وفاة يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وولاية ابنه محمد
في سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ثامن عشر ربيع الآخر ، وقيل جمادى الأولى توفي أبو يوسف يعقوب بن أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ، صاحب المغرب والأندلس بمدينة سلا ، وكان قد سار إليها من مراكش ، وكان قد بنى مدينة محاذية لسلا وسماها المهدية ، من أحسن البلاد وأنزهها ، فسار إليها يشاهدها ، فتوفي بها ، وكان ذا جهاد للعدو ، ودين ، وحسن سيرة ، وكان يتظاهر بمذهب الظاهرية ، وأعرض عن مذهب مالك ، فعظم أمر الظاهرية في أيامه ، وكان بالمغرب منهم خلق كثير يقال لهم الجرمية ، ومنسوبون إلى محمد بن جرم ، رئيس الظاهرية ، إلا أنهم مغمورون بالمالكية . ففي أيامه ظهروا وانتشروا ، ثم في آخر أيامه استقضى الشافعية على بعض البلاد ومال إليهم .
كانت مدة ملكه خمس عشرة سنة ، وكان كثير الجهاد ؛ رحمه الله ، وكان يؤم الناس في الصلوات الخمس ، وكان قريبا إلى المرأة والضعيف ، وهو الذي كتب إليه صلاح الدين يستنجده على الفرنج ، فلما لم يخاطبه بأمير المؤمنين غضب من ذلك ، ولم يجبه إلى ما طلب منه ، وقام بالملك بعده ولده محمد ، فسار كسيرة والده ، ورجع إليه كثير من البلدان اللاتي كانت قد عصت على أبيه ، ثم من بعد ذلك تفرقت بهم الأهواء ، وباد هذا البيت بعد الملك يعقوب .