الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا : استئناف؛ كما مر؛ كأنه قيل: فماذا قالوا بعد ذلك؟ فقيل: توجهوا نحو الامتثال؛ وقالوا: ادع لنا ؛ أي لأجلنا؛ ربك يبين لنا ما هي : "ما": مبتدأ؛ و"هي": خبره؛ والجملة في حيز النصب. "يبين": أي: يبين لنا جواب هذا السؤال؛ وقد سألوا عن حالها؛ وصفتها؛ لما قرع أسماعهم ما لم يعهدوه من بقرة ميتة؛ يضرب ببعضها ميت؛ فيحيا؛ فإن "ما"؛ وإن شاعت في طلب مفهوم الاسم والحقيقة - كما في "ما" الشارحة والحقيقية - لكنها قد يطلب بها الصفة؛ والحال؛ تقول: ما زيد؟ فيقال: طبيب؛ أو عالم. وقيل: كان حقه أن يستفهم بـ "أي"؛ لكنهم لما رأوا ما أمروا به على حالة مغايرة لما عليه الجنس؛ أخرجوه عن الحقيقة؛ فجعلوه جنسا على حياله.

                                                                                                                                                                                                                                      قال : أي موسى - عليه السلام -؛ بعدما دعا ربه - عز وجل - بالبيان؛ وأتاه الوحي: إنه (تعالى) يقول إنها ؛ أي البقرة المأمور بذبحها؛ بقرة لا فارض ولا بكر ؛ أي: لا مسنة؛ ولا فتية؛ يقال: "فرضت البقرة فروضا"؛ أي: أسنت؛ من "الفرض"؛ بمعنى "القطع"؛ كأنها قطعت سنها؛ وبلغت آخرها؛ وتركيب البكر للأولية؛ ومنه "البكرة"؛ و"الباكورة"؛ عوان ؛ أي: نصف؛ لا قحم؛ ولا ضرع؛ قال:


                                                                                                                                                                                                                                      طوال مثل أعناق الهوادي ... نواعم بين أبكار وعون



                                                                                                                                                                                                                                      بين ذلك : إشارة إلى ما ذكر من "الفارض" و"البكر"؛ ولذلك أضيف إليه "بين"؛ لاختصاصه بالإضافة إلى المتعدد؛ فافعلوا : أمر من جهة موسى - عليه السلام -؛ متفرع على ما قبله من بيان صفة المأمور به؛ ما تؤمرون : أي: ما تؤمرونه؛ بمعنى "تؤمرون به"؛ كما في قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ...

                                                                                                                                                                                                                                      فإن حذف الجار قد شاع في هذا الفعل؛ حتى لحق بالأفعال المتعدية إلى مفعولين؛ وهذا الأمر منه - عليه السلام - لحثهم على الامتثال؛ وزجرهم عن المراجعة؛ ومع ذلك لم يقتنعوا به. وقوله (تعالى):

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية