الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عدة حوادث  

            في سنة ثلاث وستمائة قتل صبي صبيا آخر ببغداد ، وكانا يتعاشران ، وعمر كل واحد منهما يقارب عشرين سنة ، فقال أحدهما للآخر : الساعة أضربك بهذه السكين ، يمازحه بذلك ، وأهوى نحوه بها ، فدخلت في جوفه فمات ، فهرب القاتل ثم أخذ وأمر به ليقتل ، فلما أرادوا قتله طلب دواة [ وورقة ] بيضاء ، وكتب فيها من قوله :


            قدمت على الكريم بغير زاد من الأعمال بالقلب السليم     وسوء الظن أن تعتد زادا
            إذا كان القدوم على كريم

            وفيها حج برهان الدين صدر جهان محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن مازة البخاري رأس الحنفية ببخارى ، وهو كان صاحبها على الحقيقة ، يؤدي الخراج إلى الخطا ، وينوب عنهم في البلد ، فلما حج لم تحمد سيرته في الطريق ، ولم يصنع معروفا ، وكان قد أكرم ببغداد عند قدومه من بخارى ، فلما عاد لم يلتفت إليه لسوء سيرته مع الحجاج ، وسماه الحجاج صدر جهنم . وفيها فارق أمير الحاج مظفر الدين سنقر مملوك الخليفة المعروف بوجه السبع الحاج بموضع يقال له المرجوم ، ومضى في طائفة من أصحابه إلى الشام ، وسار الحاج ومعهم الجند ، فوصلوا سالمين ، ووصل هو إلى الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، فأقطعه إقطاعا كثيرا بمصر ، وأقام عنده إلى أن عاد إلى بغداد سنة ثمان وستمائة في جمادى الأولى ، فإنه لما قبض الوزير أمن على نفسه ، وأرسل يطلب العود ، فأجيب إليه ، فلما وصل أكرمه الخليفة وأقطعه الكوفة . وفيها ولى الخليفة قضاء القضاة ببغداد لعماد الدين أبي القاسم عبد الله بن الدامغاني .

            وفيها قبض الخليفة على عبد السلام بن عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر الجيلاني ، بسبب فسقه وفجوره ، وقد أحرقت كتبه وأمواله قبل ذلك ; لما فيها من كتب الفلاسفة ، وعلوم الأوائل ، وأصبح يستعطي من الناس ، وهذا بخطيئة قيامه على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ; فإنه هو الذي كان وشى به إلى الوزير ابن القصاب حتى أحرقت بعض كتب ابن الجوزي ، وختم على بقيتها ، ونفي إلى واسط خمس سنين ، كما تقدم بيان ذلك ، والناس يقولون : في الله كفاية . وفي القرآن : وجزاء سيئة سيئة مثلها [ الشورى : 40 ] والصوفية يقولون : الطريق تأخذ حقها . والأطباء يقولون : الطبيعة مكافئة . وفيها نازلت الفرنج حمص فقاتلهم ملكها أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه الكبير ، وأعانه بالمدد الملك الظاهر صاحب حلب فكف الله شرهم ، ولله الحمد والمنة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية