ونزعنا ما في صدورهم من غل أي حقد، وأصله على ما قيل من الغلالة وهو ما يلبس بين الثوبين الشعار والدثار وتستعار للدرع كما يستعار الدرع لها، وقيل: قيل للحقد غل أخذا له من انغل في كذا وتغلل إذا دخل فيه، ومنه قيل للماء الجاري بين الشجر غلل، وقد يستعمل الغل فيما يضمر في القلب مما يذم كالحسد والحقد وغيرهما، وهذا النزع قيل في الدنيا، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن كثير النوا قال: قلت لأبي جعفر إن فلانا حدثني عن وابن عساكر رضي الله تعالى عنهما أن هذه الآية نزلت في علي بن الحسين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم وعلي ونزعنا ما في صدورهم من غل قال: والله إنها لفيهم أنزلت وفيمن تنزل إلا فيهم؟ قلت: وأي غل هو؟ قال: غل الجاهلية إن بني تيم وبني عدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا فأخذت أبا بكر الخاصرة فجعل علي كرم الله تعالى وجهه يسخن يده فيكوي بها خاصرة رضي الله تعالى عنه فنزلت هذه الآية، ويشعر بذلك على ما قيل ما أخرجه أبي بكر سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وغيرهم من طرق عن والحاكم كرم الله تعالى وجهه أنه قال علي لابن طلحة : إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله تعالى: ونزعنا الآية فقال رجل من همذان: إن الله سبحانه أعدل من ذلك فصاح كرم الله تعالى وجهه عليه صيحة تداعى لها القصر، وقال: فمن إذن إن لم نكن نحن أولئك؟ وقيل: إن ذلك في الآخرة بعد دخول الجنة، علي
فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق القاسم عن أبي أمامة قال: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن حتى إذا تدانوا وتقابلوا على السرر نزع الله تعالى ما في صدورهم في الدنيا من غل. وابن مردويه
وأخرج عن عبد الكريم بن رشيد قال: ينتهي أهل الجنة إلى باب الجنة وهم يتلاحظون تلاحظ القيران فإذا دخلوها نزع الله تعالى ما في صدورهم من الغل، وقيل: فيها قبل الدخول، فقد أخرج ابن أبي حاتم أيضا عن ابن أبي حاتم قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « الحسن ». يحيس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا ويدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل
وهذا ونحوه يؤيد ما قاله الإمام في المتقين، وقيل: معنى الآية طهر الله تعالى قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ونزع سبحانه منها كل غل وألقى فيها التواد والتحاب، والآية ظاهرة في وجود الغل في صدورهم قبل النزع فتأمل.
( إخوانا ) حال من الضمير ( في جنات ) وهي حال مترادفة إن جعل ( ادخلوها ) حالا من ذلك أيضا أو حال من فاعل ( ادخلوها ) وهي مقدرة إن كان النزع في الجنة أو من ضمير ( آمنين ) أو الضمير المضاف إليه في ( صدورهم ) وجاز لأن المضاف بعض من ذلك وهي حال مقدرة أيضا، ويقال نحو ذلك في قوله تعالى: على سرر متقابلين ويجوز أن يكونا صفتين- لإخوانا- أو حالين من الضمير المستتر فيه لأنه في معنى [ ص: 59 ] المشتق أي متصافيين، ويجوز أن يكون ( متقابلين ) حالا من المستتر في ( على سرر ) سواء كان حالا أو صفة، وأبو حيان لا يرى جواز الحال من المضاف إليه إذا كان جزأه أو كجزئه ويخصه فيما إذا كان المضاف مما يعمل في المضاف إليه الرفع أو النصب، وزعم أن جواز ذلك في الصورتين السابقتين مما تفرد به ابن مالك . ولم يقف على أنه نقله في فتاويه عن وجماعة وافقوه فيه، واختار كون ( إخوانا ) منصوبا على المدح والسرر بضمتين جمع سرير وهو معروف وأخذه من السرور إذ كان ذلك لأولي النعمة، وإطلاقه على سرير الميت للتشبيه في الصورة وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى جوار الله عز وجل وخلاصه من سجنه المشار إليه بما جاء في بعض الآثار « الأخفش ». الدنيا سجن المؤمن
وكلب وبعض بني تميم يفتحون الراء وكذا كل مضاعف فعيل، ويجمع أيضا على أسرة، وهي على ما روي عن رضي الله تعالى عنهما من ذهب مكللة باليواقيت والزبرجد والدر، وسعة كل كسعة ما بين ابن عباس صنعاء إلى الجابية. وفي كونهم على سرر إشارة إلى أنهم في رفعة وكرامة تامة.
وروي عن أن الأسرة تدور بهم حيثما داروا فهم في جميع أحوالهم متقابلون لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، فالتقابل التواجه وهو نقيض التدابر، ووصفهم بذلك إشارة إلى أنهم على أشرف أحوال الاجتماع. وقيل: هو إشارة إلى أنهم يجتمعون ويتنادمون، وقيل: معنى مجاهد متقابلين متساوين في التواصل والتزاور.
وفي بعض الأخبار أن المؤمن في الجنة إذا أراد أن يلقى أخاه المؤمن سار كل واحد منهم إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان