الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين

                                                                                                                                                                                                                                      وربك الغني مبتدأ وخبر ; أي : هو المعروف بالغني عن كل ما سواه كائنا من كان وما كان ، فيدخل فيه غناه عن العباد وعن عبادتهم ، وفي التعرض لوصف الربوبية في الموضعين لا سيما في الثاني ، لكونه موقع الإضمار مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من إظهار اللطف به صلى الله عليه وسلم ، وتنزيه ساحته عن توهم شمول الوعيد الآتي لها أيضا ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : ذو الرحمة خبر آخر ، أو هو الخبر ، والغني صفة ; أي : يترحم عليهم بالتكليف تكميلا لهم ، ويمهلهم على المعاصي ، وفيه تنبيه على أن ما سلف ذكره من الإرسال ليس لنفعه ، بل لترحمه على العباد ، وتمهيد لقوله تعالى : إن يشأ يذهبكم ; أي : ما به حاجة إليكم ، إن يشأ يذهبكم أيها العصاة ، وفي تلوين الخطاب من تشديد الوعيد ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                                                                      ويستخلف من بعدكم ; أي : من بعد إذهابكم .

                                                                                                                                                                                                                                      ما يشاء من الخلق ، وإيثار " ما " على " من " لإظهار كمال الكبرياء وإسقاطهم عن رتبة العقلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ; أي : من نسل قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم ، وهم أهل سفينة نوح عليه الصلاة والسلام ، لكنه أبقاكم ترحما عليكم ، و" ما " في " كما " مصدرية ، ومحل الكاف النصب على أنه مصدر تشبيهي على غير الصدر ، فإن يستخلف في معنى : ينشئ ، كأنه قيل : وينشئ إنشاء كائنا كإنشائكم ... إلخ ، أو نعت لمصدر الفعل المذكور ; أي : يستخلف استخلافا كائنا كإنشائكم ... إلخ ، والشرطية استئناف مقرر لمضمون ما قبلها من الغنى والرحمة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية