اللغو في اليمين : الساقط الذي لا يتعلق به حكم ، واختلف فيه ، فعن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عنه فقالت : هو قول الرجل : "لا والله ، بلى والله" وهو مذهب الشافعي ، وعن مجاهد : هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كما ظن ، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله بما عقدتم الأيمان : بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها [ ص: 287 ] بالقصد والنية ، وروي أن الحسن - رضي الله عنه - سئل عن لغو اليمين وكان عنده الفرزدق فقال : يا أبا سعيد ، دعني أجب عنك فقال [من الطويل] :
ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد عاقدات العزائم
وقرئ : "عقدتم" ، بالتخفيف . "وعاقدتم" والمعنى : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم ، فحذف وقت المؤاخذة . لأنه كان معلوما عندهم ، أو بنكث ما عقدتم . فحذف المضاف فكفارته : فكفارة نكثه ، والكفارة : الفعلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أي : تسترها من أوسط ما تطعمون : من أقصده ، لأن منهم من يسرف في إطعام أهله ، ومنهم من يقتر وهو عند أبي حنيفة - رحمه الله - نصف صاع من بر أو صاع من غيره لكل مسكين ، أو يغديهم ويعشيهم ، وعند الشافعي - رحمه الله - : مد لكل مسكين ، وقرأ جعفر بن محمد "أهاليكم" ، بسكون الياء ، والأهالي : اسم جمع لأهل : كالليالي في جمع ليلة ، والأراضي في جمع أرض ، وقولهم : "أهلون" كقولهم "أرضون" بسكون الراء ، وأما تسكين الياء في حال النصب فللتخفيف ، كما قالوا : رأيت معد يكرب ، تشبيها للياء بالألف أو كسوتهم عطف على محل "من أوسط" وقرئ بضم الكاف ، ونحوه : قدوة في قدوة ، وأسوة في أسوة ، والكسوة ثوب يغطي العورة ، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : كانت العباءة تجزئ يومئذ ، وعن ابن عمر : إزار أو قميص أو رداء أو كساء ، وعن مجاهد : ثوب جامع ، وعن الحسن : ثوبان أبيضان ، وقرأ سعيد بن المسيب واليماني : "أو كأسوتهم" ، بمعنى : أو مثل ما تطعمون أهليكم إسرافا كان أو تقتيرا . لا تنقصونهم عن مقدار نفقتهم ، ولكن تواسون بينهم وبينهم . فإن قلت : ما محل الكاف؟ قلت : الرفع ، تقديره : أو إطعامهم كأسوتهم ، بمعنى : كمثل طعامهم إن لم يطعموهم الأوسط أو تحرير رقبة : شرط الشافعي رحمه الله الإيمان قياسا على كفارة القتل ، وأما أبو حنيفة وأصحابه ، فقد جوزوا تحرير الرقبة الكافرة في كل كفارة سوى كفارة القتل . فإن قلت : ما معنى أو؟ قلت : التخيير وإيجاب إحدى الكفارات الثلاث على الإطلاق ، بأيتها أخذ المكفر فقد أصاب فمن لم يجد : إحداها فصيام ثلاثة أيام : متتابعات عند أبي [ ص: 288 ] حنيفة - رحمه الله - تمسكا بقراءة أبي وابن مسعود - رضي الله عنهما - : "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" ، وعن مجاهد : كل صوم متتابع إلا قضاء رمضان ، ويخير في كفارة اليمين ذلك المذكور كفارة أيمانكم ولو قيل : تلك كفارة أيمانكم ، لكان صحيحا بمعنى تلك الأشياء أو لتأنيث الكفارة ، والمعنى إذا حلفتم وحنثتم . فترك ذكر الحنث لوقوع العلم بأن الكفارة إنما تجب بالحنث في الحلف ، لا بنفس الحلف ، والتكفير قبل الحنث لا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه ويجوز عند الشافعي بالمال إذا لم يعص الحانث واحفظوا أيمانكم فبروا فيها ولا تحنثوا أراد الأيمان التي الحنث فيها معصية ، لأن الأيمان اسم جنس يجوز إطلاقه على بعض الجنس وعلى كله ، وقيل : احفظوها بأن تكفروها ، وقيل : احفظوها كيف حلفتم بها ، ولا تنسوها تهاونا بها كذلك مثل ذلك البيان يبين الله لكم آياته : أعلام شريعته وأحكامه لعلكم تشكرون : نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج منه .


