الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عدة حوادث  

            في سنة أربع عشرة وستمائة ، في المحرم ، كانت ببغداد فتنة بين أهل المأمونية وبين أهل باب الأزج بسبب قتل سبع ، وزاد الشر بينهم ، واقتتلوا ، فجرح بينهم كثير ، فحضر نائب الباب وكفهم عن ذلك ، فلم يقبلوا ذلك ، وأسمعوه ما يكره ، فأرسل من الديوان أمير من مماليك الخليفة ، فرد أهل كل محلة إلى محلتهم ، وسكنت الفتنة .

            وفيها كثر الفأر ببلدة دجيل من أعمال بغداد ، فكان الإنسان لا يقدر أن يجلس إلا ومعه عصا يرد الفأر عنه ، وكان يرى الكثير منه ظاهرا يتبع بعضه بعضا .

            وفيها زادت دجلة زيادة عظيمة لم يشاهد في قديم الزمان مثلها ، وأشرفت بغداد على الغرق ، فركب الوزير والأمراء والأعيان كافة ، وجمعوا الخلق العظيم من العامة وغيرهم لعمل القورج حول البلد ، وقلق الناس لذلك ، وانزعجوا ، وعاينوا الهلاك ، وأعدوا السفن لينجوا فيها ، وظهر الخليفة للناس وحثهم على العمل ، وكان مما قال لهم : لو كان يفدى ما أرى بمال أو غيره لفعلت ، ولو دفع بحرب لفعلت ، ولكن أمر الله لا يرد .

            ونبع الماء من البلاليع والآبار من الجانب الشرقي ، وغرق كثير منه ، وغرق مشهد أبي حنيفة ، وبعض الرصافة ، وجامع المهدي ، وقرية الملكية ، والكشك ، وانقطعت الصلاة بجامع السلطان . وأما الجانب الغربي ، فتهدم أكثر القرية ، ونهر عيسى ، والشطيات ، وخربت البساتين ، ومشهد باب التين ، ومقبرة أحمد بن حنبل والحريم الطاهري ، وبعض باب البصرة والدور التي على نهر عيسى وأكثر محلة قطفتا . في ثالث المحرم منها كمل تبليط داخل الجامع الأموي ، وجاء المعتمد مبارز الدين إبراهيم المتولي بدمشق ، فوضع آخر بلاطة منه بيده عند باب الزيارة ، فرحا بذلك . وفيها درس بالنظامية محمد بن يحيى بن فضلان ، وحضر عنده القضاة والأعيان .

            وفيها سار الصدر بن حمويه في الرسلية إلى بغداد من العادل إلى الخليفة .

            وفيها قدم ولده الفخر من الكامل إلى أخيه المعظم يخطب منه ابنته على ابنه أقسيس صاحب اليمن ، فعقد العقد بدمشق على صداق هائل .

            وفيها قدم السلطان علاء الدين خوارزم شاه محمد بن تكش إلى همذان قاصدا إلى بغداد في أربعمائة ألف ، وقيل في ستمائة ألف . فاستعد له الخليفة ، واستخدم الجيوش الكثيرة ، وأرسل إلى الخليفة يطلب منه أن يكون بين يديه على قاعدة من تقدمه من الملوك السلاجقة ، وأن يخطب له ببغداد على منابرها ، فلم يجبه الخليفة إلى ذلك ، وأرسل إليه الشيخ شهاب الدين السهروردي ، فلما وصل شاهد عنده من العظمة وكثرة الملوك بين يديه ، وهو جالس في خركاه من ذهب على سرير ساذج ، وعليه قباء بخاري ما يساوي خمسة دراهم ، وعلى رأسه جلدة ما تساوي درهما ، فسلم فلم يرد عليه من الكبر ، ولم يأذن له في الجلوس ، فقام إلى جانب السرير ، وأخذ في خطبة هائلة ، فذكر فيها فضل بني العباس وشرفهم ، وأورد حديثا في النهي عن أذاهم ، والترجمان يعيد على الملك ، فقال الملك : أما ما ذكرت من فضل الخليفة فإنه ليس كذلك ، ولكني إذا قدمت بغداد أقمت من يكون بهذه الصفات ، وما ذكرت من النهي عن أذاهم ، فإني لم أوذ منهم أحدا ، ولكن الخليفة في سجونه منهم طائفة كثيرة يتناسلون في السجون ، فهو الذي آذى بني العباس . ثم تركه ولم يرد عليه جوابا بعد ذلك ، وانصرف السهروردي راجعا ، وأرسل الله تعالى على الملك وجنده ثلجا عظيما ثلاثة أيام حتى طم الخراكي والخيام ووصل إلى رءوس الأعلام ، وتقطعت أيدي رجال وأرجلهم ، وعمهم من البلاء ما لا يحد ولا يوصف ، فردهم الله خائبين ، والحمد لله رب العالمين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية