قوله عز وجل: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه الوسوسة كثرة حديث النفس بما لا يتحصل في خفاء وإسرار ، ومنه قول رؤبة
وسوس يدعو مخلصا رب الفلق ... ... ...
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه حبل معلق به القلب ، قاله الحسن . والأصم وهو الوتين.
الثاني: أنه عرق في الحلق ، قاله أبو عبيدة .
الثالث: ما قاله ابن عباس ، عرق العنق ويسمى حبل العاتق ، وهما وريدان عن يمين وشمال ، وسمي وريدا ، لأنه العرق الذي ينصب إليه ما يرد من الرأس.
وفي قوله ونحن أقرب إليه من حبل الوريد تأويلان:
أحدهما: ونحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه. [ ص: 347 ] الثاني: ونحن أملك به من حبل وريده ، مع استيلائه عليه.
ويحتمل ثالثا: ونحن أعلم بما توسوس به نفسه من حبل وريده ، الذي هو من نفسه ، لأنه عرق يخالط القلب ، فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب. قوله عز وجل: إذ يتلقى المتلقيان الآية. قال الحسن ومجاهد وقتادة : المتلقيان ملكان يتلقيان عملك ، أحدهما عن يمينك ، يكتب حسناتك ، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك. قال الحسن : حتى إذا مت طويت صحيفة عملك وقيل لك يوم القيامة اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك. وفي قعيد وجهان:
أحدهما: أنه القاعدة ، قاله المفضل.
الثاني: المرصد الحافظ ، قاله مجاهد . وهو مأخوذ من القعود. قال الحسن : الحفظة أربعة: ملكان بالنهار وملكان بالليل.
قوله عز وجل: ما يلفظ من قول أي ما يتكلم بشيء ، مأخوذ من لفظ الطعام ، وهو إخراجه من الفم. إلا لديه رقيب فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه المتتبع للأمور.
الثاني: أنه الحافظ ، قاله السدي .
الثالث: أنه الشاهد ، قاله الضحاك .
وفي عتيد وجهان:
أحدهما: أنه الحاضر الذي لا يغيب.
الثاني: أنه الحافظ المعد إما للحفظ وإما للشهادة.
قوله عز وجل: وجاءت سكرة الموت بالحق يحتمل وجهين:
أحدهما: ما يراه عند المعاينة من ظهور الحق فيما كان الله قد أوعده. [ ص: 348 ] الثاني: أن يكون الحق هو الموت ، سمي حقا ، إما لاستحقاقه ، وإما لانتقاله إلى دار الحق. فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير. وتقديره: وجاءت سكرة الحق بالموت ، ووجدتها في قراءة ابن مسعود كذلك. ذلك ما كنت منه تحيد يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه كان يحيد من الموت ، فجاءه الموت.
الثاني: أنه يحيد من الحق ، فجاءه الحق عند المعاينة.
وفي معنى التحيد وجهان:
أحدهما: أنه الفرار ، قاله الضحاك .
(الثاني) : العدول ، قاله السدي . ومنه قول الشاعر
ولقد قلت حين لم يك عنه لي ولا للرجال عنه محيد.
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما ، وضاق بها الصدر
أحدهما: أنه ملك يسوقه إلى المحشر ، قاله أبو هريرة وابن زيد.
الثاني: أنه أمر من الله يسوقه إلى موضع الحساب ، قاله الضحاك .
وأما الشهيد ففيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه ملك يشهد عليه بعمله ، وهذا قول عثمان بن عفان والحسن.
الثاني: أنه الإنسان ، يشهد على نفسه بعمله، رواه أبو صالح. [ ص: 349 ] الثالث: أنها الأيدي والأرجل تشهد عليه بعمله بنفسه ، قاله أبو هريرة. ثم في الآية قولان:
أحدهما: أنها عامة في المسلم والكافر ، وهو قول الجمهور.
الثاني: أنها خاصة في الكافر ، قاله الضحاك .
قوله عز وجل: لقد كنت في غفلة من هذا فيه وجهان:
أحدهما أنه الكافر ، كان في غفلة من عواقب كفره ، قاله ابن عباس .
الثاني: أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، كان في غفلة عن الرسالة مع قريش في جاهليتهم ، قاله عبد الرحمن بن زيد .
ويحتمل ثالثا: لقد كنت أيها الإنسان في غفلة عن أن كل نفس معها سائق وشهيد لأن هذا لا يعرف إلا بالنصوص الإلهية. فكشفنا عنك غطاءك فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه إذا كان في بطن أمه فولد ، قاله السدي .
الثاني: إذا كان في القبر فنشر ، وهذا معنى قول ابن عباس.
الثالث: أنه وقت العرض في القيامة ، قاله مجاهد .
الرابع: أنه نزول الوحي وتحمل الرسالة ، وهذا معنى قول ابن زيد. فبصرك اليوم حديد وفي المراد بالبصر هنا وجهان:
أحدهما: بصيرة القلب لأنه يبصر بها من شواهد الأفكار ، ونتائج الاعتبار ما تبصر العين ما قابلها من قبلها من الأشخاص والأجسام ، فعلى هذا في قوله حديد تأويلان:
أحدهما: سريع كسرعة مور الحديد.
الثاني: صحيح كصحة قطع الحديد.
الوجه الثاني: أن المراد به بصر العين وهو الظاهر ، فعلى هذا في قوله: حديد تأويلان:
أحدهما: شديد، قاله الضحاك .
الثاني: بصير، قاله ابن عباس . [ ص: 350 ] وماذا يدرك البصر؟ فيه خمسة أوجه:
أحدها: يعاين الآخرة ، قاله قتادة .
الثاني: لسان الميزان ، قاله الضحاك .
الثالث: ما يصير إليه من ثواب أو عقاب ، وهو معنى قول ابن عباس.
الرابع: ما أمر به من طاعة وحذره من معصية ، وهو معنى قول ابن زيد.
الخامس: العمل الذي كان يعمله في الدنيا ، قاله الحسن .


