ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا   إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا   
ولا تقولن لشيء   : ولا تقولن لأجل شيء تعزم عليه، إني فاعل ذلك   : الشيء، "غدا": أي: فيما يستقبل من الزمان، ولم يرد الغد خاصة، إلا أن يشاء الله   : متعلق بالنهي لا بقوله: إني فاعل، لأنه لو قال: إني فاعل كذا إلا أن يشاء الله، كان معناه: إلا أن تعترض مشيئة الله دون فعله، وذلك مما لا مدخل فيه للنهي، وتعلقه بالنهي على وجهين:  [ ص: 578 ] أحدهما: ولا تقولن ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله، بأن يأذن لك فيه. 
والثاني: ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله، أي: إلا بمشيئة الله، وهو في موضع الحال، يعني: إلا ملتبسا بمشيئة الله قائلا: إن شاء الله، وفيه وجه ثالث، وهو: أن يكون "إن شاء الله" في معنى: كلمة تأبيد، كأنه قيل: ولا تقولنه أبدا، ونحوه قوله: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله   [الأعراف: 89]; لأن عودهم في ملتهم مما لن يشاءه الله، وهذا نهي تأديب من الله لنبيه حين قالت اليهود لقريش:  سلوه عن الروح، وعن أصحاب الكهف ، وذي القرنين،  فسألوه فقال: ائتوني غدا أخبركم ولم يستثن، فأبطأ عليه الوحي حتى شق عليه وكذبته قريش،  واذكر ربك   : أي: مشيئة ربك وقل: إن شاء الله، إذا فرط منك نسيان لذلك، والمعنى: إذا نسيت كلمة الاستثناء ثم تنبهت عليها فتداركها بالذكر، وعن  ابن عباس  رضي الله عنه: ولو بعد سنة ما لم تحنث، وعن  سعيد بن جبير   : ولو بعد يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة، وعن  طاوس   : هو على ثنياه ما دام في مجلسه، وعن  الحسن  نحوه، وعن  عطاء   : يستثنى على مقدار حلب ناقة غزيرة، وعند عامة الفقهاء أنه لا أثر له في الأحكام ما لم يكن موصولا، ويحكى أنه بلغ  المنصور  أن  أبا حنيفة  خالف  ابن عباس   -رضي الله عنه- في الاستثناء المنفصل، فاستحضره لينكر عليه: فقال  أبو حنيفة   : هذا يرجع عليك، إنك لتأخذ البيعة بالأيمان، أفترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك؟ فاستحسن كلامه ورضي عنه، ويجوز أن يكون المعنى: واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء، تشديدا في البعث  [ ص: 579 ] على الاهتمام بها، وقيل: واذكر ربك إذا تركت بعض ما أمرك به، وقيل: واذكره إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسي، وقد حمل على أداء الصلاة المنسية عند ذكرها، و "هذا": إشارة إلى نبإ أصحاب الكهف، ومعناه: لعل الله يؤتيني من البينات والحجج على أني نبي صادق ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشدا من نبأ أصحاب الكهف، وقد فعل ذلك; حيث آتاه من قصص الأنبياء والإخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك وأدل، والظاهر أن يكون المعنى: إذا نسيت شيئا فاذكر ربك، وذكر ربك عند نسيانه أن تقول: عسى ربي أن يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه، "رشدا": وأدنى خيرا ومنفعة، ولعل النسيان كان خيرة، كقوله: أو ننسها نأت بخير منها   [البقرة: 106]. 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					