يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون
يسألونك عن الأهلة سأله معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم فقالا: (ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط، ثم يزيد حتى يستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ) قل هي مواقيت للناس والحج فإنهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال القمر وتبدل أمره، فأمره الله أن يجيب بأن الحكمة الظاهرة في ذلك أن تكون معالم للناس يؤقتون بها أمورهم، ومعالم للعبادات المؤقتة يعرف بها أوقاتها. وخصوصا الحج فإن الوقت مراعى فيه أداء وقضاء. والمواقيت: جمع ميقات، من الوقت والفرق بينه وبين المدة والزمان: أن المدة المطلقة امتداد حركة الفلك من مبدئها إلى منتهاها. والزمان: مدة مقسومة، والوقت: الزمان المفروض لأمر. وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها وقرأ أبو عمرو وورش وحفص بضم الباء، والباقون بالكسر. ولكن البر من اتقى وقرأ نافع بتخفيف ولكن، ورفع البر. كانت وابن عامر الأنصار إذا أحرموا لم يدخلوا دارا ولا فسطاطا من بابه، وإنما يدخلون من نقب أو فرجة وراءه، ويعدون ذلك برا، فبين لهم أنه ليس ببر وإنما البر: بر من اتقى المحارم والشهوات، ووجه اتصاله بما قبله أنهم سألوا عن الأمرين. أو أنه لما ذكر أنها مواقيت الحج وهذا أيضا من أفعالهم في الحج ذكره للاستطراد، أو أنهم لما سألوا عما لا يعنيهم ولا يتعلق بعلم النبوة وتركوا السؤال عما يعنيهم ويختص بعلم النبوة، عقب بذكره جواب ما سألوه تنبيها على أن اللائق بهم أن يسألوا أمثال ذلك ويهتموا بالعلم بها، أو أن المراد به التنبيه على تعكيسهم في السؤال بتمثيل حالهم بحال من ترك باب البيت ودخل من ورائه. والمعنى: وليس البر بأن تعكسوا مسائلكم ولكن البر بر من اتقى ذلك ولم يجسر على مثله. وأتوا البيوت من أبوابها إذ ليس في العدول بر فباشروا الأمور من وجوهها. واتقوا الله في تغيير أحكامه والاعتراض على أفعاله. لعلكم تفلحون لكي تظفروا بالهدى والبر.