قال ابن خلكان : وفي هذه السنة اصطاد بعض أمراء الظاهر بجرود حمار وحش ، فطبخوه فلم ينضج ولا أثر فيه كثرة الوقود ، ثم افتقدوا أمره ، فإذا هو موسوم على أذنه : بهرام جور . قال : وقد أحضروه إلي ، فقرأته كذلك ، وهو يقتضي أن لهذا الحمار قريبا من ثمانمائة سنة ، فإن بهرام جور كان قبل المبعث بمدة متطاولة ، وحمر الوحش تعيش دهرا طويلا .
قلت : يحتمل أن يكون هذا بهرام شاه الملك الأمجد ، إذ يبعد بقاء مثل هذا بلا اصطياد هذه المدة الطويلة ، ويكون الكاتب قد أخطأ ، فأراد كتابة : بهرام شاه . فكتب بهرام جور ، فحصل اللبس من هذا . والله أعلم . وفي يوم الثلاثاء تاسع رجب حضر السلطان الظاهر إلى دار العدل في محاكمة في بئر إلى بين يدي القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز ، فقام الناس إلا القاضي ، فإنه أشار عليه أن لا يقوم ، وتداعيا ، وكان الحق مع السلطان ، وله بينه عادلة ، فانتزعت البئر من يد الغريم ، وكان أحد الأمراء . وفي ذي القعدة خرج مرسوم السلطان إلى القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز أن يستنيب من كل مذهب من المذاهب الثلاثة نائبا ، فاستناب صدر الدين سليمان الحنفي ، والشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ العماد الحنبلي ، و شرف الدين عمر السبكي المالكي . وفي ذي الحجة قدمت وفود كثيرة من التتار على الملك الظاهر مستأمنين ، فأكرمهم وأحسن إليهم ، وأقطعهم إقطاعات حسنة ، وكذلك فعل بأولاد صاحب الموصل ، ورتب لإخوانهم رواتب كافية . وفيها وقع الخلف بين هولاكو وبين السلطان بركة ابن عمه ، وأرسل إليه بركة يطلب منه نصيبا مما فتحه من البلاد ، على ما جرت به عادتهم ، فقتل رسله ، فاشتد غضب بركة ، وكاتب الظاهر ليتفقا على هولاكو . وفيها وقع غلاء شديد بالشام ، فبيع القمح الغرارة بأربعمائة وخمسين ، والشعير بمائتين وخمسين ، واللحم الرطل بستة وبسبعة ، فبالله المستعان وحصل في النصف من شعبان خوف شديد من التتار ، فتجهز كثير من الناس إلى الديار المصرية ، وأبيعت الغلات حتى حواصل القلعة والأمراء ، ورسم ولاة الأمور على من له قدرة أن يسافر من دمشق إلى مصر ، ووقعت الرجفة في الشام وفي بلاد الروم أيضا ، ويقال : إنه حصل لبلاد التتر خوف شديد أيضا ، فسبحان الفعال لما يريد ، الذي بيده الأمر . وكان الآمر لأهل دمشق بالتحول منها إلى مصر نائبها الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري ، فأرسل السلطان إليه في ذي القعدة ، فأمسكه وعزله واستناب عليها جمال الدين آقوش النجيبي ، واستوزر بدمشق عز الدين بن وداعة . وفي هذه السنة نزل القاضي شمس الدين بن خلكان عن تدريس الركنية للشيخ شهاب الدين أبي شامة ، وحضر عنده حين درس ، وأخذ في أول " مختصر المزني " ، أثابه الله تعالى .