وفيها كانت زلزلة عظيمة بنيسابور وخراسان ، وكان أشدها بنيسابور وخرج أهلها إلى الصحراء أياما حتى سكنت وعادوا إلى مساكنهم . وفي محرمها تكامل التي أنشأها الناصر لدين الله بالجانب الغربي من بغداد للحاج والمارة ; لهم الضيافة ما داموا نازلين بها ، فإذا عزم أحدهم على السفر منها زود وكسي وأعطي بعد ذلك كله دينارا للسفر ، جزاه الله خيرا . وفيها عاد أبو الخطاب ابن دحية الكلبي من رحلته العراقية ، فاجتاز بالشام ، فاجتمع في مجلس الوزير صفي الدين بن شكر هو والشيخ تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي شيخ اللغة والحديث ، فأورد ابن دحية في كلامه حديث الشفاعة حتى انتهى إلى قول إبراهيم عليه السلام : " إنما كنت خليلا من وراء وراء " بفتح اللفظتين فقال الكندي : من وراء وراء . بضمهما ، فقال ابن دحية للوزير ابن شكر : من ذا ؟ فقال : هذا الشيخ أبو اليمن الكندي . فنال منه ابن دحية ، وكان جرئيا ، فقال الكندي : هو من كلب فنبح . قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة وكلتا الروايتين محكيتان ، وحكي فيهما الجر أيضا . بناء دار الضيافة ببغداد
وفيها عاد فخر الدين ابن تيمية خطيب حران من الحج إلى بغداد وجلس بباب بدر للوعظ ، مكان محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج ، فقال في كلامه ذلك :
وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس
كأنه يعرض بالمحيي بن الجوزي ، لكونه شابا ابن خمس وعشرين سنة . والله أعلم .وفي يوم الجمعة تاسع المحرم دخل مملوك إفرنجي من باب مقصورة جامع دمشق وهو سكران وفي يده سيف مسلول ، والناس جلوس ينتظرون صلاة الفجر ، فمال على الناس يضربهم بسيفه ، فقتل اثنين أو ثلاثة ، وضرب المنبر بسيفه فانكسر ، فأخذ وأودع المارستان ، وشنق في يومه ذلك على جسر اللبادين .
وفيها عاد الشيخ شهاب الدين السهروردي من دمشق بهدايا الملك العادل ، فتلقاه الجيش ، ومعه أموال كثيرة لنفسه أيضا ، وكان قبل ذلك فقيرا زاهدا ، فلما عاد منع من الوعظ ، وأخذت منه الربط التي يباشرها ، ووكل إلى ما بيده من الأموال ، فشرع في تفريقها على الفقراء والمساكين ، فاستغنى منه خلق كثير من الفقهاء وغيرهم . فقال المحيي ابن الجوزي في مجلسه ما معناه : لا حاجة بالرجل أن يأخذ أموالا من غير حقها ، ويصرفها إلى من يستحقها ، وكان تركها أولى به من تناولها ، وإنما أراد أن ترتفع منزلته ببذلها ، أو يعود إلى حاله كما كان ، ولو ترك على ما كان يباشره لما بذلها ، فليحذر العبد الدنيا ؛ فإنها خداعة غرارة تسترق فحول العلماء والعباد فضلا عن العوام والقواد . وقد وقع ابن الجوزي فيما بعد ؛ فيما وقع فيه السهروردي وأعظم .
وفيها قصدت الفرنج مدينة حمص وعبروا على العاصي بجسر أعدوه في بلادهم ، فلما أحست بهم العساكر المنصورة ركبوا في آثارهم ، فهربوا منهم ، فقتلوا خلقا كثيرا منهم ، وغنم المسلمون منهم غنيمة جيدة .