الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في هذه سنة أربع وستمائة ليلة الأربعاء لخمس بقين من رجب زلزلت الأرض وقت السحر ، وكنت حينئذ بالموصل ، ولم تكن بها شديدة ، وجاءت الأخبار من كثير من البلاد بأنها زلزلت ولم تكن بالقوية .

            وفيها أطلق الخليفة الناصر لدين الله جميع حق البيع وما يؤخذ من أرباب الأمتعة من المكوس من سائر المبيعات ، وكان مبلغا كثيرا . وكان سبب ذلك أن بنتا لعز الدين نجاح شرابي الخليفة توفيت ، فاشتري لها بقر لتذبح ويتصدق بلحمها عنها ، فرفعوا في حساب ثمنها مئونة البقر ، فكانت كثيرة ، فوقف الخليفة على ذلك ، وأمر بإطلاق المئونة جميعها .

            وفيها ، في شهر رمضان ، أمر الخليفة ببناء دور في المحال ببغداد ليفطر فيها الفقراء ، وسميت دور الضيافة ، يطبخ فيها اللحم الضأن ، والخبز الجيد ، عمل ذلك في جانبي بغداد ، وجعل في كل دار من يوثق بأمانته ، وكان يعطي كل إنسان قدحا مملوءا من الطبيخ واللحم ، ومنا من الخبز ، فكان يفطر كل ليلة على طعامه خلق لا يحصون كثرة .

            - فجزاه الله خيرا - وهذا الصنيع يشبه ما كانت تفعله قريش من الرفادة في زمن الحج ، وكان يتولى ذلك عمه أبو طالب ، كما كان العباس يتولى السقاية ، وقد كانت فيهم السفارة واللواء والندوة ، كما تقدم بيان ذلك في مواضعه ، وقد صارت هذه المناصب كلها على أتم الأحوال في الخلفاء العباسيين ، رحمهم الله . وفيها زادت دجلة زيادة كثيرة ، ودخل الماء في خندق بغداد من ناحية باب كلواذى ، فخيف على البلد من الغرق ، فاهتم الخليفة بسد الخندق ، وركب فخر الدين نائب الوزارة وعز الدين الشرابي ووقفا ظاهر البلد ، فلم يبرحا حتى سد الخندق . فيها رجع الحجاج إلى العراق وهم يدعون الله ، ويشتكون إلى الناس ما لقوا من صدرجهان البخاري الحنفي ، الذي كان قدم بغداد في رسالة ، فاحتفل به الخليفة ، وخرج إلى الحج في هذه السنة ، فضيق على الناس في المياه والميرة ، فمات نحو من ستة آلاف من الحجيج العراقي بسببه في هذه السنة ، وكان - فيما ذكر - يسبق غلمانه إلى المناهل فيتحجرون على الماء ، ويأخذونه فيرشون حول خيمة مخدومهم في قيظ الحجاز ، ويسقون البقولات التي تحمل معه في ترابها ، ويمنعون منه ابن السبيل ، الآمين البيت الحرام ، فلما رجع مع الناس لعنته العامة ، ولم تحتفل به الخاصة ، ولا أكرمه الخليفة ، ولا أرسل إليه أحدا ، وخرج من بغداد والعامة من ورائه يرجمونه ويلعنونه ، وسماه الناس : صدر جهنم . نعوذ بالله من الخذلان .

            وفيها أرسل الخليفة الشيخ شهاب الدين السهروردي وفي صحبته سنقر السلحدار إلى الملك العادل بالخلعة السنية ، وفيها الطوق والسواران ، وإلى جميع أولاده بالخلع أيضا . وفي غرة ذي القعدة شهد محيي الدين أبو محمد يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي عند قاضي القضاة أبي القاسم بن الدامغاني ، فقبله وولاه حسبة جانبي بغداد وخلع عليه خلعة سنية سوداء بطرحة كحلية ، وبعد عشرة أيام جلس للوعظ مكان أبيه أبي الفرج بباب بدر الشريف ، وحضر عنده خلق كثير . وبعد أربعة أيام من يومئذ درس بمشهد أبي حنيفة ضياء الدين أحمد بن مسعود التركستاني الحنفي ، وحضر عنده الأعيان والأكابر .

            وفي رمضان منها وصلت الرسل من الخليفة إلى العادل بالخلع ، فلبس هو وولداه المعظم والأشرف ووزيره صفي الدين بن شكر ، وغير واحد من الأمراء الخلع السنية الخليفية ، ودخلوا إلى القلعة وقت صلاة الظهر من باب الحديد ، وقرأ التقليد الوزير وهو قائم ، وكان يوما مشهودا .

            وفيها ركبت الساعات بمئذنة العروس بالجامع الأموي  ، وشرعوا في بناء الدرج التي تجاه المدرسة القيمازية .

            وفيها درس الشيخ شرف الدين عبد الله بن زين القضاة عبد الرحمن بن سلطان بالمدرسة الرواحية بدمشق .

            وفيها انتقل الشيخ ابن الحبير البغدادي من الحنبلية إلى مذهب الشافعي ، ودرس بمدرسة أم الخليفة ، وحضر عنده الأكابر والعلماء من سائر المذاهب .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية