واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا  [ ص: 510 ] يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين   ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين   
من بعده   : من بعد فراقه إياهم إلى الطور . 
فإن قلت : لم قيل : واتخذ قوم موسى  عجلا ، والمتخذ هو السامري؟  
قلت : فيه وجهان : 
أحدهما : أن ينسب الفعل إليهم ; لأن رجلا منهم باشره ووجد فيما بين ظهرانيهم ، كما يقال : بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا ، والقائل والفاعل واحد ، ولأنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به ، فكأنهم أجمعوا عليه . 
والثاني : أن يراد واتخذوه إلها وعبدوه ، وقرئ : "من حليهم" بضم الحاء والتشديد ، جمع حلي ، كثدي وثدي ، و “ من حليهم" - بالكسر - للإتباع كدلي ; و “ من حليهم" ، على التوحيد ، والحلي : اسم لما يتحسن به من الذهب والفضة . 
فإن قلت : لم قال : من حليهم ، ولم يكن الحلي لهم ، إنما كانت عواري في أيديهم؟ 
قلت : الإضافة تكون بأدنى ملابسة ; وكونها عواري في أيديهم كفى به ملابسة على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين ، كما ملكوا غيرها من أملاكهم ; ألا ترى إلى قوله - عز وعلا - : فأخرجناهم من جنات وعيون  وكنوز ومقام كريم  كذلك وأورثناها بني إسرائيل   [الشعراء : 57 ، 58 ، 59] ، "جسدا" : بدنا ذا لحم ودم كسائر الأجساد ، و “ الخوار" : صوت البقر ، قال  الحسن :  إن السامري  قبض قبضة من تراب من أثر فرس جبريل   - عليه السلام - يوم قطع البحر ، فقذفه في في العجل ، فكان عجلا له خوار ، وقرأ  علي   - رضي الله عنه - : "جؤار" ، بالجيم والهمزة ، من جأر إذا صاح ، وانتصاب جسدا على البدل من : "عجلا" ألم يروا   : حين اتخذوه إلها أنه لا يقدر على كلام ولا على هداية سبيل ، حتى لا يختاروه على من "لو كان البحر مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته" ، وهو الذي هدى الخلق إلى سبل الحق ومناهجه بما ركز في العقول من الأدلة ، وبما أنزل في كتبه ، ثم ابتدأ فقال : "اتخذوه" : أي : أقدموا على ما أقدموا عليه من الأمر المنكروكانوا ظالمين   : واضعين كل شيء في غير موضعه ، فلم يكن اتخاذ العجل بدعا منهم ، ولا أول مناكيرهم ولما سقط في أيديهم   : ولما اشتد ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل ; لأن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غما ، فتصير يده مسقوطا فيها ; لأن فاه قد وقع فيها ، و "سقط" : مسند إلى : "في أيديهم" ، وهو من باب الكناية ، وقرأ أبو  [ ص: 511 ] السميفع : سقط في أيديهم ، على تسمية الفاعل ، أي : وقع العض فيها ، وقال  الزجاج   : معناه سقط الندم في أيديهم ، أي : في قلوبهم وأنفسهم ، كما يقال : حصل في يده مكروه ، وإن كان محالا أن يكون في اليد ; تشبيها لما يحصل في القلب وفي النفس ، بما يحصل في اليد ويرى بالعين ورأوا أنهم قد ضلوا   : وتبينوا لهم تبينا كأنهم أبصروه بعيونهم . 
وقرئ : "لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا" ، وبالتاء ، وربنا ، بالنصب على النداء ، وهذا كلام التائبين ; كما قال آدم  وحواء   - عليهما السلام - : "وإن لم تغفر لنا وترحمنا" . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					