قوله : فمكث غير بعيد أي أقام غير طويل ويحتمل وجهين :
أحدهما : مكث سليمان غير بعيد حتى أتاه الهدهد .
الثاني : فمكث الهدهد غير بعيد حتى أتى سليمان .
فقال أحطت بما لم تحط به فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بلغت ما لم تبلغه ، قاله قتادة .
الثاني : علمت ما لم تعلمه ، قاله سفيان .
[ ص: 203 ] الثالث : اطلعت على ما لم تطلع عليه ، قاله ابن عباس ، والإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته ، وفي الكلام حذف تقديره : ثم جاء الهدهد فسأله سليمان عن غيبته .
وجئتك من سبإ بنبإ يقين أي بخبر صحيح صدق ، وفي سبإ قولان :
أحدهما : أنها مدينة بأرض اليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال ، قاله قتادة ، قال السدي : بعث الله إلى سبأ اثني عشر نبيا ، وقال الشاعر
من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما
الثاني : أن سبأ حي من أحياء اليمن واختلف قائلو هذا في نسبتهم إلى هذا ، فذهب قوم إلى أنه اسم امرأة كانت أمهم ، وروى علقمة عن ابن عباس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ فقال : هو ولد رجل له عشرة أولاد فباليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة ، فأما اليمانيون فمذحج وجهينة وكندة وأنمار والأزد والأشعريون وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان وقيل هو سبأ بن يعرب بن قحطان . قال المفضل وسمي سبأ لأنه أول من سبا .
قوله تعالى : إني وجدت امرأة تملكهم قال الحسن : هي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ ، وقال زهير بن محمد : هي بلقيس بنت شرحبيل بن مالك بن الديان وأمها فارعة الجنية ، وقيل ولدها أربعون ملكا آخرهم شرحبيل . قال قتادة : كان [ ص: 204 ] أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر رجلا كل رجل منهم على عشرة آلاف رجل .
وأوتيت من كل شيء فيه قولان :
أحدهما : من كل شيء في أرضها ، قاله السدي .
الثاني : من أنواع الدنيا كلها ، قاله سفيان .
ولها عرش عظيم فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه السرير ، قاله قتادة .
الثاني : أنه الكرسي ، قاله سفيان .
الثالث : المجلس ، قاله ابن زيد .
الرابع : الملك ، قاله ابن بحر .
وفي قوله : عظيم ثلاثة أوجه :
أحدها : ضخم .
الثاني : حسن الصنعة ، قاله زهير .
الثالث : لأنه كان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وكان مسترا بالديباج والحرير عليه سبعة تعاليق ، قاله قتادة .
قال ابن إسحاق : وكان يخدمها النساء فكان معها لخدمتها ستمائة امرأة .
قوله : ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض فيه تأويلان :
أحدهما : يعني غيب السماوات والأرض ، قاله عكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن جبير .
الثاني : أن خبء السماوات المطر وخبء الأرض النبات ، قاله ابن زيد ، والخبء بمعنى المخبوء وقع المصدر موقع الصفة . وفي معنى الخبء في اللغة وجهان :
أحدهما : أنه ما غاب .
الثاني : أنه ما استتر .
وقرأ الكسائي (ألا يسجدوا ) بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد ألا يسجدوا [ ص: 205 ] قال الفراء : من قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة ، ومن قرأ بالتشديد فليس بموضع سجدة . وفي قائل هذا قولان :
أحدهما : أنه قول الله تعالى أمر فيه بالسجود له ، وهو أمر منه لجميع خلقه وتقدير الكلام : ألا يا ناس اسجدوا لله .
الثاني : أنه قول الهدهد حكاه الله عنه .
ويحتمل قوله هذا وجهين :
أحدهما : أن يكون قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله .
الثاني : أن يكون قاله لسليمان عند عوده إليه واستكبارا لما وجدهم عليه . وفي قول الهدهد لذلك وجهان :
أحدهما : أنه وإن يكن ممن قد علم وجوب التكليف بالفعل فهو ممن قد تصور بما ألهم من الطاعة لسليمان أنه نبي مطاع لا يخالف في قول ولا عمل .
الثاني : أنه كالصبي منا إذا راهق فرآنا على عبادة الله تصور أن ما خالفها باطل فكذا الهدهد في تصوره أن ما خالف فعل سليمان باطل .


