الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وأما سنقر الأشقر فإنه لما خرجت العساكر في طلبه فارق الأمير عيسى بن مهنا ، وسار إلى السواحل ، فاستحوذ منها على حصون كثيرة; منها صهيون ، وقد كان بها أولاده وحواصله ، وحصن بلاطنس وبرزية وعكار وجبلة واللاذقية والشغر وبكاس وشيزر ، واستناب فيها الأمير عز الدين أزدمر الحاج ، فأرسل السلطان المنصور لحصار شيزر طائفة من الجيش ، فبينما هم كذلك إذ أقبلت التتار من كل فج لما سمعوا بتفريق كلمة المسلمين ،  فانجفل الناس من بين أيديهم من سائر البلاد إلى الشام ، ومن الشام إلى مصر ، فوصلت التتار إلى حلب ، فقتلوا خلقا كثيرا ، ونهبوا شيئا كثيرا ، وظنوا أن جيش سنقر الأشقر يكون معهم على المنصور ، فوجدوا الأمر بخلاف ذلك وذلك أن المنصور كتب إلى سنقر الأشقر : إن التتار قد أقبلوا إلى المسلمين والمصلحة أن نتفق عليهم لئلا يهلك المسلمون بيننا وبينهم ، وإذا ملكوا البلاد لم يدعوا منا أحدا . فكتب إليه سنقر بالسمع والطاعة ، وبرز من حصنه ، فخيم بجيشه ليكون على أهبة متى طلب أجاب ، ونزلت نوابه من حصونهم ، وبقوا مستعدين لقتال التتار ، وخرج الملك المنصور من مصر في أواخر جمادى الآخرة ، ومعه العساكر .

            وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من جمادى الآخرة قرئ على منبر جامع دمشق كتاب من السلطان أنه قد عهد بالملك إلى ابنه علي ، ولقب بالملك الصالح ، فلما فرغ من قراءة الكتاب جاءت البريدية ، فأخبروا برجوع التتار من حلب إلى بلادهم ، وذلك لما بلغهم من اتفاق كلمة المسلمين ، ففرح المسلمون بذلك ، ولله الحمد، وعاد المنصور إلى مصر ، وكان قد وصل إلى غزة أراد بذلك تخفيف الوطأة عن الشام ، فوصل إلى مصر في نصف شعبان .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية