أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون   
أفحكم الجاهلية يبغون  إنكار وتعجيب من حالهم وتوبيخ لهم ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ; أي : يتولون عن حكمك فيبغون حكم الجاهلية ، وتقديم المفعول للتخصيص المفيد لتأكيد الإنكار والتعجيب ; لأن التولي عن حكمه صلى الله عليه وسلم وطلب حكم آخر منكر عجيب ، وطلب حكم الجاهلية أقبح وأعجب ، والمراد بالجاهلية : إما الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى الموجبة للميل والمداهنة في الأحكام ، فيكون تعييرا لليهود بأنهم مع كونهم أهل كتاب وعلم يبغون حكم الجاهلية التي هي هوى وجهل ، لا يصدر عن كتاب ولا يرجع إلى وحي ، وإما أهل الجاهلية وحكمهم ما كانوا عليه من التفاضل فيما بين القتلى ، حيث روي أن بني النضير  لما تحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصومة قتل وقعت بينهم وبين بني قريظة  ، طلبوا إليه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل ، فقال صلى الله عليه وسلم : " القتلى سواء  " ، فقال بنو النضير   : نحن لا نرضى بذلك ، فنزلت . 
وقرئ برفع الحكم على أنه مبتدأ ، و" يبغون " خبره ، والراجع محذوف ، حذفه في قوله تعالى : أهذا الذي بعث الله رسولا  ، وقد استضعف ذلك في غير الشعر . وقرئ بتاء الخطاب إما بالالتفات لتشديد التوبيخ ، وإما بتقدير القول ; أي : قل لهم : أفحكم ... إلخ . وقرئ بفتح الحاء والكاف ; أي : أفحكاما كحكام الجاهلية يبغون . 
ومن أحسن من الله حكما  إنكار لأن يكون أحد حكمه أحسن من حكمه تعالى أو مساو له ، وإن كان ظاهر السبك غير متعرض لنفي المساواة وإنكارها ، وقد مر تفصيله في تفسير قوله تعالى : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله   . 
لقوم يوقنون   ; أي : عندهم ، واللام كما في هيت لك ; أي : هذا الاستفهام لهم ، فإنهم الذين يتدبرون الأمور بأنظارهم ، فيعلمون يقينا أن حكم الله عز وجل أحسن الأحكام وأعدلها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					