قوله عز وجل : وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها فيها قولان :
أحدهما : أنها بيت المقدس ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنها الشام ، قاله مجاهد وقتادة .
التي باركنا فيها يعني بالشجر والثمر والماء . وقيل إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية . ويحتمل أن يكون التي باركنا فيها بكثرة العدد .
قرى ظاهرة فيه أربعة أوجه :
أحدها : متصلة ينظر بعضهم إلى بعض ، قاله الحسن ، وأبو مالك .
[ ص: 445 ] الثاني : أنها العامرة .
الثالث : الكثيرة الماء .
الرابع : أن القرى الظاهرة هي القرى القريبة ، قاله سعيد بن جبير ، والضحاك .
وفيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها السروات ، قاله مجاهد .
الثاني : أنها قرى لصنعاء ، قاله ابن منبه .
الثالث : أنها قرى ما بين مأرب والشام ، قاله سعيد بن جبير .
وقدرنا فيها السير فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : قدرنا فيها المقيل والمبيت ، قاله الكلبي .
الثاني : أنهم كانوا يصبحون في قرية ويمسون في أخرى ، قاله الحسن .
الثالث : أنه قدر فيها السير بأن جعل ما بين القرية والقرية مقدارا واحدا ، قاله ابن قتيبة .
سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فيه قولان :
أحدهما : من الجوع والظمأ ، قاله قتادة . حتى أن المرأة تمشي وعلى رأسها مكتل فيمتلئ من الثمر .
الثاني : آمنين من الخوف قاله يحيى بن سلام ، كانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان لا يحرك بعضهم بعضا ، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه .
قوله عز وجل : فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ( بعد ) بغير ألف وبتشديد العين ، وقرأ الباقون باعد بألف وبتخفيف العين وفيهما ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم قالوا ذلك لأنهم ملوا النعم كما مل بنو إسرائيل المن والسلوى ، قاله الحسن .
الثاني : أنهم قالوا لو كانت ثمارنا أبعد مما هي كانت أشهى في النفوس وأحلى ، قاله ابن عيسى ، وهو قريب من الأول لأنه بطر . فصار نوعا من الملل .
[ ص: 446 ] الثالث : معناه زد في عمارتنا حتى تبعد فيه أسفارنا ، حكاه النقاش . وهذا القول منهم طلبا للزيادة والكثرة .
وقرأ بعض القراء بعد بضم العين وتخفيفها ، وهذا القول منهم شكوى لبعد سفرهم وتمني قصره .
وظلموا أنفسهم فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ظلموها بقولهم باعد بين أسفارنا ، قاله ابن زيد .
الثاني : بتكذيب الرسل وهم ثلاثة عشر نبيا . قال الكلبي : أنهم قالوا لرسلهم حين ابتلوا وهم مكذبون : وقد كنا نأبى عليكم وأرضنا عامرة خير أرض فكيف اليوم وأرضنا خراب شر أرض .
الثالث : أنهم ظلموا أنفسهم بالتغيير والتبديل بعد أن كانوا مسلمين ، قاله الحسن .
فجعلناهم أحاديث أي يتحدث الناس بما كانوا فيه من نعيم وما صاروا إليه من هلاك ، حتى ضرب المثل فقيل : تفرقوا أيدي سبأ ، ومنه قول الشاعر :
باد قوم عصف الدهر بهم فرقوا عن صرفه أيدي سبأ
ومزقناهم كل ممزق فيه قولان :
أحدهما : أنهم فرقوا بالهلاك حتى صاروا ترابا تذروه الرياح ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أنهم مزقوا بالتفريق والتباعد ، قاله قتادة .
حكى الشعبي قال : أما غسان فلحقوا بالشام ، وأما خزاعة فلحقوا بمكة ، وأما الأوس والخزرج فلحقوا بيثرب يعني المدينة ، وأما الأزد فلحقوا بعمان .
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور يحتمل وجهين :
أحدهما : صبار على البلوى شكور على النعماء .
الثاني : صبور على أمر الله شكور في طاعة الله .
[ ص: 447 ]


