كائنة غريبة جدا
وفي ليلة الأحد عشية السبت نزل الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري بظاهر دمشق ، بين الجسورة وميدان الحصا ، بالأطلاب الذين جاءوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكرك ; للقبض على ابن السلطان الأمير أحمد بن الناصر ، فمكثوا على الثنية محاصرين مضيقين عليه إلى أن توجه نائب الشام إلى حلب ، ومضت هذه الأيام المذكورة ، فما درى الناس إلا وقد جاء الفخري وجموعه ، وقد بايعوا الأمير أحمد ، وسموه الناصر ابن الناصر ، وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كجك ، واعتلوا بصغره ، وذكروا أن أتابكه الأمير سيف الدين قوصون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقا ببلاد الصعيد ، وجهز إليهما من تولى ذلك ، وهما الملك المنصور أبو بكر ، ورمضان ، فتنكر الأمير بسبب ذلك ، قالوا : هذا يريد أن يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة . فحموا لذلك ، وبايعوا ابن أستاذهم ، وجدوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونا للأمير سيف الدين طشتمر نائب حلب ومن معه ، وقد كتبوا إلى الأمراء يستميلونهم إلى ذلك ، ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الأكابر ، والقضاة ، والمباشرين ، مثل : والي البر ، ووالي المدينة ، والمهمندار ، وغيرهم ، فلما كان الصباح خرج أهل دمشق عن بكرة أبيهم على عادتهم في قدوم السلاطين ودخول الحجاج ، بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه ، وخرج القضاة ، والصاحب ، والأعيان ، والولاة ، وغيرهم ، ودخل الأمير سيف الدين قطلوبغا في دست نيابة السلطنة التي فوضها إليه الملك الناصر الجديد ، وعن يمينه الشافعي ، وعن شماله الحنفي على العادة ، والجيش كله محدق به في الحديد . والنقارات ، والبوقات ، والشبابة السلطانية ، والسناجق الخليفتية والسلطانية تخفق ، والناس في الدعاء والثناء للفخري ، وهم في غاية الاستبشار والفرح ، وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب ، ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم ، وكان يوما مشهودا ، فنزل شرقي دمشق قريبا من خان لاجين ، وبعث في هذا اليوم ، فرسم على القضاة والصاحب ، وأخذ من أموال الأيتام وغيرها خمسمائة ألف ، وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال ، وكتب بذلك سجلات ، واستخدم جندا ، وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعة; منهم تمر الساقي مقدم ، وابن قراسنقر ، وابن الكامل ، وابن المعظم ، وابن البلدي وغيرهم ، وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر ابن الناصر ، وأقام الفخري على خان لاجين ، وخرج المتعيشون بالصنائع إلى عندهم ، وضربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر ، ونودي بالبلد : إن سلطانكم الملك الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون ، ونائبكم سيف الدين قطلوبغا الفخري ، وفرح كثير من الناس بذلك ، وانضاف إليه نائب صفد ، وبايعه نائب بعلبك ، واستخدموا له رجالا وجندا ، ورجع إليه الأمير سيف الدين سنجر الجمقدار رأس الميمنة بدمشق ، وكان قد تأخر في السفر عن نائب دمشق علاء الدين ألطنبغا; بسبب مرض عرض له ، فلما قدم الفخري رجع إليه وبايع الناصر ابن الناصر ، ثم كاتب نائب حماة طقزدمر - الذي ناب بمصر للملك المنصور - فأجابه إلى ذلك ، وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور في تجمل عظيم ، وخزائن كثيرة ، وثقل هائل .