وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين   
وكتبنا له في الألواح من كل شيء   ; أي : مما يحتاجون إليه من أمور دينهم . 
موعظة وتفصيلا لكل شيء  بدل من الجار والمجرور ; أي : كتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام ، واختلف في عدد الألواح وفي جوهرها ومقدارها ; فقيل : إنها كانت عشرة ألواح ، وقيل : سبعة ، وقيل : لوحين ، وإنها كانت من زمردة جاء بها جبريل  عليه السلام ، وقيل : من زبرجدة خضراء ، أو ياقوتة حمراء . 
وقيل : أمر الله تعالى موسى  بقطعها من صخرة صماء لينها له ، فقطعها بيده وشققها بأصابعه . وعن  الحسن  رضي الله عنه : كانت من خشب نزلت من السماء فيها التوراة ، وإن طولها كان عشرة أذرع . 
وقيل : أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير ، يقرأ الجزء منه في سنة ، لم يقرأها إلا أربعة نفر : موسى  ، ويوشع  ، وعزير  ، وعيسى  ، عليهم السلام . وعن  مقاتل  رضي الله عنه : كتب في الألواح : إني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئا ، ولا تقطعوا السبيل ، ولا تزنوا ، ولا تعقوا الوالدين . 
فخذها  على إضمار قول معطوف على كتبنا ; أي : فقلنا : خذها . 
بقوة  بجد وعزيمة ، وقيل : هو بدل من قوله تعالى : " فخذ ما آتيتك   " ، والضمير للألواح ، أو لكل شيء ; لأنه بمعنى الأشياء ، أو للرسالة ، أو للتوراة . 
وأمر قومك يأخذوا بأحسنها   ; أي : بأحسن ما فيها ، كالعفو والصبر ، بالإضافة إلى الاقتصاص والانتصار على طريقة الندب ، والحث على اختيار الأفضل ، كما في قوله تعالى : واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم  ، أو بواجباتها ، فإنها  [ ص: 271 ] أحسن من المباح . 
وقيل : المعنى : يأخذوا بها وأحسن صلة . قال قطرب : أي : بحسنها ، وكلها حسن ، كقوله تعالى : ولذكر الله أكبر   . وقيل : هو أن تحمل الكلمة المحتملة لمعنيين ، أو لمعان على أشبه محتملاتها بالحق ، وأقربها إلى الصواب . 
سأريكم دار الفاسقين  تلوين للخطاب وتوجيه له إلى قومه عليه الصلاة والسلام بطريق الالتفات ، حملا لهم على الجد في الامتثال بما أمروا به ، إما على نهج الوعيد والترهيب ، على أن المراد بدار الفاسقين : أرض مصر  ، وديار عاد  وثمود  ، وأضرابهم ; فإن رؤيتها وهي الخالية عن أهلها خاوية على عروشها ، موجبة للاعتبار والانزجار عن مثل أعمال أهلها ; كي لا يحل بهم ما حل بأولئك . 
وإما على نهج الوعد والترغيب ، على أن المراد بدار الفاسقين : إما أرض مصر  خاصة ، أو مع أرض الجبابرة والعمالقة بالشام  ، فإنها أيضا مما أتيح لبني إسرائيل وكتب لهم حسبما ينطق به قوله عز وجل : يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم   . 
ومعنى الإراءة : الإدخال بطريق الإيراث ، ويؤيده قراءة من قرأ : ( سأورثكم ) بالثاء المثلثة ، كما في قوله تعالى : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها  ، وقرئ : ( سأوريكم ) ، ولعله من أوريت الزند ; أي : سأبينها لكم . 
				
						
						
