الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفاة الملك العادل وملك أولاده بعده  

            توفي الملك العادل أبو بكر بن أيوب سابع جمادى الآخرة من سنة خمس عشرة وستمائة ، وقد ذكرنا ابتداء دولتهم عند ملك عمه أسد الدين شيركوه ديار مصر سنة أربع وستين وخمسمائة ، ولما ملك أخوه صلاح الدين يوسف بن أيوب ديار مصر ، بعد عمه ، وسار إلى الشام استخلفه بمصر ثقة به ، واعتمادا عليه ، وعلما بما هو عليه من توفر العقل وحسن السيرة .

            فلما توفي أخوه صلاح الدين ملك دمشق وديار مصر ، كما ذكرناه ، وبقي مالكا للبلاد إلى الآن ، فلما ظهر الفرنج ، كما ذكرناه سنة أربع عشرة وستمائة ، قصد هو مرج الصفر ، فلما سار الفرنج إلى ديار مصر انتقل هو إلى عالقين ، فأقام به ومرض ، وتوفي وحمل إلى دمشق . فدفن بالتربة التي له بها .

            فجاء ولده المعظم مسرعا ، فجمع حواصله ، وأرسله في محفة ، ومعه خادم بصفة أن السلطان مريض ، وكلما جاء أحد من الأمراء ليسلم عليه بلغهم عنه الطواشي ; يعني لضعف السلطان عن الرد عليهم ، فلما انتهي به إلى القلعة المنصورة دفن بها مدة ، ثم حول إلى تربته بمدرسة العادلية الكبيرة . وقد كان الملك سيف الدين أبو بكر بن أيوب بن شاذي من خيار الملوك وأجودهم سيرة ، وأحسنهم سريرة ، دينا عاقلا صبورا وقورا ، أبطل المحرمات والخمور والمعازف من ممالكه كلها ، وقد كانت ممتدة من أقصى بلاد مصر واليمن والشام والجزيرة إلى همذان كلها ، أخذها بعد أخيه صلاح الدين ، رحمهما الله وسوى حلب ، فإنه أقرها بيد ابن أخيه الظاهر غازي ; لأنه زوج ابنته صفية الست خاتون . وكان رحمه الله حليما صفوحا ، صبورا على الأذى ، كثير الجهاد بنفسه ، وحضر مع أخيه مواقفه كلها أو أكثرها ، وله في تلك الأيام اليد البيضاء . وكان رحمه الله ماسك اليد ، وقد أنفق في عام الغلاء بمصر أموالا عظيمة جدا ، وتصدق على أهل الحاجة من أبناء الناس وغيرهم شيئا كثيرا ، ثم في العام بعده في الفناء كفن ثلاثمائة ألف إنسان من الغرباء ، وكان كثير الصدقة في أيام مرضه ، حتى كان يخلع جميع ما عليه ويتصدق به وبمركوبه ، وكان كثير الأكل ، ممتعا بصحته وعافيته مع كثرة صيامه ، يأكل في اليوم الواحد أكلات جيدة ، ثم بعد هذا يأكل وقت النوم رطلا بالدمشقي من الحلوى السكرية اليابسة ، وكان يعتريه مرض في أنفه في زمن الورد ، وكان لا يقدر على الإقامة بدمشق حتى يفرغ زمن الورد ، فكان يضرب له الوطاق بمرج الصفر ، ثم يدخل البلد بعد ذلك . وتوفي ، رحمه الله ، عن خمس وسبعين سنة .

            وكان له من الأولاد جماعة; محمد الكامل صاحب مصر ، وعيسى المعظم صاحب دمشق ، وموسى الأشرف صاحب الجزيرة وخلاط وحران وغير ذلك ، والأوحد أيوب ومات قبله ، والفائز إبراهيم ، والمظفر غازي صاحب الرها ، والعزيز عثمان ، والأمجد حسن ، وهما شقيقا المعظم ، والمغيث محمود ، والحافظ أرسلان صاحب جعبر ، والصالح إسماعيل ، والقاهر إسحاق ، ومجير الدين يعقوب ، وقطب الدين أحمد ، وخليل ، وكان أصغرهم ، وتقي الدين عباس ، وكان آخرهم وفاة ، بقي إلى سنة ستين وستمائة ، وكان له بنات أشهرهن الست صفية خاتون زوجة الظاهر غازي صاحب حلب ، وأم الملك العزيز والد الناصر يوسف الذي ملك دمشق ، وإليه تنسب الناصريتان بدمشق والجبل ، وهو الذي قتله هولاوو كما سيأتي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية