قوله عز وجل: إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد الخيل وفيه وجهان:
أحدهما: أن صفونها قيامها ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سره أن يقوم الرجال له صفوفا فليتبوأ مقعده من النار أي يديمون له القيام حكاه قطرب وأنشد قول النابغة:
لنا قبة مضروبة بفنائها عتاق المهاري والجياد الصوافن
[ ص: 92 ] الثاني: أن صفونها رفع إحدى اليدين على طرف الحافر حتى تقوم على ثلاث كما قال الشاعر:ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا
وفي الجياد وجهان:
أحدهما: أنها الطوال العناق مأخوذ من الجيد وهو العنق لأن طول أعناق الخيل من صفات فراهتها.
الثاني: أنها السريع ، قاله مجاهد واحدها جواد سمي بذلك لأنه يجود بالركض.
قوله عز وجل: فقال إني أحببت حب الخير فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني حب المال ، قاله ابن جبير والضحاك .
الثاني: حب الخيل قاله قتادة والسدي . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وفي قراءة ابن مسعود: حب الخيل.
الثالث: حب الدنيا ، قاله أسباط. وفي أحببت حب الخير وجهان:
أحدهما: أن فيه تقديما وتأخيرا تقديره: أحببت الخير حبا فقدم ، فقال: أحببت حب الخير ثم أضاف فقال أحب الخير ، قاله بعض النحويين.
الثاني: أن الكلام على الولاء في نظمه من غير تقديم ولا تأخير ، وتأويله: آثرت حب الخير. عن ذكر ربي فيه وجهان:
أحدهما: عن صلاة العصر، قاله علي رضي الله عنه.
الثاني: عن ذكر الله تعالى، قاله ابن عباس . [ ص: 93 ] وروى الحارث عن علي كرم الله وجهه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة الوسطى فقال: (هي صلاة العصر التي فرط فيها نبي الله سليمان عليه السلام . حتى توارت بالحجاب فيه قولان: أحدهما: حتى توارت الشمس بالحجاب، والحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق، قاله قتادة وكعب.
الثاني: توارت الخيل بالحجاب أي شغلت بذكر ربها إلى تلك الحال، حكاه ابن عيسى . والحجاب الليل يسمى حجابا لأنه يستر ما فيه.
قوله عز وجل: ردوها علي يعني الخيل لأنها عرضت عليه فكانت تجري بين يديه فلا يستبين منها شيء لسرعتها وهو يقول اللهم أغض بصري ، حتى غابت بالحجاب ثم قال ردوها علي. فطفق مسحا بالسوق والأعناق فيه قولان:
أحدهما: أنه من شدة حبه لها مسح عراقيبها وأعناقها ، قاله ابن عباس .
الثاني: أنه لما رآها قد شغلته عن الصلاة ضرب عراقيبها وأعناقها ، قاله الحسن وقتادة . ولم يكن ما اشتغل عنه من الصلاة فرضا بل كان نفلا لأن ترك الفرض [ ص: 94 ] عمدا فسق، وفعل ذلك تأديبا لنفسه. والخيل مأكولة اللحم فلم يكن ذلك منه إتلافا يأثم به. قال الكلبي : كانت ألف فرس فعرقب تسعمائة وبقي منها مائة. فما في أيدي الناس من الخيل العتاق من نسل تلك المائة.


