الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال ابن خلكان : وفي هذه السنة اصطاد بعض أمراء الظاهر بجرود حمار وحش ، فطبخوه فلم ينضج ولا أثر فيه كثرة الوقود ، ثم افتقدوا أمره ، فإذا هو موسوم على أذنه : بهرام جور . قال : وقد أحضروه إلي ، فقرأته كذلك ، وهو يقتضي أن لهذا الحمار قريبا من ثمانمائة سنة ، فإن بهرام جور كان قبل المبعث بمدة متطاولة ، وحمر الوحش تعيش دهرا طويلا .

            قلت : يحتمل أن يكون هذا بهرام شاه الملك الأمجد ، إذ يبعد بقاء مثل هذا بلا اصطياد هذه المدة الطويلة ، ويكون الكاتب قد أخطأ ، فأراد كتابة : بهرام شاه . فكتب بهرام جور ، فحصل اللبس من هذا . والله أعلم . وفي يوم الثلاثاء تاسع رجب حضر السلطان الظاهر إلى دار العدل في محاكمة في بئر إلى بين يدي القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز ، فقام الناس إلا القاضي ، فإنه أشار عليه أن لا يقوم ، وتداعيا ، وكان الحق مع السلطان ، وله بينه عادلة ، فانتزعت البئر من يد الغريم ، وكان أحد الأمراء . وفي ذي القعدة خرج مرسوم السلطان إلى القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز أن يستنيب من كل مذهب من المذاهب الثلاثة نائبا ، فاستناب صدر الدين سليمان الحنفي ، والشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ العماد الحنبلي ، و شرف الدين عمر السبكي المالكي . وفي ذي الحجة قدمت وفود كثيرة من التتار على الملك الظاهر مستأمنين ، فأكرمهم وأحسن إليهم ، وأقطعهم إقطاعات حسنة ، وكذلك فعل بأولاد صاحب الموصل ، ورتب لإخوانهم رواتب كافية . وفيها وقع الخلف بين هولاكو وبين السلطان بركة ابن عمه ، وأرسل إليه بركة يطلب منه نصيبا مما فتحه من البلاد ، على ما جرت به عادتهم ، فقتل رسله ، فاشتد غضب بركة ، وكاتب الظاهر ليتفقا على هولاكو . وفيها وقع غلاء شديد بالشام ، فبيع القمح الغرارة بأربعمائة وخمسين ، والشعير بمائتين وخمسين ، واللحم الرطل بستة وبسبعة ، فبالله المستعان وحصل في النصف من شعبان خوف شديد من التتار ، فتجهز كثير من الناس إلى الديار المصرية ، وأبيعت الغلات حتى حواصل القلعة والأمراء ، ورسم ولاة الأمور على من له قدرة أن يسافر من دمشق إلى مصر ، ووقعت الرجفة في الشام وفي بلاد الروم أيضا ، ويقال : إنه حصل لبلاد التتر خوف شديد أيضا ، فسبحان الفعال لما يريد ، الذي بيده الأمر . وكان الآمر لأهل دمشق بالتحول منها إلى مصر نائبها الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري ، فأرسل السلطان إليه في ذي القعدة ، فأمسكه وعزله واستناب عليها جمال الدين آقوش النجيبي ، واستوزر بدمشق عز الدين بن وداعة . وفي هذه السنة نزل القاضي شمس الدين بن خلكان عن تدريس الركنية للشيخ شهاب الدين أبي شامة ، وحضر عنده حين درس ، وأخذ في أول " مختصر المزني " ، أثابه الله تعالى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية