وفي العشر الأول من شهر شعبان قدم كتاب من الديار المصرية بوفاة قاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة بمكة - شرفها الله - في العاشر من جمادى الآخرة ، ودفن في الحادي عشر في باب المعلى ، وذكروا أنه توفي وهو يقرأ القرآن ، وأخبرني صاحبنا الشيخ محيي الدين الرحبي - حفظه الله تعالى - أنه كان يقول كثيرا : أشتهي أن أموت وأنا معزول ، وأن تكون وفاتي بأحد الحرمين . فأعطاه الله ما تمناه; عزل نفسه في السنة الماضية ، وهاجر إلى مكة ، ثم قدم المدينة لزيارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عاد إلى مكة ، وكانت وفاته بها في الوقت المذكور ، فرحمه الله ، وبل بالرحمة ثراه .
وقد كان مولده في سنة أربع وتسعين ، فتوفي عن ثلاث وسبعين سنة ، وقد نال العز عزا في الدنيا ، ورفعة هائلة ، ومناصب ، وتداريس كبارا ، ثم عزل نفسه ، وتفرغ للعبادة والمجاورة بالحرمين الشريفين ، فيقال له ما قلته في بعض المراثي :
فكأن قد أعلمت بالموت حتى قد تزودت من خيار الزاد