الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ غدوت كلام مستأنف سيق للاستشهاد بما فيه من استتباع عدم الصبر والتقوى للضرر على أن وجودهما مستتبع لما وعد من النجاة من مضرة كيد الأعداء، و "إذ" نصب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم خاصة مع عموم الخطاب فيما قبله وما بعده له وللمؤمنين لاختصاص مضمون الكلام به عليه السلام، أي: واذكر لهم وقت غدوك ليتذكروا ما وقع فيه من الأحوال الناشئة عن عدم الصبر فيعلموا أنهم إن لزموا الصبر والتقوى لا يضرهم كيد الكفرة، وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودة بالذات للمبالغة في إيجاب ذكرها واستحضار الحادثة بتفاصيلها كما سلف بيانه في تفسير قوله تعالى: وإذ قال ربك للملائكة إلخ... والمراد به: خروجه عليه السلام إلى أحد وكان ذلك من منزل عائشة رضي الله عنها وهو المراد بقوله تعالى: من أهلك أي: من عند أهلك. تبوئ المؤمنين أي: تنزلهم أو تهيئ وتسوي لهم. مقاعد ويؤيد قراءة من قرأ تبوئ للمؤمنين، والجملة حال من فاعل "غدوت" لكن لا على أنها حال مقدرة، أي: ناويا وقاصدا للتبوئة كما قيل، [ ص: 78 ] بل على أن المقصود تذكير الزمان الممتد المتسع لابتداء الخروج والتبوئة وما يترتب عليها إذ هو المذكر للقصة وإنما عبر عنه بالغدو الذي هو الخروج غدوة مع كون خروجه عليه السلام بعد صلاة الجمعة - كما ستعرفه - إذ حينئذ وقعت التبوئة التي هي العمدة في الباب; إذ المقصود بتذكير الوقت تذكير مخالفتهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتزايلهم عن أحيازهم المعينة لهم عند التبوئة وعدم صبرهم، وبهذا يتبين خلل رأي من احتج به على جواز أداء صلاة الجمعة قبل الزوال ، واللام في قوله تعالى: للقتال إما متعلقة بـ "تبوئ" أي: لأجل القتال، وإما بمحذوف وقع صفة لمقاعد، أي: كائنة ومقاعد القتال أماكنه ومواقفه، فإن استعمال المقعد والمقام بمعنى المكان اتساعا شائع ذائع كما في قوله تعالى: في مقعد صدق وقوله تعالى: قبل أن تقوم من مقامك . روي أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن أبي بن سلول ولم يكن دعاه قبل ذلك فاستشاره فقال عبد الله وأكثر الأنصار: يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم فو الله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه فكيف وأنت فينا فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة وإن رجعوا رجعوا خائبين، وقال بعضهم: يا رسول الله اخرج بنا إلى هؤلاء الأكلب لا يرون أنا قد جبنا عنهم، فقال صلى الله عليه وسلم: إني قد رأيت في منامي بقرا مذبحة حولي فأولتها خيرا، ورأيت في ذباب سيفي ثلما فأولته هزيمة، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة فتدعوهم، فقال رجال من المسلمين - قد فاتتهم بدر وأكرمهم الله تعالى بالشهادة يومئذ- : اخرج بنا إلى أعدائنا. وقال النعمان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله تحرمني الجنة فو الذي بعثك بالحق لأدخلن الجنة، ثم قال بقولي أشهد أن لا إله إلا الله وأني لا أفر من الزحف، فلم يزالوا به عليه السلام حتى دخل فلبس لأمته فلما رأوه كذلك ندموا وقالوا: بئسما صنعنا نشير على رسول الله والوحي يأتيه، وقالوا: اصنع يارسول الله ما رأيت، فقال ما ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل فخرج يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة وأصبح بالشعب منأحد يوم السبت للنصف من شوال لسنة ثلاث من الهجرة فمشى على رجليه فجعل يصف أصحابه للقتال فكأنما يقوم بهم القدح إن رأى صدرا خارجا قال: تأخر، وكان نزوله في عدوة الوادي وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وأمر عبد الله بن جبير على الرماة وقال لهم: انضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من ورائنا ولا تبرحوا من مكانكم فلن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم. والله سميع لأقوالكم. عليم بضمائركم. والجملة اعتراض للإيذان بأنه قد صدر عنهم هناك من الأقوال والأفعال ما لا ينبغي صدوره عنهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية