الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة

            في أولها كان مقتل الأشرف ، وذلك أنه خرج إلى الصيد في ثالث المحرم فلما كان بأرض تروجة بالقرب من الإسكندرية ثاني عشر المحرم ، حمل عليه جماعة من الأمراء الذين اتفقوا على قتله حين انفرد عن جمهور الجيش ، فأول من ضربه نائبه بيدرا ، وتمم عليه لاجين المنصوري ، ثم اختفى إلى رمضان ، وظهر يوم العيد ، وكان ممن شارك في قتل الأشرف  بدر الدين بيسري وشمس الدين قراسنقر المنصوري ، فلما قتل الأشرف اتفق الأمراء على تمليك بيدرا ، وسموه الملك القاهر أو الأوحد ، فلم يتم له ذلك ، فقتل في اليوم الثاني بأمر كتبغا ، ثم اتفق زين الدين كتبغا ، وعلم الدين سنجر الشجاعي على أن يملكوا أخاه محمدا الملك الناصر بن قلاوون ، وكان عمره إذ ذاك ثمان سنين وشهورا ، فأجلسوه على سرير المملكة يوم الرابع عشر من المحرم ، وكان الوزير ابن السلعوس بالإسكندرية ، وكان قد خرج في صحبة السلطان ، وتقدم هو إلى الإسكندرية ، فلم يشعر إلا وقد أحاط به البلاء ، وجاءه العذاب من كل ناحية ، وذلك أنه كان يعامل الأمراء الكبار معاملة الصغار ، فأخذوه ، وتولى عقوبته من بينهم الشجاعي ، فضرب ضربا عظيما ، وقرر على الأموال ، ولم يزالوا يعاقبونه حتى كانت وفاته في عاشر صفر بعد أن احتيط على حواصله كلها . وأحضر جسد الأشرف فدفن بتربته وتألم الناس لفقده ، وأعظموا قتله ، وقد كان شهما شجاعا عالي الهمة ، حسن النظر ، كان قد عزم على غزو العراق واسترجاع تلك البلاد من أيدي التتار ، واستعد لذلك ، ونادى به في بلاده ، وقد فتح في مدة ملكه - وكانت ثلاث سنين - عكا وسائر السواحل ، ولم يترك للفرنج فيها معلما ولا حجرا ، وفتح قلعة الروم  وبهسنا وغيرها .

            فلما جاءت بيعة الملك الناصر إلى دمشق خطب له بها على المنابر ، واستقر الحال على ذلك ، وجعل الأمير كتبغا أتابكه ، والشجاعي مشاورا كبيرا ، ثم قتل بعد أيام بقلعة الجبل ، وحمل رأسه إلى كتبغا ، فأمر أن يطاف به في البلد ، ففرح الناس بذلك فرحا شديدا ، وأعطوا الذين حملوا رأسه مالا ، ولم يبق لكتبغا منازع ، ومع هذا كان يشاور كبار الأمراء تطييبا لقلوبهم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية