عدة حوادث
في سنة أربع عشرة وستمائة ، في المحرم ، كانت ببغداد فتنة بين أهل المأمونية وبين أهل باب الأزج بسبب قتل سبع ، وزاد الشر بينهم ، واقتتلوا ، فجرح بينهم كثير ، فحضر نائب الباب وكفهم عن ذلك ، فلم يقبلوا ذلك ، وأسمعوه ما يكره ، فأرسل من الديوان أمير من مماليك الخليفة ، فرد أهل كل محلة إلى محلتهم ، وسكنت الفتنة .
وفيها كثر الفأر ببلدة دجيل من أعمال بغداد ، فكان الإنسان لا يقدر أن يجلس إلا ومعه عصا يرد الفأر عنه ، وكان يرى الكثير منه ظاهرا يتبع بعضه بعضا .
وفيها زادت دجلة زيادة عظيمة لم يشاهد في قديم الزمان مثلها ، وأشرفت بغداد على الغرق ، فركب الوزير والأمراء والأعيان كافة ، وجمعوا الخلق العظيم من العامة وغيرهم لعمل القورج حول البلد ، وقلق الناس لذلك ، وانزعجوا ، وعاينوا الهلاك ، وأعدوا السفن لينجوا فيها ، وظهر الخليفة للناس وحثهم على العمل ، وكان مما قال لهم : لو كان يفدى ما أرى بمال أو غيره لفعلت ، ولو دفع بحرب لفعلت ، ولكن أمر الله لا يرد .
ونبع الماء من البلاليع والآبار من الجانب الشرقي ، وغرق كثير منه ، وغرق مشهد أبي حنيفة ، وبعض الرصافة ، وجامع المهدي ، وقرية الملكية ، والكشك ، وانقطعت الصلاة بجامع السلطان . وأما الجانب الغربي ، فتهدم أكثر القرية ، ونهر عيسى ، والشطيات ، وخربت البساتين ، ومشهد باب التين ، ومقبرة أحمد بن حنبل والحريم الطاهري ، وبعض باب البصرة والدور التي على نهر عيسى وأكثر محلة قطفتا . في ثالث المحرم منها كمل تبليط داخل الجامع الأموي ، وجاء المعتمد مبارز الدين إبراهيم المتولي بدمشق ، فوضع آخر بلاطة منه بيده عند باب الزيارة ، فرحا بذلك . وفيها درس بالنظامية محمد بن يحيى بن فضلان ، وحضر عنده القضاة والأعيان .
وفيها سار الصدر بن حمويه في الرسلية إلى بغداد من العادل إلى الخليفة .
وفيها قدم ولده الفخر من الكامل إلى أخيه المعظم يخطب منه ابنته على ابنه أقسيس صاحب اليمن ، فعقد العقد بدمشق على صداق هائل .
وفيها قدم السلطان علاء الدين خوارزم شاه محمد بن تكش إلى همذان قاصدا إلى بغداد في أربعمائة ألف ، وقيل في ستمائة ألف . فاستعد له الخليفة ، واستخدم الجيوش الكثيرة ، وأرسل إلى الخليفة يطلب منه أن يكون بين يديه على قاعدة من تقدمه من الملوك السلاجقة ، وأن يخطب له ببغداد على منابرها ، فلم يجبه الخليفة إلى ذلك ، وأرسل إليه الشيخ شهاب الدين السهروردي ، فلما وصل شاهد عنده من العظمة وكثرة الملوك بين يديه ، وهو جالس في خركاه من ذهب على سرير ساذج ، وعليه قباء بخاري ما يساوي خمسة دراهم ، وعلى رأسه جلدة ما تساوي درهما ، فسلم فلم يرد عليه من الكبر ، ولم يأذن له في الجلوس ، فقام إلى جانب السرير ، وأخذ في خطبة هائلة ، فذكر فيها فضل بني العباس وشرفهم ، وأورد حديثا في النهي عن أذاهم ، والترجمان يعيد على الملك ، فقال الملك : أما ما ذكرت من فضل الخليفة فإنه ليس كذلك ، ولكني إذا قدمت بغداد أقمت من يكون بهذه الصفات ، وما ذكرت من النهي عن أذاهم ، فإني لم أوذ منهم أحدا ، ولكن الخليفة في سجونه منهم طائفة كثيرة يتناسلون في السجون ، فهو الذي آذى بني العباس . ثم تركه ولم يرد عليه جوابا بعد ذلك ، وانصرف السهروردي راجعا ، وأرسل الله تعالى على الملك وجنده ثلجا عظيما ثلاثة أيام حتى طم الخراكي والخيام ووصل إلى رءوس الأعلام ، وتقطعت أيدي رجال وأرجلهم ، وعمهم من البلاء ما لا يحد ولا يوصف ، فردهم الله خائبين ، والحمد لله رب العالمين .