ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم
ولا يحزنك قولهم تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما كان يلقاه من جهتهم من الأذية الناشئة عن مقالاتهم الموحشة، وتبشير له - صلى الله عليه وسلم - بأنه - عز وجل - ينصره ويعزه عليهم، إثر بيان أن له ولأتباعه أمنا من كل محذور وفوزا بكل مطلوب، وقرئ (ولا يحزنك) من أحزنه، وهو في الحقيقة نهي له - صلى الله عليه وسلم - عن الحزن، كأنه قيل: لا تحزن بقولهم ولا تبال بتكذيبهم وتشاورهم في تدبير هلاكك، وإبطال أمرك وسائر ما يتفوهون به في شأنك مما لا خير فيه، وإنما وجه النهي إلى قولهم للمبالغة في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الحزن، لما أن النهي عن التأثير نهي عن التأثر بأصله، ونفي له بالمرة، وقد يوجه النهي إلى اللازم، والمراد: هو النهي عن الملزوم، كما في قولك: لا أرينك ههنا، وتخصيص النهي عن الحزن بالإيراد مع شمول النفي السابق للحزن أيضا؛ لما أنه لم يكن فيه - صلى الله عليه وسلم - شائبة خوف حتى ينهى عنه، وربما كان يعتريه - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأوقات نوع حزن فسلي عن ذلك.
وقوله تعالى: إن العزة تعليل للنهي على طريقة الاستئناف، أي: الغلبة والقهر لله جميعا أي: في ملكته وسلطانه لا يملك أحد شيئا منها أصلا لا هم ولا غيرهم، فهو يقهرهم ويعصمك منهم وينصرك عليهم، وقد كان كذلك فهي من جملة المبشرات العاجلة، وقرئ بفتح (أن) على صريح التعليل، أي: لأن العزة لله هو السميع العليم يسمع ما يقولون في حقك، ويعلم ما يعزمون عليه، وهو مكافئهم بذلك.