الذين آتيناهم الكتاب جواب عما سبق في الرواية الأولى من قولهم : سألنا اليهود والنصارى إلخ أخر عن تعيين الشهيد مسارعة إلى الجواب عن تحكمهم بقولهم : أرنا من يشهد لك فالمراد من الموصول ما يعم الصنفين اليهود والنصارى ومن الكتاب جنسه الصادق على التوراة والإنجيل وإيرادهم بعنوان إيتاء الكتاب للإيذان بمدار ما أسند إليهم بقوله تعالى: يعرفونه أي يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليته ونعوته المذكورة فيهما، وفيه التفات وقيل : الضمير للكتاب، واختاره والأول هو الذي تؤيده الأخبار كما ستعرفه أبو البقاء كما يعرفون أبناءهم [ ص: 120 ] بحلاهم بحيث لا يشكون في ذلك أصلا، روى أبو حمزة وغيره أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال رضي الله تعالى عنه عمر لعبد الله بن سلام : إن الله تعالى أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام أن أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فكيف هذه المعرفة فقال ابن سلام : نعرف نبي الله صلى الله عليه وسلم بالنعت الذي نعته الله تعالى به إذا رأيناه فيكم عرفناه كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه بين الغلمان، وايم الله الذي يحلف به ابن سلام لأنا بمحمد أشد معرفة مني بابني لأني لا أدري ما أحدثت أمه فقال رضي الله تعالى عنه : قد وفقت وصدقت عمر
وزعم بعضهم أن المراد بالمعرفة هنا ما هو بالنظر والاستدلال لأن ما يتعلق بتفاصيل حليته صلى الله عليه وسلم إما أن يكون باقيا وقت نزول الآية أولا بل محرفا مغيرا، والأول باطل ولا يتأتى لهم إخفاء ذلك لأن إخفاء ما شاع في الآفاق محال، وكذا الثاني لأنهم لم يكونوا حينئذ عارفين حليته الشريفة عليه الصلاة والسلام كما يعرفون حلية أبنائهم
وفيه أن الإخفاء مصرح به في القرآن كما في قوله تعالى : تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وإخفاؤها ليس بإخفاء النصوص بل بتأويلها وبقولهم : إنه رجل آخر سيخرج وهو معنى قوله سبحانه : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم
الذين خسروا أنفسهم من أهل الكتابين والمشركين فهم لا يؤمنون
2
- بما يجب الإيمان به وقد تقدم الكلام في هذا التركيب آنفا.