قوله عز وجل: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار أي نخرج منه النهار يعني ضوءه ، مأخوذ من سلخ الشاة إذا خرجت من جلدها.
فإذا هم مظلمون أي في ظلمة لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء ، فإذا خرج منه أظلم.
والشمس تجري لمستقر لها فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا ، حكاه ابن عيسى .
الثاني: لوقت واحد لا تعدوه ، قاله قتادة .
الثالث: أي: أبعد منازلها في الغروب ، ثم ترجع إلى أدنى منازلها ، قاله الكلبي . وروى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأها: والشمس تجري لا مستقر لها. وتأويل هذه القراءة أنها تجري في الليل والنهار ولا وقوف لها ولا قرار.
قوله عز وجل: والقمر قدرناه منازل فيه وجهان:
أحدهما: جعله في كل ليلة على مقر له ، يزيد في كل ليلة من أول الشهر حتى يستكمل ثم ينقص بعد استكماله حتى يعود كما بدأ ، وهو محتمل.
الثاني: أنه يطلع كل ليلة في منزل حتى يستكمل جميع المنازل في كل شهر ، ولذلك جعل بعض الحساب السنة الشمسية ثلاثة عشر شهرا قمريا.
حتى عاد كالعرجون القديم فيه قولان:
[ ص: 18 ] أحدهما: أنه العذق اليابس إذا استقوس ، وهو معنى قول ابن عباس ، ومنه قول أعشى قيس:
شرق المسك والعبير بها فهي صفراء كعرجون القمر
الثاني: أنه النخل إذا انحنى مائلا ، قاله الحسن .لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر ، قاله مجاهد .
الثاني: لا يجتمع ضوء أحدهما مع ضوء الآخر ، لأن ضوء القمر ليلا وضوء الشمس نهارا ، فإذا جاء سلطان أحدهما ذهب سلطان الآخر ، قاله قتادة .
الثالث: معناه أنهما إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منازل لا يشتركان فيها ، قاله ابن عباس .
الرابع: أنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة ، قاله الحسن .
الخامس: أنه لا تدرك الشمس القمر ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها ، حكاه يحيى بن سلام .
ولا الليل سابق النهار فيه وجهان:
أحدهما: يعني أنه لا يتقدم الليل قبل استكمال النهار وهو معنى قول يحيى بن سلام.
الثاني: أنه لا يأتي ليل بعد ليل متصل حتى يكون بينهما نهار منفصل ، وهو معنى قول عكرمة .
ومن الناس من يجعل هذا دليلا على أن أول الشهر النهار دون الليل ، لأنه إذا لم يسبق الليل النهار واستحال اجتماعهما وجب أن يكون النهار سابقا. وهذا قول يدفعه الشرع ويمنع منه الإجماع.
وكل في فلك يسبحون قال الحسن : الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملتصقة بالسماء ، ولو كانت ملتصقة ما جرت.
وفي قوله تعالى: يسبحون ثلاثة أقاويل:
أحدها: يجرون ، قاله ابن عباس .
[ ص: 19 ] الثاني: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة ، قاله عكرمة ومجاهد .
الثالث: يعملون ، قاله الضحاك .


