[ ص: 251 ] سورة [المدثر] 
مكية، وهي ست وخمسون آية 
[نزلت بعد المزمل] 
بسم الله الرحمن الرحيم 
يا أيها المدثر   قم فأنذر   وربك فكبر   وثيابك فطهر   والرجز فاهجر   
المدثر  لابس الدثار، وهو ما فوق الشعار: وهو الثوب الذي يلي الجسد. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " الأنصار شعار والناس دثار  " وقيل: هي أول سورة نزلت. وروى  جابر بن عبد الله  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنت على جبل حراء فنوديت: يا محمد  ، إنك رسول الله، فنظرت عن يميني ويساري فلم أر شيئا، فنظرت فوقي فرأيت شيئا " وفي رواية  عائشة   : "فنظرت فوقي فإذا به قاعد على عرش بين السماء والأرض - يعني الملك الذي ناداه - فرعبت ورجعت إلى  خديجة  فقلت: دثروني دثروني، فنزل جبريل  وقال: "يا أيها المدثر" وعن  الزهري   : أول ما نزل: سورة اقرأ باسم ربك  إلى قوله: ما لم يعلم  فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلو شواهق الجبال، فأتاه جبريل  فقال: إنك نبي الله، فرجع إلى  خديجة  وقال: دثروني وصبوا علي ماء باردا، فنزل: يا أيها المدثر  وقيل: سمع من قريش  ما كرهه فاغتم، فتغطى بثوبه مفكرا  [ ص: 252 ] كما يفعل المغموم. فأمر أن لا يدع إنذارهم وإن أسمعوه وآذوه. وعن  عكرمة  أنه قرأ على لفظ اسم المفعول. من دثره. وقال: دثرت هذا الأمر وعصب بك، كما قال في المزمل: قم من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم. فأنذر  فحذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا. والصحيح أن المعنى: فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد. 
وربك فكبر  واختص ربك بالتكبير: وهو الوصف بالكبرياء; وأن يقال: الله أكبر. ويروى: أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر" فكبرت  خديجة  وفرحت، وأيقنت أنه الوحي; وقد يحمل على تكبير الصلاة، ودخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل: وما كان فلا تدع تكبيره. 
وثيابك فطهر  أمر بأن تكون ثيابه طاهرة من النجاسة; لأن طهارة الثياب شرط في الصلاة لا تصح إلا بها، وهي الأولى والأحب في غير الصلاة، وقبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبثا. وقيل: هو أمر بتقصيرها، ومخالفة العرب في تطويلهم الثياب وجرهم الذيول، وذلك ما لا يؤمن معه إصابة النجاسات. وقيل: هو أمر بتطهير النفس مما يستقذر من الأفعال ويستهجن من العادات. يقال: فلان طاهر الثياب وطاهر الجيب والذيل  [ ص: 253 ] والأردان إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ومدانس الأخلاق. وفلان دنس الثياب للغادر; وذلك لأن الثوب يلابس الإنسان ويشتمل عليه، فكني به عنه. ألا ترى إلى قولهم: أعجبني زيد ثوبه، كما يقولون: أعجبني زيد عقله وخلقه، ويقولون: المجد في ثوبه، والكرم تحت حلته; ولأن الغالب أن من طهر باطنه ونقاه عنى بتطهير الظاهر وتنقيته، وأبي إلا اجتناب الخبث وإيثار الطهر في كل شيء "والرجز" قرئ بالكسر والضم، وهو العذاب، ومعناه: اهجر ما يؤدي إليه من عبادة الأوثان وغيرها من المآثم. والمعنى: الثبات على هجره; لأنه كان بريئا منه. 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					