الصابرين يجوز أن يكون مجرورا وأن يكون منصوبا صفة للذين إن جعلته في موضع جر أو نصب وإذا جعلته في محل رفع كان هذا منصوبا على المدح، والمراد بالصبر الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن محارمه قاله وحذف المتعلق يشعر بالعموم فيشمل الصبر على البأساء والضراء وحين البأس، قتادة، والصادقين في نياتهم وأقوالهم سرا وعلانية وهو المروي عن أيضا قتادة والقانتين أي المطيعين قاله أو المداومين على الطاعة والعبادة قاله ابن جبير، أو القائمين بالواجبات قاله الزجاج، القاضي، والمنفقين من أموالهم في حق الله تعالى قاله أيضا، ابن جبير والمستغفرين بالأسحار [ 17 ] قال مجاهد وغيرهما: أي المصلين بالأسحار، وأخرج والكلبي عن ابن أبي شيبة قال: هم الذين يشهدون صلاة الصبح، وأخرج زيد بن أسلم عن ابن جرير أنه كان يحيي الليل صلاة ثم يقول: يا ابن عمر أسحرنا؟ فيقول: لا، فيعاود الصلاة فإذا قال: نعم، قعد يستغفر الله تعالى ويدعو حتى يصبح، وأخرج نافع عن ابن مردويه قال: أنس بن مالك " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة "، وروى الرضا عن أبيه عن أبي عبد الله: «أن من استغفر الله تعالى في وقت السحر سبعين مرة فهو من أهل هذه الآية» والباء في بالأسحار بمعنى في، وهي جمع سحر بفتح الحاء المهملة وسكونها سميت أواخر الليالي بذلك لما فيها من الخفاء كالسحر للشيء الخفي، وقال بعضهم: السحر من ثلث الليل الأخير إلى طلوع الفجر.
وتخصيص الأسحار بالاستغفار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة إذ العبادة حينئذ أشق والنفس أصفى والروع أجمع، وفي «الصحيح»: وأخرج " أنه تعالى وتنزه عن سمات الحدوث ينزل إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر "، ابن جرير عن وأحمد سعيد الجريري قال: «بلغنا أن داود عليه الصلاة والسلام سأل جبريل [ ص: 103 ] عليه السلام فقال: يا جبريل أي الليل أفضل قال: يا داود ما أدري سوى أن العرش يهتز في السحر».
وتوسيط الواو بين هذه الصفات المذكورة إما لأن الموصوف بها متعدد وإما للدلالة على استقلال كل منها وكمالهم فيها، وقول أبي حيان: لا نعلم أن العطف في الصفة بالواو يدل على الكمال رده بأن علماء البيان علموه وهم هم.
الحلبي