه من عسكر مصر والقفل الذي كان معهم ، وقد ذكر ذلك .

            وكان جماعة من المماليك الصلاحية قد وقفوا على أبواب المدينة ، وكل من خرج من الجند ومعه شيء من الغنيمة أخذوه منه ، فإن امتنع ضربوه وأخذوا ما معه قهرا ، ثم زحفت العساكر إلى القلعة ، فقاتلوا عليها آخر النهار ، وكادوا يأخذونها ، فطلب من بالقلعة الأمان على أنفسهم .

            وخرج البطرك الكبير الذي لهم ، ومعه عدة من أكابر الفرنج ، في ذلك وترددوا ، وكان قصدهم منع المسلمين عن القتال ، فأدركهم الليل ، وواعدوا المسلمين أن ينزلوا بكرة غد ويسلموا القلعة .

            فلما أصبح الناس طالبهم صلاح الدين بالنزول عن الحصن ، فامتنعوا ، وإذا قد وصلهم نجدة من عكا ، فبينما هم كذلك إذ أشرقت عليهم مراكب الإنكلتير على وجه البحر فقويت رءوسهم واستعصت نفوسهم وهجم اللعين فأعاد البلد وقتل من تأخر بها من المسلمين صبرا بين يديه وتقهقر السلطان عن منزلة الحصار إلى ما وراءها خوفا على الجيش من معرة الفرنج فجعل ملك الإنكلتير يتعجب من شدة سطوة السلطان كيف فتح مثل هذا البلد العظيم في يومين وغيره لا يمكنه فتحه في عامين ولكن ما ظننت أنه مع شهامته وصرامته يتأخر من منزلته بمجرد قدومي وأنا ومن معي لم نخرج من البحر إلا جرائد بلا سلاح ثم ألح في طلب الصلح وأن تكون عسقلان داخلة في صلحهم فامتنع السلطان أشد الامتناع ثم إن السلطان كبس في تلك الليالي الإنكلتيز وهو في سبعة عشر فارسا وحوله قليل من الرجالة فأوكب السلطان بجيشه حوله وحصره حصرا لم يبق له معه نجاة لو صمم معه الجيش ، ولكنهم نكلوا كلهم عن الجملة فلا قوة إلا بالله وجعل السلطان يحرضهم غاية التحريض فكلهم يمتنع كما يمتنع المريض من شرب الدواء .

            هذا والإنكلتير - لعنه الله - قد ركب في أصحابه وأخذ عدة قتاله وحرابه واستعرض الميمنة إلى أولها إلى آخر الميسرة يعني ميمنة المسلمين وميسرتهم فلم يتقدم إليه أحد من الفرسان ولا بهش في وجهه بطل من الشجعان فعند ذلك كر السلطان راجعا وقد أحزنه أنه لم ير من الجيش مطيعا ولا سامعا فإنا لله وإنا إليه راجعون .

            ثم حصل للإنكلتير بعد ذلك مرض شديد وبعث إلى السلطان يطلب فاكهة وثلجا فأمده السلطان بذلك من باب الفتوة والإحسان وإظهار القوة والامتنان ثم عوفي - لعنه الله -

            التالي السابق


            الخدمات العلمية