[ ص: 200 ] 105- سورة الفيل
مكية وآيها خمس
بسم الله الرحمن الرحيم
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والهمزة لتقرير رؤيته عليه الصلاة والسلام بإنكار عدمها، و"كيف" معلقة لفعل الرؤية منصوبة بما بعدها، والرؤية علمية أي: ألم تعلم علما رصينا متاخما للمشاهدة والعيان باستماع الأخبار المتواترة ومعاينة الآثار الظاهرة، وتعليق الرؤية بكيفية فعله عز وجل لا بنفسه بأن يقال: ألم تر ما فعل ربك ...إلخ، لتهويل الحادثة والإيذان بوقوعها على كيفية هائلة وهيئة عجيبة دالة على ، وعزة بيته وشرف رسوله صلى الله عليه وسلم; فإن ذلك من الإرهاصات لما روي أن القصة وقعت في السنة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وتفصيلها أن عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه وحكمته أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن من قبل بنى أصحمة النجاشي بصنعاء كنيسة وسماها القليس، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلا فأغضبه ذلك. وقيل: أججت رفقة من العرب نارا فحملتها الريح فأحرقتها فحلف ليهد الكعبة، فخرج مع جيشه ومعه فيل له اسمه محمود، وكان قويا عظيما واثنا عشر فيلا غيره، وقيل: ثمانية، وقيل: ألف، وقيل: كان معه وحده، فلما بلغ المغمس خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع، فأبى وعبأ جيشه وقدم الفيل، فكان كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى اليمن أو إلى غيره من الجهات هرول، فأرسل الله تعالى طيرا سودا، وقيل: خضرا، وقيل بيضا، مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، فكان الحجر يلقى على رأس الرجل فيخرج من دبره وعلى كل حجر اسم من يقع عليه، ففروا فهلكوا في كل طريق ومنهل، وروي أن أبرهة تساقطت أنامله وآرابه وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ فقص عليه القصة فلما أتمها وقع عليه الحجر فخر ميتا بين يديه، وقيل: إن النجاشي أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير، فخرج إليه في شأنها، فلما رآه أبرهة عظم في عينه، وكان رجلا وسيما جسيما، وقيل: هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال، فنزل أبرهة عن سريره وجلس على بساطه، وقيل: أجلسه معه على سريره، ثم قال لترجمانه: قل له: ما حاجتك؟ فلما ذكر حاجته قال: سقطت من عيني حيث جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين [ ص: 201 ] آبائك، وعصمتكم وشرفكم في قديم الدهر لا تكلمني فيه، ألهاك عنه ذود أخذت لك! فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا يحميه ثم رجع وأتى باب الكعبة فأخذ بحلقته ومعه نفر من قريش يدعون الله عز وجل، فالتفت وهو يدعو فإذا هو بطير من نحو اليمن فقال: والله إنها لطير غريبة ما هي نجدية ولا تهامية، فأرسل حلقة الباب ثم انطلق مع أصحابه ينتظرون ماذا يفعل أبرهة، فأرسل الله تعالى عليهم الطير فكان ما كان. وقيل: كان أبرهة جد الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن النجاشي رضي الله عنها قالت: رأيت قائد الفيل وسائسه أعميين مقعدين يستطعمان، وقرئ "ألم تر" بسكون الراء للجد في إظهار أثر الجازم. عائشة