والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم   
والسارق والسارقة  شروع في بيان حكم السرقة الصغرى بعد بيان أحكام الكبرى ، وقد عرفت اقتضاء الحال لإيراد ما توسط بينهما من المقال ، ولما كانت السرقة معهودة من النساء كالرجال ، صرح بالسارقة أيضا ، مع أن المعهود في الكتاب والسنة إدراج النساء في الأحكام الواردة في شأن الرجال بطريق الدلالة لمزيد الاعتناء بالبيان ، والمبالغة في الزجر ، وهو مبتدأ خبره عند  سيبويه  محذوف ، تقديره : وفيما يتلى عليكم ، أو وفيما فرض عليكم السارق والسارقة ; أي : حكمهما ، وعند المبرد . 
قوله تعالى : فاقطعوا أيديهما  والفاء لتضمن المبتدإ معنى الشرط ; إذ المعنى : الذي سرق والتي سرقت . وقرئ بالنصب ، وفضلها سيبويه على قراءة الرفع ; لأن الإنشاء لا يقع خبرا إلا بتأويل وإضمار ، والسرقة أخذ مال الغير خفية ، وإنما توجب القطع إذا كان الأخذ من حرز ،  [ ص: 35 ] والمأخوذ يساوي عشرة دراهم فما فوقها مع شروط فصلت في موقعها . 
والمراد بأيديهما : أيمانهما ، كما يفصح عنه قراءة  ابن مسعود  رضي الله عنه : ( والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم ) ; ولذلك ساغ وضع الجمع موضع المثنى ، كما في قوله تعالى : فقد صغت قلوبكما  اكتفاء بتثنية المضاف إليه . واليد : اسم لتمام الجارحة ، ولذلك ذهب الخوارج  إلى أن المقطع هو المنكب ، والجمهور على أنه الرسغ ; لأنه عليه الصلاة والسلام أتي بسارق فأمر بقطع يمينه منه  . 
جزاء  نصب على أنه مفعول له ; أي : فاقطعوا للجزاء ، أو مصدر مؤكد لفعله الذي يدل عليه فاقطعوا ; أي : فجازوهما جزاء . 
وقوله تعالى : بما كسبا  على الأول متعلق بجزاء ، وعلى الثاني باقطعوا ، وما مصدرية ; أي : بسبب كسبهما ، أو موصولة ; أي : ما كسباه من السرقة التي تباشر بالأيدي . 
وقوله تعالى : نكالا  مفعول له أيضا على البدلية من جزاء ; لأنهما من نوع واحد . وقيل : القطع معلل بالنكال ، وقيل : وهو منصوب بجزاء على طريقة الأحوال المتداخلة ، فإنه علة للجزاء ، والجزاء علة للقطع ، كما إذا قلت : ضربته تأديبا له : إحسانا إليه ، فإن الضرب معلل بالتأديب ، والتأديب معلل بالإحسان . وقد أجازوا في قوله عز وجل : أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده  أن يكون بغيا مفعولا له ناصبه أن يكفروا ، ثم قالوا : إن قوله تعالى : " أن ينزل الله " مفعول له ناصبه بغيا ، على أن التنزيل علة للبغي ، والبغي علة للكفر . 
وقوله تعالى : من الله  متعلق بمحذوف وقع صفة لنكالا ; أي : نكالا كائنا منه تعالى . 
والله عزيز  غالب على أمره يمضيه كيف يشاء ، من غير ند ينازعه ولا ضد يمانعه . 
حكيم  في شرائعه ، لا يحكم إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة ، ولذلك شرع هذه الشرائع المنطوية على فنون الحكم والمصالح . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					