ذكر عدة حوادث
في سنة سبع وتسعين وخمسمائة وفي شعبان منها تزلزلت الأرض بالموصل ، وديار الجزيرة كلها ، والشام ، ومصر وغيرها ، فأثرت في الشام أثارا قبيحة ، وخربت كثيرا من الدور بدمشق ، وحمص ، وحماة ، وانخسفت قرية من قرى بصرى ، وأثرت في الساحل الشامي أثرا كثيرا ، فاستولى الخراب على طرابلس ، وصور ، وعكا ، ونابلس ، وغيرها من القلاع ، ووصلت الزلزلة إلى بلد الروم ، وكانت بالعراق يسيرة لم تهدم دورا .
ولم يبق بنابلس سوى حارة السامرة ومات بها وبقراها ثلاثون ألفا تحت الردم ، وسقط طائفة كثيرة من المنارة الشرقية بجامع دمشق وأربع عشرة شرفة منه ، وغالب الكلاسة والمارستان النوري ، وخرج الناس إلى الميادين يستغيثون ، وسقط غالب قلعة بعلبك مع وثاقة بنائها ، وانفرق البحر إلى قبرس وحذف بالمراكب إلى ساحله ، وتعدى إلى ناحية الشرق ، فسقط بسببها دور كثيرة ، ومات أمم لا يحصون حتى قال صاحب " مرآة الزمان " : إنه مات في هذه السنة بسبب الزلزلة نحو من ألف ألف ومائة ألف إنسان . نقله في " ذيل الروضتين " عنه . وفيها ، فهلك خلق كثير جدا من الفقراء والأغنياء ، ثم أعقبه فناء عظيم ، حتى حكى الشيخ أبو شامة في " الذيل " أن العادل كفن من ماله في مدة شهر من هذه السنة نحوا من مائتي ألف وعشرين ألف ميت ، وأكلت الكلاب والميتات في هذه السنة بمصر ، وأكل من الصغار والأطفال خلق كثير ، يشويه والداه ويأكلانه ، وكثر هذا في الناس حتى صار لا ينكر بينهم ، ثم صاروا يحتالون على بعضهم بعضا فيأكلون من يقدرون عليه ، ومن غلب من قوي ضعيفا ذبحه وأكله . اشتد الغلاء بأرض مصر جدا
وكان الرجل يضيف صاحبه فإذا خلا به ذبحه وأكله ، ووجد عند بعضهم أربعمائة رأس .
وهلك كثير من الأطباء الذين يستدعون إلى المرضى ، فيذبحون ويؤكلون ; وقد استدعى رجل طبيبا فخاف الطبيب وذهب معه على وجل ، فجعل الرجل يتصدق على من وجده في الطريق ويذكر ويسبح ، ويكثر من ذلك ، فارتاب به الطبيب وتخيل ، ومع هذا حمله الطمع على الاستمرار معه ، فلما وصل إلى الدار إذا هي خربة فارتاب أيضا ، فخرج رجل من الدار ، فقال لصاحبه : ومع هذا البطء جئت لنا بصيد . فلما سمعها الطبيب هرب ، فخرجا خلفه سراعا فما خلص إلا بعد جهد جهيد .
وفيها وقع وباء شديد ببلاد عنزة بين الحجاز واليمن ، وكانوا يسكنون في عشرين قرية ، فبادت منها ثماني عشرة قرية ، ولم يبق فيها ديار ولا نافخ نار ، وبقيت أنعامهم وأموالهم لا قاني لها ، ولا يستطيع أحد أن يسكن تلك القرى ولا يدخلها ، بل كان من اقترب إلى شيء من هذه القرى هلك من ساعته ، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ، أما القريتان الباقيتان فإنهما لم يمت منهما أحد ولا عندهم شعور بما جرى على من حولهم ؛ بل هم على ما كانوا عليه لم يفقد منهم أحد .
واتفق باليمن في هذه السنة كائنة غريبة جدا ، وهي أن رجلا يقال له : عبد الله بن حمزة العلوي كان قد تغلب على كثير من بلاد اليمن ، وجمع نحوا من اثني عشر ألف فارس ومن الرجالة جمعا كثيرا ، وخافه ملك اليمن المعز بن إسماعيل بن سيف الإسلام بن طغتكين بن أيوب ، وغلب على ظنه زوال ملكه على يدي هذا المتغلب ، وأيقن بالهلكة لضعفه عن مقاومته ، واختلاف أمرائه معه في المشورة ، فأرسل الله صاعقة ، فنزلت عليهم ، فلم يبق منهم أحد فاضطرب الجيش فيما بينهم ، وأقبل المعز بعسكره فقتل منهم ستة آلاف قتيل ، واستقر في ملكه آمنا .