ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وسبعمائة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها ، وفي خامس المحرم توجه الأمير عز الدين أيدمر الزردكاش وأميران معه إلى الأفرم ، وساروا بأجمعهم حتى لحقوا بقراسنقر وهو عند مهنا ، وكاتبوا السلطان ، ثم ساروا نحو التتار ، فكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار. وجاء البريد في صفر بالاحتياط على حواصل الأفرم وقراسنقر والزردكاش وجميع ما يتعلق بهم ، وقطع خبز مهنا ، وجعل مكانه في الإمرة أخاه محمدا ، وعادت العساكر صحبة أرغون من البلاد الشمالية ، وقد حصل عند الناس من قراسنقر وأصحابه هم وغم وحزن . وقدم سودي من مصر على نيابة حلب ، فاجتاز بدمشق ، فخرج الناس والجيش لتلقيه ، وحضر السماط ، وقرئ مرسوم السلطان بطلب الأمير جمال الدين نائب دمشق إلى مصر ، فركب من ساعته على البريد إلى مصر ، وتكلم في نيابة الغيبة قرالاجين نيابته لغيبة لاجين ، وطلب في هذا اليوم قطب الدين موسى بن شيخ السلامية ناظر الجيش إلى مصر ، فركب من آخر النهار وسار إليها ، فتولى بها نظر الجيوش عوضا عن فخر الدين الكاتب كاتب المماليك ، بحكم عزله ، ومصادرته ، وأخذ أمواله الكثيرة منه في عاشر ربيع الأول . وفي الحادي عشر منه باشر الحكم للحنابلة بمصر القاضي تقي الدين أحمد بن المعز عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي ، وهو ابن بنت الشيخ شمس الدين بن العماد أول قضاة الحنابلة . وقدم الأمير سيف الدين تمر على نيابة طرابلس عوضا عن الأفرم ، بحكم هربه إلى التتر . وفي ربيع الآخر مسك بيبرس العلائي نائب حمص ، وبيبرس المجنون ، وطوغان ، وجماعة آخرون من الأمراء ، ستة في نهار واحد ، وسيروا إلى الكرك معتقلين بها . وفيه مسك نائب مصر الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار المنصوري ، وولي بعده أرغون الدوادار ، ومسك نائب الشام جمال الدين نائب الكرك ، وشمس الدين سنقر الكمالي حاجب الحجاب بمصر ، وخمسة أمراء آخرون ، وحبسوا كلهم بقلعة الكرك في برج هناك . وفيه احترق فيه دور كثيرة ، منها دار ابن أبي الفوارس ، ودار الشريف القباني . وفي رجب وشعبان وقع حريق داخل باب السلامة ، ، فانزعج الناس من ذلك وخافوا ، وتحول كثير منهم إلى البلد ، وازدحموا في الأبواب ، وذلك في شهر رمضان ، وكثرت الأراجيف بأنهم قد وصلوا إلى الرحبة ، وكذلك جرى ، واشتهر بأن ذلك بإشارة قراسنقر وذويه ، فالله أعلم . وفي رمضان جاء كتاب السلطان أن من قتل لا يجني أحد عليه ، بل يتبع القاتل حتى يقتص منه بحكم الشرع الشريف ، فقرأه ابن الزملكاني على السدة بحضرة نائب السلطنة تنكز ، وسببه ابن تيمية ، هو أمر بذلك وبالكتاب الأول قبله . وفي أول رمضان حصل للناس خوف بدمشق بسبب أن التتر قد تحركوا للمجيء إلى الشام فحاصروها عشرين يوما ، وقاتلهم نائبها الأمير بدر الدين موسى الأزكشي خمسة أيام قتالا عظيما ، ومنعهم منها ، فأشار رشيد الدولة بأن ينزلوا إلى خدمة السلطان خربندا ، ويهدوا له هدية ، ويطلبون منه العفو ، فنزل القاضي نجم الدين إسحاق وجماعة ، وأهدوا له خمسة رءوس خيل وعشرة أباليج سكر ، فقبل ذلك ورجع إلى بلاده ، وكانت بلاد حلب وحماة وحمص قد أجلوا منها ، وخرب أكثرها ، ثم رجعوا إليها لما تحققوا رجوع التتر عن الرحبة ، وطابت الأخبار ، وسكنت النفوس ، ودقت البشائر ، وتركت الأئمة القنوت ، وخطب الخطيب يوم العيد ، وذكر الناس بهذه النعمة . وكان وصل التتر إلى الرحبة قلة العلف ، وغلاء الأسعار ، وموت كثير منهم ، وأشار على سلطانهم بالرجوع : الرشيد وجوبان . وفي ثامن شوال دقت البشائر بدمشق بسبب سبب رجوع التتر وخرج الركب في نصف شوال وأميرهم حسام الدين لاجين الصغير ، الذي كان والي البر ، وقدمت العساكر المنصورة المصرية أرسالا ، وكان قدوم السلطان ودخوله دمشق يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوال واحتفل الناس لدخوله ، فنزل بالقلعة وقد زين البلد ، ودقت البشائر ، ثم انتقل بعد ليلتئذ إلى القصر ، وصلى الجمعة بالجامع بالمقصورة ، وخلع على الخطيب ، وجلس في دار العدل يوم الاثنين ، وقدم وزيره أمين الملك يوم الثلاثاء عشرين الشهر ، وقدم صحبة السلطان الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية إلى دمشق يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة ، وكانت غيبته عنها سبع سنين كوامل ، ومعه أخواه وجماعة من أصحابه ، وخرج خلق كثير لتلقيه ، وسروا بقدومه وعافيته ورؤيته ، واستبشروا به حتى خرج خلق من النساء أيضا لرؤيته ، وقد كان السلطان صحبه معه من مصر ، فخرج معه بنية الغزاة ، فلما تحقق عدم الغزاة وأن التتر رجعوا إلى بلادهم فارق الجيش من غزة ، وزار القدس ، وأقام به أياما ، ثم سافر على عجلون وبلاد السواد وزرع ، ووصل دمشق في أول يوم من ذي القعدة ، فدخلها فوجد السلطان قد توجه إلى الحجاز الشريف في أربعين أميرا من خواصه يوم الخميس ثاني ذي القعدة ، ثم إن الشيخ بعد وصوله إلى دمشق واستقراره بها لم يزل ملازما لاشتغال الناس في سائر العلوم ، ونشر العلم ، وتصنيف الكتب ، وإفتاء الناس بالكلام والكتابة المطولة ، والاجتهاد في الأحكام الشرعية ، ففي بعض الأحكام يفتي بما أدى إليه اجتهاده من موافقة أئمة المذاهب الأربعة ، وفي بعضها يفتي بخلافهم وبخلاف المشهور في مذاهبهم ، وله اختيارات كثيرة مجلدات عديدة ، أفتى فيها بما أدى إليه اجتهاده ، واستدل على ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف . فلما سار السلطان إلى الحج فرق العساكر والجيوش بالشام ، وترك أرغون بدمشق . وفي يوم الجمعة لبس الشيخ كمال الدين بن الزملكاني خلعة وكالة بيت المال عوضا عن ابن الشريشي ، وحضر بها الشباك ، وتكلم الوزير أمين الملك في البلد ، وطلب من الناس أموالا كثيرة ، وصادر ، وضرب ، بالمقارع ، وأهان جماعة من الرؤساء ، منهم الصدر محيي الدين بن فضل الله . وفيه عين شهاب الدين بن جهبل لتدريس الصلاحية بالقدس الشريف عوضا عن نجم الدين داود الكردي ، توفي ، وقد كان مدرسا بها من نحو ثلاثين سنة ، فسافر ابن جهبل إلى القدس بعد عيد الأضحى . خروج السلطان من مصر لأجل ملاقاة التتر ،