وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون   
وإذ أوحيت إلى الحواريين  عطف على ما قبله من أخواتها الواقعة ظروفا للنعمة التي أمر بذكرها ، وهي وإن كانت في الحقيقة عين ما يفيده الجمل التي أضيف إليها تلك الظروف من التأييد بروح القدس ، وتعليم الكتاب والحكمة ، وسائر الخوارق المعدودة ، لكنها لمغايرتها لها بعنوان منبئ عن غاية الإحسان ، أمر بذكرها من تلك الحيثية ، وجعلت عاملة في تلك الظروف لكفاية المغايرة الاعتبارية في تحقيق ما اعتبر في مدلول كلمة " إذ " من تعدد النسبة ، فإنه ظرف موضوع لزمان نسبتين ماضيتين واقعتين فيه ، إحداهما معلومة الوقوع فيه للمخاطب دون الأخرى ، فيراد إفادة وقوعها أيضا له ، فيضاف إلى الجملة المفيدة للنسبة الأولى ، ويجعل ظرفا معمولا للنسبة الثانية ، ثم قد تكون المغايرة بين النسبتين بالذات ، كما في قولك : اذكر إحساني إليك إذ أحسنت إلي ، تريد تنبيه المخاطب على وقوع إحسانك إليه وقت وقوع إحسانه إليك ، وهما نسبتان متغايرتان بالذات ، وقد تكون بالاعتبار كما في قولك : اذكر إحساني إليك إذ منعتك من المعصية ، تريد تنبيهه على كون منعه منها إحسانا إليه ، لا على إحسان آخر واقع حينئذ ، ومن هذا القبيل عامة ما وقع في التنزيل من قوله تعالى : يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا   ... الآية ، وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم  ، إلى غير ذلك من النظائر . 
ومعنى إيحائه تعالى إليهم : أمره تعالى إياهم في الإنجيل على لسانه عليه السلام . وقيل : إلهامه تعالى إياهم ، كما في قوله تعالى : وأوحينا إلى أم موسى   . 
و" أن " في قوله تعالى : أن آمنوا بي وبرسولي  مفسرة لما في الإيحاء من معنى القول ، وقيل : مصدرية ، وإيراده عليه السلام بعنوان الرسالة ; للتنبيه على كيفية الإيمان به عليه السلام ، كأنه قيل : آمنوا بوحدانيتي في الألوهية والربوبية ، وبرسالة رسولي ، ولا تزيلوه عن حيزه حطا ولا رفعا . 
وقوله تعالى : قالوا  استئناف مبني على سؤال نشأ من سوق الكلام ، كأنه قيل : فماذا قالوا حين أوحي إليهم ذلك ؟ فقيل : قالوا : آمنا   ; أي : بما ذكر من وحدانيته تعالى وبرسالة رسوله كما يؤذن به قولهم . 
واشهد بأننا مسلمون   ; أي : مخلصون في إيماننا ، من أسلم وجهه لله  وهذا القول منهم بمقتضى وحيه تعالى وأمره لهم بذلك ، نعمة جليلة كسائر النعم الفائضة عليه عليه الصلاة والسلام ، وكل ذلك نعمة على والدته أيضا . 
روي أنه عليه السلام لما علم أنه سيؤمر بذكر هاتيك النعم العظام ، جعل يلبس الشعر ويأكل الشجر ، ولا يدخر شيئا لغد ، يقول : لكل يوم رزقه ، لم يكن له بيت فيخرب ، ولا ولد فيموت ، أينما أمسى بات . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					