ثم دخلت سنة اثنتين وسبعمائة من الهجرة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها . وفي يوم الأربعاء ثاني صفر منها وكانت من أضر الأماكن على أهل السواحل ، فجاءتها مراكب من الديار المصرية في البحر ، وارد فيها جيوش طرابلس ، ففتحت - ولله الحمد - إلى نصف النهار ، وقتلوا من أهلها قريبا من ألفين ، وأسروا قريبا من خمسمائة ، ودقت البشائر بدمشق ثلاثة أيام سرورا وفرحا ، وكان فتحها من تمام فتح السواحل ، وأراح الله المسلمين من شر أهلها . وفي يوم الخميس سابع عشر صفر وصل البريد إلى دمشق ، فأخبر بوفاة قاضي القضاة ابن دقيق العيد ، ومعه كتاب السلطان إلى قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ، فيه تعظيم له ، واحترام وإكرام ، يستدعيه إلى قربه ؛ ليباشر وظيفة القضاء بمصر على عادته ، فتهيأ لذلك ، ولما عزم ، خرج معه نائب السلطنة الأفرم ، وأهل الحل والعقد ، وأعيان الناس ليودعوه. ولما وصل ابن جماعة إلى مصر أكرمه السلطان إكراما زائدا ، وخلع عليه خلعة صوف ، وبغلة تساوي ثلاثة آلاف درهم ، وباشر الحكم بمصر يوم السبت رابع ربيع الأول . ووصلت رسل التتار في أواخر ربيع الأول قاصدين بلاد مصر . وباشر شرف الدين الفزاري مشيخة دار الحديث الظاهرية يوم الخميس ثامن ربيع الآخر عوضا عن شرف الدين الناسخ ، وهو أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن حسن بن خواجا إمام الدين القارسي ، توفي بها عن سبعين سنة ، وكان فيه بر ومعروف ، وله أخلاق حسنة ، رحمه الله تعالى ، وذكر الشيخ شرف الدين المذكور درسا مفيدا ، وحضر عنده جماعة من الأعيان . وفي يوم الجمعة حادي عشرين جمادى الأولى خلع على قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى بقضاء الشام عوضا عن ابن جماعة ، وعلى الشيخ زين الدين الفارقي بالخطابة ، وعلى الأمير ركن الدين بيبرس التلاوي بشد الدواوين ، وهنأهم الناس ، وحضر نائب السلطنة والأعيان المقصورة لسماع الخطبة ، وقرئ تقليد ابن صصرى بعد الصلاة ، ثم جلس في الشباك الكمالي ، وقرئ تقليده مرة ثانية . وفي جمادى الأولى وقع بيد نائب السلطنة كتاب مزور ، فيه أن الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، والقاضي شمس الدين بن الحريري ، وجماعة من الأمراء والخواص الذين بباب السلطنة ، يناصحون التتر ويكاتبوهم ، ويريدون تولية قبجق على الشام ، وأن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني يعلمهم بأحوال الأمير جمال الدين آقوش الأفرم ، وكذلك كمال الدين بن العطار ، فلما وقف عليه نائب السلطنة عرف أن هذا مفتعل ، ففحص عن واضعه ، فإذا هو فقير كان مجاورا بالبيت الذي كان إلى جانب محراب الصحابة ، يقال له : اليعفوري ، وآخر معه يقال له : أحمد الفناري ، وكانا معروفين بالشر والفضول ، ووجد معهما مسودة هذا الكتاب ، فتحقق نائب السلطنة ذلك ، فعزرا تعزيرا عنيفا ، ثم وسطا بعد ذلك في مستهل جمادى الآخرة ، وقطعت يد الكاتب الذي كتب لهما هذا الكتاب ، وهو التاج بن المناديلي . وفي أواخر جمادى الأولى انتقل الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار المنصوري إلى نيابة القلعة عوضا عن أرجواش . وفي شهر رجب قويت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام ، فانزعج الناس لذلك ، واشتد خوفهم جدا ، وقنت الخطيب في الصلوات ، وقرئ " البخاري " ، وشرع الناس في الجفل إلى الديار المصرية ، والكرك ، والحصون المنيعة ، وتأخر مجيء العساكر المصرية عن أوانها ، فاشتد لذلك الخوف . وفي شهر رجب باشر نجم الدين بن أبي الطيب نظر الخزانة عوضا عن الصدر أمين الدين بن هلال ، توفي إلى رحمة الله تعالى ، وباشر نظر الجامع جمال الدين بن الصدر سليمان عوضا عن شرف الدين بن الشيرجي . وفي يوم السبت ثالث شعبان باشر مشيخة الشيوخ بعد ابن جماعة القاضي ناصر الدين بن عبد السلام ، وكان جمال الدين الزرعي يسد الوظيفة إلى هذا التاريخ . وفي يوم السبت عاشر شعبان ضربت البشائر بالقلعة والطبلخاناه على أبواب الأمراء بخروج السلطان بالعساكر من مصر لمناجزة التتار المخذولين . وفي هذا اليوم بعينه كانت وقعة عرض ، وذلك أنه التقى جماعة من أمراء الإسلام فيهم أسندمر ، وبهادر آص ، وكجكن ، وغرلو العادلي ، وكل منهم سيف من سيوف الملة والدين ، في ألف وخمسمائة فارس - مع التتر ، وكان التتار في سبعة آلاف مقاتل ، فاقتتلوا معهم ، وصبر المسلمون صبرا جيدا ، فنصرهم الله ، وخذل التتر ، فقتلوا منهم خلقا ، وأسروا آخرين ، وولوا عند ذلك مدبرين ، وغنم المسلمون منهم غنائم ، وعادوا سالمين لم يفقد منهم إلا القليل ممن أكرمه الله تعالى بالشهادة ، ووقعت البطاقة بذلك ، ثم قدمت الأسارى يوم الخميس منتصف شعبان ، وكان يوم خميس النصارى . وفيها جاءت زلزلة عظيمة يوم الخميس بكرة الثالث والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة ، وكان جمهورها بالديار المصرية ، تلاطمت بسببها البحار ، فكسرت المراكب ، وتهدمت الدور ، ومات خلق كثير لا يعلمهم إلا الله عز وجل ، وتشققت الحيطان ، ولم ير مثلها في هذه الأعصار ، وكان منها بالشام طائفة ، لكن كان ذلك أخف من سائر البلاد غيرها . وفي ذي الحجة باشر الشيخ أبو الوليد بن الحاج الإشبيلي المالكي إمامة محراب المالكية بجامع دمشق بعد وفاة الشيخ شمس الدين محمد الصنهاجي . فتحت جزيرة أرواد بالقرب من أنطرطوس ،