الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر سلطنة الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير  

            لما استقر الملك الناصر بالكرك ، وعزم على الإقامة بها ، كتب كتابا إلى الديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة ، فأثبت ذلك على القضاة بمصر ، ثم نفذ على قضاة الشام ، وبويع الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بالسلطنة في الثالث والعشرين من شوال يوم السبت بعد العصر بدار الأمير سيف الدين سلار ، اجتمع بها أعيان الدولة من الأمراء وغيرهم ، وبايعوه ، وخاطبوه بالملك المظفر ، ثم ركب إلى القلعة ، ومشوا بين يديه ، وجلس على سرير المملكة بالقلعة ، ودقت البشائر ، وسارت البريدية بذلك إلى سائر البلدان . وفي مستهل ذي القعدة وصل الأمير عز الدين البغدادي إلى دمشق ، فاجتمع بنائب السلطنة ، والقضاة ، والأمراء ، والأعيان ، بالقصر الأبلق ، فقرأ عليهم كتاب الناصر إلى مصر ، وأنه قد نزل عن الملك ، وأعرض عنه ، فأثبته القضاة ، وامتنع الحنبلي من إثباته ، وقال : ليس أحد يترك الملك مختارا ، ولولا أنه مضطهد ما تركه ، فعزل ، وأقيم غيره ، ثم استحلفهم للسلطان الملك المظفر ، وكتبت العلامة على القلعة ، وألقابه على محال المملكة ، ودقت البشائر ، وزين البلد ، ولما قرئ كتاب السلطان على الأمراء بالقصر ، وفيه : إني قد صحبت الناس عشر سنين ، ثم اخترت المقام بالكرك - تباكى جماعة من الأمراء ، ثم بايعوا كالمكرهين ، وتولى مكان بيبرس الأمير سيف الدين برلغي ، ومكان برلغي سيف الدين بتخاص ، ومكان بتخاص جمال الدين آقوش نائب الكرك ، وخطب للمظفر يوم الجمعة على المنابر بدمشق وغيرها ، وحضر نائب السلطنة الأفرم ، والقضاة في تاسع عشر ذي القعدة ، وقرأ تقليد النائب كاتب السر القاضي محيي الدين بن فضل الله بالقصر بحضرة الأمراء ، وعليهم الخلع كلهم ، وركب الملك المظفر بالخلعة السوداء الخليفتية والعمامة المدورة ، والدولة بين يديه عليهم الخلع ، يوم السبت سابع ذي القعدة ، والصاحب ضياء الدين النشائي حامل تقليد السلطان من جهة الخليفة في كيس أطلس أسود ، وأوله : إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [ النمل : 30 ] ويقال : إنه خلع في القاهرة قريب ألف خلعة ومائتي خلعة ، وكان يوما مشهودا ، وفرح بنفسه أياما يسيرة ، وكذا شيخه المنبجي ، ثم أزال الله عنهما نعمته سريعا .

            ثم عاد الملك الناصر في رجب سنة تسع يطلب عوده إلى الملك، ومالأه على ذلك جماعة من الأمراء، فدخل دمشق في شعبان، ثم دخل مصر يوم عيد الفطر وصعد القلعة، وكان المظفر بيبرس فر في جماعة من أصحابه قبل قدومه بأيام، ثم أمسك وقتل من عامه، وقال: العلاء الوداعي في عود الناصر إلى الملك.


            الملك الناصر قد أقبلت دولته مشرقة الشمس     عاد إلى كرسيه مثل ما
            عاد سليمان إلى الكرسي

            التالي السابق


            الخدمات العلمية