الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قتل أستاذ دار الخلافة محيي الدين يوسف بن الشيخ ابن الجوزي

            وقتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ، وكان عدو الوزير ، وقتل أولاده الثلاثة; عبد الرحمن ، وعبد الله ، وعبد الكريم ، وأكابر الدولة واحدا بعد واحد ، منهم الدويدار الصغير مجاهد الدين أيبك ، وشهاب الدين سليمان شاه ، وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد .

            وكان الرجل يستدعى به من دار الخلافة من بني العباس ، فيخرج بأولاده ونسائه وجواريه ، فيذهب به إلى مقبرة الخلال ، تجاه المنظرة ، فيذبح كما تذبح الشاة ، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه . قتل مؤدب الخليفة صدر الدين علي بن النيار

            وقتل شيخ الشيوخ مؤدب الخليفة صدر الدين علي بن النيار ، وقتل الخطباء والأئمة ، وحملة القرآن ، وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد ، وأراد الوزير ابن العلقمي ، قبحه الله ولعنه ، أن يعطل المساجد والمدارس والربط ببغداد ، ويستمر بالمشاهد ومحال الرفض ، وأن يبني للرافضة مدرسة هائلة ينشرون علمهم وعلمهم بها وعليها ، فلم يقدره الله تعالى على ذلك ، بل أزال نعمته عنه ، وقصف عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة ، وأتبعه بولده فاجتمعا - والله أعلم - بالدرك الأسفل من النار .

            ولما انقضى أمد الأمر المقدور ، وانقضت الأربعون يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها ، ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس ، والقتلى في الطرقات كأنها التلول ، وقد سقط عليهم المطر ، فتغيرت صورهم ، وأنتنت البلد من جيفهم ، وتغير الهواء ، فحصل بسببه الوباء الشديد ، حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام ، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . نودي ببغداد بالأمان

            ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من كان تحت الأرض بالمطامير والقني والمغاير كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم ، وقد أنكر بعضهم بعضا ، فلا يعرف الوالد ولده ، ولا الأخ أخاه ، وأخذهم الوباء الشديد ، فتفانوا ولحقوا بمن سلف من القتلى ، واجتمعوا في البلى تحت الثرى ، بأمر الذي يعلم السر وأخفى ، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى . رحيل السلطان المسلط هولاكوقان عن بغداد

            وكان رحيل السلطان المسلط هولاكوقان عن بغداد في جمادى الأولى من هذه السنة إلى مقر ملكه ، وفوض أمر بغداد إلى الأمير علي بهادر ، فوض إليه الشحنكية بها وإلى الوزير مؤيد الدين بن العلقمي ، فلم يمهله الله ولا أهمله بعد ، بل أخذه أخذ عزيز مقتدر ، في مستهل جمادى الآخرة عن ثلاث وستين سنة ، وكان عنده فضيلة في الإنشاء ، ولديه فضيلة في الأدب ، ولكنه كان شيعيا جلدا خبيثا رافضيا ، فمات كمدا وغما وحزنا وندما ، إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم ، فولي بعده الوزارة ولده عز الدين أبو الفضل محمد ، فألحقه الله بأبيه في بقية هذا العام ، ولله الحمد والمنة . وباء شديد بالشام

            وذكر أبو شامة وشيخنا أبو عبد الله الذهبي وقطب الدين اليونيني ، أنه أصاب الناس في هذه السنة بالشام وباء شديد ، وذكروا أن سبب ذلك من فساد الهواء والجو ، فسد من كثرة القتلى ببلاد العراق ، وانتشر حتى تعدى إلى بلاد الشام . فالله أعلم . اقتتال المصريون مع صاحب الكرك

            وفي هذه السنة اقتتل المصريون مع صاحب الكرك الملك المغيث عمر بن العادل بن أبي بكر بن العادل الكبير ، وكان في جيشه جماعة من أمراء البحرية ، منهم ركن الدين بيبرس البندقداري ، فكسرهم المصريون ، ونهبوا ما كان معهم من الأثقال والأموال ، وأسروا جماعة من رءوس الأمراء ، فقتلوا صبرا ، وعادوا إلى الكرك في أسوأ حالة وأشنعها ، وجعلوا يفسدون في الأرض ويعيثون في البلاد ، فأرسل إليهم الناصر صاحب دمشق جيشا ليكفهم عن ذلك ، فكسرهم البحرية ، واستنصروا فبرز إليهم الناصر بنفسه ، فلم يلتفتوا إليه ، وقطعوا أطناب خيمته التي هو فيها بإشارة ركن الدين بيبرس المذكور ، وجرت حروب وخطوب يطول بسطها ، وبالله المستعان .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية