في سنة ثماني عشرة وستمائة في صفر ، ملك التتر مراغة وخربوها وأحرقوها وقتلوا أكثر أهلها ، ونهبوا أموالهم وسبوا حريمهم .
وسار التتر منها إلى همذان ، وحاصروه ، فقاتلهم أهلها وظفر بها التتر ، وقتلوا منهم ما لا يحصى ، ونهبوا البلد .
وساروا إلى أذربيجان ، فأعادوا النهب ، ونهبوا ما بقي من البلاد ، ولم ينهبوه أولا .
ووصلوا إلى بيلقان ، من بلاد أران ، فحصروها وملكوها وقتلوا أهلها حتى كادوا يفنونهم ، ونهبوا أموالهم ، وساروا إلى بلاد الكرج من أذربيجان وأران ، ولقيهم خلق كثير من الكرج ، فقاتلوهم فانهزم الكرج ، وكثر القتل فيهم ، ونهب أكثر بلادهم وقتل أهلها ، وساروا من هناك إلى دربند شروان ، وحصروا مدينة شماخي ، وملوكها ، وقتلوا كثيرا من أهلها .
وساروا إلى بلد اللان واللكز ومن عندهم من الأمم ، فأوقعوا ، ورحلوا عن قفجاق ، وأجلوهم عنها ، واستولوا عليها ، وساحوا في تلك الأرض حتى وصلوا إلى بلاد الروس ، وقد تقدم ذكر جميعه مستقصى ، وإنما أوردناه هاهنا جملة ليعلم الذي كان في هذه السنة من حوادثهم . واقتربوا من بغداد ، فانزعج الخليفة من ذلك ، وحصن بغداد ، واستخدم الأجناد ، وقنت الناس في الصلوات والأوراد . وكان في نفسه موجدة عليه ، فأزالها وسارا جميعا نحو الديار المصرية لمعاونة الكامل على الفرنج الذين قد أخذوا ثغر دمياط ، واستحكم أمرهم هنالك من سنة أربع عشرة ، وعرض عليهم في بعض الأوقات أن يرد إليهم بيت المقدس وجميع ما كان صلاح الدين فتحه من بلاد الساحل ، ويتركوا دمياط ، فامتنعوا من ذلك ، ولم يفعلوا ، فقدر الله تعالى أنهم ضاقت عليهم الأقوات ، فقدم عليهم مراكب فيها ميرة لهم ، فأخذها الأسطول البحري ، وأرسلت المياه على أراضي دمياط من كل ناحية ، فلم يمكنهم بعد ذلك أن يتصرفوا في أنفسهم ، وحصرهم المسلمون من الجهة الأخرى حتى اضطروهم إلى أضيق الأماكن ، فعند ذلك أثابوا إلى المصالحة بلا معاوضة ، فجاء مقدموهم إليه ، وعنده أخواه المعظم عيسى وموسى الأشرف ، وكانا قائمين بين يديه ، وكان يوما مشهودا وأمرا محمودا ، فوقع الصلح على ما أراد الكامل محمد ، بيض الله وجهه ، وملوك الفرنج والعساكر كلها واقفة بحضرته ، ومد سماطا عظيما ، فاجتمع عليه المؤمن والكافر والبر والفاجر ، وقام راجح الحلي الشاعر فأنشد : وفيها سار المعظم إلى أخيه الأشرف ، فاستعطفه على أخيه الكامل ،
هنيئا فإن السعد راح مخلدا وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا حبانا إله الخلق فتحا بدا لنا
مبينا وإنعاما وعزا مؤبدا تهلل وجه الدهر بعد قطوبه
وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا ولما طغى البحر الخضم بأهله الط
غاة وأضحى بالمراكب مزبدا أقام لهذا الدين من سل عزمه
صقيلا كما سل الحسام مجردا فلم ينج إلا كل شلو مجدل
ثوى منهم أو من تراه مقيدا ونادى لسان الكون في الأرض رافعا
عقيرته في الخافقين ومنشدا أعباد عيسى إن عيسى وحزبه
وموسى جميعا يخدمون محمدا
وفيها ولى الملك المعظم قضاء دمشق لجمال الدين المصري الذي كان وكيل بيت المال بها ، وكان فاضلا بارعا ، يجلس في كل يوم جمعة قبل الصلاة بالعادلية وبعد فراغها لإثبات المحاضر ، ويحضر عنده في المدرسة جميع الشهود من كل المراكز حتى يتيسر على الناس إثبات كتبهم في الساعة الواحدة ، جزاه الله خيرا .