الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفي هذا الشهر - أعني ذا القعدة - وصلت الأخبار بموت ملك التتر خربندا محمد بن أرغون بن أبغا بن هولاكو قان ، ملك العراق ، وخراسان ، وعراق العجم ، والروم ، وأذربيجان ، وبلاد الأرانة ، وديار بكر ، وكانت وفاته في السابع والعشرين من رمضان ، ودفن بتربته بالمدينة التي أنشأها ، التي يقال لها : السلطانية ، وقد جاوز الثلاثين من العمر ، وكان موصوفا بالكرم ، ومحبة اللهو واللعب والعمائر ، وأظهر الرفض في بلاده ، أقام سنة على السنة ، ثم تحول عنها إلى الرفض فأقام شعائره ببلاده ، وحظي عنده الشيخ جمال الدين بن مطهر الحلي تلميذ نصير الدين الطوسي ، وأقطعه عدة بلاد ، ولم يزل على هذا المذهب الفاسد إلى أن مات في هذه السنة ، وقد جرت في أيامه فتن كبار ، ومصائب عظام ، فأراح الله منه العباد والبلاد ، وقام في الملك بعده ولده بو سعيد وله إحدى عشرة سنة ، ومدبر الجيوش والممالك له الأمير جوبان ، واستمر في الوزارة علي شاه التبريزي ، وأخذ أهل دولته بالمصادرة ، وقتل الأعيان ممن اتهمهم بقتل أبيه مسموما ، ولعب كثير من الناس به في أول دولته ، ثم عدل إلى العدل وإقامة السنة ، فأمر بإعادة الخطبة بالترضي عن الشيخين أولا ، ثم عثمان ، ثم علي - رضى الله عنهم - ففرح الناس بذلك ، وسكنت بذلك الفتن والشرور والقتال الذي كان بين أهل تلك البلاد بهراة ، وأصبهان ، وبغداد ، وإربل ، وساوة ، وغير ذلك ، وكان صاحب مكة الأمير حميضة بن أبي نمي الحسني قد قصد ملك التتر خربندا لينصره على أهل مكة ، فساعده الروافض هناك ، وجهزوا معه جيشا كثيفا من خراسان لأجل ذلك ، فلما مات خربندا بطل ذلك بالكلية ، وعاد حميضة خائبا خاسئا ، وفي صحبته أمير من كبار الروافض من التتر يقال له : الدلقندي ، وقد جمع لحميضة أموالا كثيرة ليقيم الرفض بذلك في بلاد الحجاز ، فوقع بهما الأمير محمد بن عيسى أخو مهنا ، وقد كان في بلاد التتر أيضا ومعه جماعة من العرب ، فكسرهما ومن كان معهما ، ونهب ما كان معهما من الأموال ، وتفرق الرجال ، وبلغت أخبار ذلك إلى الدولة الإسلامية ، فرضي عنه السلطان الملك الناصر وأهل دولته ، وغسل ذلك ذنبه عنده ، فاستدعى به السلطان إلى حضرته ، فحضر سامعا مطيعا ، فأكرمه نائب الشام ، فلما وصل إلى السلطان أكرمه أيضا ، ثم إنه استفتى الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، وكذلك أرسل إليه السلطان يسأله عن الأموال التي أخذت من الدلقندي ، فأفتاهم بأنها تصرف في المصالح التي يعود نفعها على المسلمين ؛ لأنها كانت معدة لعناد الحق ، ونصرة أهل البدعة على السنة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية