الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            كائنة غريبة جدا  

            وفي ليلة الأحد عشية السبت نزل الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري بظاهر دمشق ، بين الجسورة وميدان الحصا ، بالأطلاب الذين جاءوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكرك ; للقبض على ابن السلطان الأمير أحمد بن الناصر ، فمكثوا على الثنية محاصرين مضيقين عليه إلى أن توجه نائب الشام إلى حلب ، ومضت هذه الأيام المذكورة ، فما درى الناس إلا وقد جاء الفخري وجموعه ، وقد بايعوا الأمير أحمد ، وسموه الناصر ابن الناصر ، وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كجك ، واعتلوا بصغره ، وذكروا أن أتابكه الأمير سيف الدين قوصون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقا ببلاد الصعيد ، وجهز إليهما من تولى ذلك ، وهما الملك المنصور أبو بكر ، ورمضان ، فتنكر الأمير بسبب ذلك ، قالوا : هذا يريد أن يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة . فحموا لذلك ، وبايعوا ابن أستاذهم ، وجدوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونا للأمير سيف الدين طشتمر نائب حلب ومن معه ، وقد كتبوا إلى الأمراء يستميلونهم إلى ذلك ، ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الأكابر ، والقضاة ، والمباشرين ، مثل : والي البر ، ووالي المدينة ، والمهمندار ، وغيرهم ، فلما كان الصباح خرج أهل دمشق عن بكرة أبيهم على عادتهم في قدوم السلاطين ودخول الحجاج ، بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه ، وخرج القضاة ، والصاحب ، والأعيان ، والولاة ، وغيرهم ، ودخل الأمير سيف الدين قطلوبغا في دست نيابة السلطنة التي فوضها إليه الملك الناصر الجديد ، وعن يمينه الشافعي ، وعن شماله الحنفي على العادة ، والجيش كله محدق به في الحديد . والنقارات ، والبوقات ، والشبابة السلطانية ، والسناجق الخليفتية والسلطانية تخفق ، والناس في الدعاء والثناء للفخري ، وهم في غاية الاستبشار والفرح ، وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب ، ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم ، وكان يوما مشهودا ، فنزل شرقي دمشق قريبا من خان لاجين ، وبعث في هذا اليوم ، فرسم على القضاة والصاحب ، وأخذ من أموال الأيتام وغيرها خمسمائة ألف ، وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال ، وكتب بذلك سجلات ، واستخدم جندا ، وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعة; منهم تمر الساقي مقدم ، وابن قراسنقر ، وابن الكامل ، وابن المعظم ، وابن البلدي وغيرهم ، وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر ابن الناصر ، وأقام الفخري على خان لاجين ، وخرج المتعيشون بالصنائع إلى عندهم ، وضربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر ، ونودي بالبلد : إن سلطانكم الملك الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون ، ونائبكم سيف الدين قطلوبغا الفخري ، وفرح كثير من الناس بذلك ، وانضاف إليه نائب صفد ، وبايعه نائب بعلبك ، واستخدموا له رجالا وجندا ، ورجع إليه الأمير سيف الدين سنجر الجمقدار رأس الميمنة بدمشق ، وكان قد تأخر في السفر عن نائب دمشق علاء الدين ألطنبغا; بسبب مرض عرض له ، فلما قدم الفخري رجع إليه وبايع الناصر ابن الناصر ، ثم كاتب نائب حماة طقزدمر - الذي ناب بمصر للملك المنصور - فأجابه إلى ذلك ، وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور في تجمل عظيم ، وخزائن كثيرة ، وثقل هائل .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية