وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم
(12) يقول تعالى بعدما ذكر أن المعاهدين من المشركين إن استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم أي: نقضوها وحلوها، فقاتلوكم أو أعانوا على قتالكم، أو نقصوكم، وطعنوا في دينكم أي: عابوه، وسخروا منه.
ويدخل في هذا جميع أنواع الطعن الموجهة إلى الدين، أو إلى القرآن، فقاتلوا أئمة الكفر أي: القادة فيه، الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن، الناصرين لدين الشيطان، وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم، ولأن غيرهم تبع لهم، وليدل على أن من طعن في الدين وتصدى للرد عليه، فإنه من أئمة الكفر.
إنهم لا أيمان لهم أي: لا عهود ولا مواثيق يلازمون على الوفاء بها، بل لا يزالون خائنين، ناكثين للعهد، لا يوثق منهم.
لعلهم في قتالكم إياهم ينتهون عن الطعن في دينكم، وربما دخلوا فيه.
(13) ثم حث على قتالهم، وهيج المؤمنين بذكر الأوصاف، التي صدرت من هؤلاء الأعداء، والتي هم موصوفون بها، المقتضية لقتالهم فقال: ألا تقاتلون [ ص: 639 ] قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول الذي يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه؟ وهموا أن يجلوه ويخرجوه من وطنه وسعوا في ذلك ما أمكنهم، وهم بدءوكم أول مرة حيث نقضوا العهد وأعانوا عليكم، وذلك حيث أعانت قريش -وهم معاهدون- بني بكر حلفاءهم على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتلوا معهم كما هو مذكور مبسوط في السيرة.
أتخشونهم في ترك قتالهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين فالله أمركم بقتالهم، وأكد ذلك عليكم غاية التأكيد.
فإن كنتم مؤمنين فامتثلوا لأمر الله، ولا تخشوهم فتتركوا أمر الله.
(14) ثم أمر بقتالهم وذكر ما يترتب على قتالهم من الفوائد، وكل هذا حث وإنهاض للمؤمنين على قتالهم، فقال:
قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم بالقتل ويخزهم إذا نصركم الله عليهم، وهم الأعداء الذين يطلب خزيهم ويحرص عليه، وينصركم عليهم هذا وعد من الله وبشارة قد أنجزها.
ويشف صدور قوم مؤمنين
(15) ويذهب غيظ قلوبهم فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله وزوالا للغيظ الذي في قلوبكم، وهذا يدل على محبة الله للمؤمنين واعتنائه بأحوالهم حتى إنه جعل - من جملة المقاصد الشرعية - شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم
ثم قال ويتوب الله على من يشاء من هؤلاء المحاربين بأن يوفقهم للدخول في الإسلام ويزينه في قلوبهم ويكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان
والله عليم حكيم يضع الأشياء مواضعها ويعلم من يصلح للإيمان فيهديه ومن لا يصلح فيبقيه في غيه وطغيانه