الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في سنة ست عشرة وستمائة، في المحرم ، انهزم عماد الدين زنكي من عسكر بدر الدين .

            وفيها ، في العشرين من رجب ، انهزم بدر الدين من مظفر الدين ، صاحب إربل ، وعاد مظفر الدين إلى بلده ، وقد تقدم ذلك مستوفى في سنة خمس عشرة وستمائة .

            وفيها ، ثامن صفر ، توفي قطب الدين محمد بن زنكي بن مودود بن زنكي ، صاحب سنجار ، وملك بعده ابنه شاهنشاه .

            وفيها ، في التاسع والعشرين من شعبان ، ملك الفرنج مدينة دمياط ، وقد ذكر سنة أربع عشرة وستمائة مشروحا . وفيها أمر الشيخ محيي الدين بن الجوزي محتسب بغداد بإزالة المنكرات وكسر الملاهي ،  ففعل ذلك هذه السنة ، ولله الحمد والمنة . وفي مستهل هذه السنة خرب سور بيت المقدس   - عمره الله بذكره - أمر بذلك المعظم خوفا من استيلاء الفرنج عليه ، بعد مشورة من أشار بذلك ، فإن الفرنج إذا تمكنوا من ذلك جعلوه وسيلة إلى أخذ الشام جميعه ، فشرع في تخريب السور في أول يوم المحرم ، فهرب منه أهله خوفا من الفرنج أن يهجموا عليهم ليلا أو نهارا ، وتركوا أموالهم وأثاثهم ، وتمزقوا في البلاد كل ممزق ، حتى قيل : إنه أبيع القنطار من الزيت بعشرة دراهم ، ورطل النحاس بنصف درهم ، وضج الناس وابتهلوا إلى الله عز وجل عند الصخرة وفي الأقصى . وقال بعضهم يهجو المعظم في ذلك :


            في رجب حلل المحرم وأخرب القدس في المحرم

            وفيها استحوذت الفرنج ، لعنهم الله ، على مدينة دمياط ، ودخلوها بالأمان ، فغدروا بأهلها ، وقتلوا رجالها ، وسبوا نساءها وأطفالها ، وفجروا بالنساء ، وبعثوا بمنبر الجامع والربعات ورءوس القتلى إلى الجزائر ، وجعلوا الجامع كنيسة ولو شاء ربك ما فعلوه " الأنعام : 112 " .

            وفيها تغيظ السلطان المعظم على القاضي زكي الدين بن محيي الدين بن الزكي قاضي البلد . وسببه أن عمته ست الشام بنت أيوب كانت قد مرضت في دارها التي جعلتها بعدها مدرسة ، فأرسلت إلى القاضي لتوصي إليه ، فذهب إليها بشهود معه ، فكتب الوصية كما قالت ، فقال المعظم : يذهب إلى عمتي بغير إذني ، ويسمع هو والشهود كلامها! واتفق أن القاضي طلب من جابي العزيزية حسابها ، وضربه بين يديه بالمقارع ، وكان المعظم يبغض هذا القاضي من أيام أبيه العادل ، فعند ذلك أرسل المعظم إلى القاضي ببقجة فيها قباء وكلوتة; القباء أبيض والكلوتة صفراء . وقيل : بل كانا حمراوين مدرنين ، وحلف الرسول عن السلطان ليلبسنهما ويحكم بين الخصوم فيهما ، وكان من لطف الله أن جاءته الرسالة بهذا ، وهو في دهليز داره التي بباب البريد وهو منتصب للحكم ، فلم يقدر إلا أن لبسهما ، وحكم فيهما ، ثم دخل داره ، واستقبل مرض موته وكانت وفاته في صفر من السنة الآتية بعدها ، وكان الشرف بن عنين الزرعي الشاعر قد أظهر النسك والتعبد ، ويقال : إنه اعتكف بالجامع أيضا . فأرسل إليه المعظم بخمر ونرد ليشتغل بهما ، فكتب إليه ابن عنين :


            يا أيها الملك المعظم سنة     أحدثتها تبقى على الآباد
            تجري الملوك على طريقك بعدها     خلع القضاة وتحفة الزهاد

            وقد كان نواب ابن الزكي أربعة; شمس الدين بن الشيرازي إمام مشهد علي ، كان يحكم به في الشباك ، وربما برز إلى طرف الرواق تجاه البلاطة السوداء ، وشمس الدين بن سني الدولة ، كان يحكم في الشباك الذي في الكلاسة تجاه تربة الملك صلاح الدين عند باب الغزالية ، وجمال الدين المصري وكيل بيت المال ، كان يحكم في الشباك الكمالي بمشهد عثمان ، وشرف الدين الموصلي الحنفي كان يحكم بالمدرسة الطرخانية بجيرون . والله تعالى أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية