[ ص: 3487 ] nindex.php?page=treesubj&link=29786_31948_32000_32016_30531_29468_29680_30494_28902_29497_30200_23468_30997_20021_29509_30549_25353_19775_29028nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=18إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير (22)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور (23)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد (24)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز (25)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=26ولقد أرسلنا .نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون (26)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم [ ص: 3488 ] وكثير منهم فاسقون (27)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=28يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم (28)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (29)
هذا الشوط امتداد لموضوع السورة الرئيسي: تحقيق حقيقة الإيمان في النفس، حتى ينبثق عنها البذل الخالص في سبيل الله. وفيه من موحيات الإيمان، ومن الإيقاعات المؤثرة، قريب مما اشتمل عليه الشوط الأول، بعد ذلك المطلع العميق المثير.
وهو يبدأ برنة عتاب من الله - سبحانه - للمؤمنين، الذين لم يصلوا إلى تلك المرتبة التي يريدها الله لهم; وتلويح لهم بما كان من أهل الكتاب قبلهم من قسوة في القلوب وفسق في الأعمال، وتحذير من هذا المآل، الذي انتهى إليه أهل الكتاب بطول الأمد عليهم. مع إطماعهم في عون الله الذي يحيي القلوب كما يحيي الأرض بعد موتها.
فإذا انتهت هذه اللمسة تبعتها لمسة أخرى - مجالها العالم الآخر - وتكررت الدعوة إلى إقراض الله قرضا حسنا، مع بيان ما أعده الله لمن يقرضونه في الدنيا من العوض المضاعف والأجر الكريم.. على نحو مما جاء في الشوط الأول.
ولمسة ثالثة بوضع قيم الدنيا كلها في ميزان الله إلى جانب قيم الآخرة.. حيث تبدو قيم الأرض لعبا خفيفة الوزن; وترجح كفة الآخرة ويبدو فيها الجد الذي يستحق الاهتمام.
ومن ثم يهتف بهم ليسابقوا إلى قيم الآخرة.. في جنة عرضها كعرض السماء والأرض. أعدت للذين آمنوا بالله ورسله.
ولمسة رابعة ترجع بهم من ساحة الآخرة إلى ما هم فيه من واقع الحياة وأحداثها، فتعلق قلوبهم بقدر الله فيها. في السراء والضراء سواء. ومن ثم يهون عليهم البذل، ولا يزدهيهم من أعراض الأرض شيء; وترتبط أحاسيسهم كلها بالسماء.
وبعد ذلك يعرض عليهم طرفا من تاريخ دعوة الله في الأرض، تبدو فيه وحدة المنهج، واستقامة الطريق. وأن الذي يحيد عنه في كل عهد هم الفاسقون. ويلوح لهم بما كان من بعض أهل الكتاب كما لوح لهم في أول الشوط. لينتهي من هذا الهتاف الأخير لهم بتقوى الله والإيمان برسوله، ليؤتيهم كفلين من رحمته، ويجعل لهم نورا يمشون به ويغفر لهم. ففضل الله ليس وقفا على أهل الكتاب كما يزعمون. إنما هو بيد الله يؤتيه من يشاء
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29والله ذو الفضل العظيم ..
وهكذا تكون السورة من أولها إلى آخرها مترابطة الحلقات، في خط واحد ثابت، تتوالى إيقاعاتها على القلوب،
[ ص: 3489 ] منوعة ومتشابهة. فيها من التكرار القدر اللازم لتعميق أثر الإيقاع في القلب، وطرقه وهو ساخن بحرارة الإيقاع بعد الإيقاع!
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل، فطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون، nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها. قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ..
إنه عتاب مؤثر من المولى الكريم الرحيم; واستبطاء للاستجابة الكاملة من تلك القلوب التي أفاض عليها من فضله; فبعث فيها الرسول يدعوها إلى الإيمان بربها، ونزل عليه الآيات البينات ليخرجها من الظلمات إلى النور وأراها من آياته في الكون والخلق ما يبصر ويحذر.
عتاب فيه الود، وفيه الحض، وفيه الاستجاشة إلى الشعور بجلال الله، والخشوع لذكره، وتلقي ما نزل من الحق بما يليق بجلال الحق من الروعة والخشية والطاعة والاستسلام، مع رائحة التنديد والاستبطاء في السؤال:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟ ..
وإلى جانب التحضيض والاستبطاء تحذير من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة، وبيان لما يغشى القلوب من الصدإ حين يمتد بها الزمن بدون جلاء، وما تنتهي إليه من القسوة بعد اللين حين تغفل عن ذكر الله، وحين لا تخشع للحق:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل، فطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون ..
وليس وراء قسوة القلوب إلا الفسق والخروج.
إن هذا القلب البشري سريع التقلب، سريع النسيان. وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور، ويرف كالشعاع; فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا، وانطمست إشراقته، وأظلم وأعتم! فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع، ولا بد من الطرق عليه حتى يرق ويشف ولا بد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة.
ولكن لا يأس من قلب خمد وجمد وقسا وتبلد. فإنه يمكن أن تدب فيه الحياة، وأن يشرق فيه النور، وأن يخشع لذكر الله. فالله يحيي الأرض بعد موتها، فتنبض بالحياة، وتزخر بالنبت والزهر، وتمنح الأكل والثمار.. وكذلك القلوب حين يشاء الله:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ..
وفي هذا القرآن ما يحيي القلوب كما تحيا الأرض; وما يمدها بالغذاء والري والدفء:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ..
ويتبع هذه اللمسة المحيية، وذلك العتاب المخجل، وذاك التذكير والتحذير، بحافز جديد للبذل والفداء:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=18إن المصدقين والمصدقات، وأقرضوا الله قرضا حسنا، يضاعف لهم ولهم أجر كريم. nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون، والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك [ ص: 3490 ] أصحاب الجحيم ..
إن المتصدقين والمتصدقات لا يتفضلون على آخذي الصدقات، ولا يتعاملون في هذا مع الناس. إنما هم يقرضون الله ويتعاملون مباشرة معه. فأي حافز للصدقة أوقع وأعمق من شعور المعطي بأنه يقرض الغني الحميد، وأنه يتعامل مع مالك الوجود؟ وأن ما ينفقه مخلف عليه مضاعفا; وأن له بعد ذلك كله أجرا كريما؟
ومقام الصديقين مقام رفيع كما تصوره الأحاديث النبوية الشريفة. ومع علو هذا المقام فهو بفضل الله ميسور لمن أراده، وليس وقفا على أفراد ولا على طائفة. فكل من يحقق إيمانه بالله ورسله يطمع في هذا المقام الرفيع، ولا حجر على فضل الله:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ..
وتلك خاصية هذا الدين وميزته. إنه طريق مفتوح لجميع البشر، وأفق يتطلع إليه الجميع، ليس فيه احتكار للمقامات، وليس فيه خصوصيات محجوزة لأناس بأعيانهم. وليس إلا العمل يصعد بصاحبه إلى أرقى الدرجات. إنه دين لا مجال فيه للطبقات المحفوظة المقام!
روى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في كتابه "الموطأ" عن
nindex.php?page=showalam&ids=16228صفوان بن سليم، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662067 "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم".. قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين"..
فهذه لمسة الإيمان. فأما لمسة الفداء فقوله بعد ذلك:
"والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم"..
والحديث عن مقام الشهداء ورد مرات في القرآن، وتواترت به الأحاديث النبوية. فهذا الدين لا يقوم بغير حراسة; ولا يتحقق في الأرض بغير جهاد. جهاد لتأمين العقيدة وتأمين الدعوة وحماية أهله من الفتنة وشريعته من الفساد. ومن ثم كان للشهداء في سبيل الله - وهم وحدهم الذين يسمون شهداء - مقامهم، وكان لهم قربهم من ربهم. القرب الذي يعبر عنه بأنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19عند ربهم ..
جاء في الصحيحين:
nindex.php?page=hadith&LINKID=885912 "أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل. فاطلع عليهم ربهم اطلاعة، فقال: ماذا تريدون! فقالوا: نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنقتل كما قتلنا أول مرة. فقال: إني قد قضيت أنهم إليها لا يرجعون".
وأخرج الشيخان وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652606 "ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء - إلا الشهيد - يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة"..
وكذلك كانت تهون الحياة على من يسمع هذه الموحيات، ويعرف مقام الشهادة عند الله.. روى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ... عن
يحيى بن سعيد nindex.php?page=hadith&LINKID=708093 "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رغب في الجهاد وذكر الجنة ورجل من الأنصار يأكل تمرات في يده. فقال: إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن! فرمى ما في [ ص: 3491 ] يده وحمل بسيفه حتى قتل".. وقد روي أن هذا كان هو
عبير بن الحمام عليه رضوان الله. وبينما الصديقون في ذلك المقام والشهداء في هذا المقام يقول النص القرآني عن الكافرين المكذبين:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ..
فمن ذا الذي يترك الكرامة والنعيم، ويختار أن يكون من أصحاب الجحيم؟!
واللمسة الثالثة في هذا الشوط تجيء تعقيبا على دعوة الإيمان والبذل، ودعوة الفداء والتضحية. تعقيبا يصور الدنيا كلها بصورة هزيلة زهيدة تهون من شأنها وترفع النفوس عنها، وتعلقها بالآخرة وقيمها:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة، وتفاخر بينكم، وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته، ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما. وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ..
والحياة الدنيا حين تقاس بمقاييسها هي وتوزن بموازينها تبدو في العين وفي الحس أمرا عظيما هائلا. ولكنها حين تقاس بمقاييس الوجود وتوزن بميزان الآخرة تبدو شيئا زهيدا تافها. وهي هنا في هذا التصوير تبدو لعبة أطفال بالقياس إلى ما في الآخرة من جد تنتهي إليه مصائر أهلها بعد لعبة الحياة!
لعب. ولهو. وزينة، وتفاخر. وتكاثر ... هذه هي الحقيقة وراء كل ما يبدو فيها من جد حافل واهتمام شاغل.. ثم يمضي يضرب لها مثلا مصورا على طريقة القرآن المبدعة..
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20كمثل غيث أعجب الكفار نباته .. والكفار هنا هم الزراع. فالكافر في اللغة هو الزارع، يكفر أي يحجب الحبة ويغطيها في التراب. ولكن اختياره هنا فيه تورية وإلماع إلى إعجاب الكفار بالحياة الدنيا!
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20ثم يهيج فتراه مصفرا للحصاد. فهو موقوت الأجل، ينتهي عاجلا، ويبلغ أجله قريبا
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20ثم يكون حطاما .. وينتهي شريط الحياة كلها بهذه الصورة المتحركة المأخوذة من مشاهدات البشر المألوفة.. ينتهي بمشهد الحطام!
فأما الآخرة فلها شأن غير هذا الشأن، شأن يستحق أن يحسب حسابه، وينظر إليه، ويستعد له:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان .. فهي لا تنتهي في لمحة كما تنتهي الحياة الدنيا. وهي لا تنتهي إلى حطام كذلك النبات البالغ أجله.. إنها حساب وجزاء.. ودوام.. يستحق الاهتمام!
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ..
فما لهذا المتاع حقيقة ذاتية، إنما يستمد قوامه من الغرور الخادع كما أنه يلهي وينسي فينتهي بأهله إلى غرور خادع.
وهي حقيقة حين يتعمق القلب في طلب الحقيقة. حقيقة لا يقصد بها القرآن العزلة عن حياة الأرض، ولا إهمال عمارتها وخلافتها التي ناطها بهذا الكائن البشري . إنما يقصد بها تصحيح المقاييس الشعورية والقيم النفسية، والاستعلاء على غرور المتاع الزائل وجاذبيته المقيدة بالأرض. هذا الاستعلاء الذي كان المخاطبون بهذه السورة في حاجة إليه ليحققوا إيمانهم. والذي يحتاج إليه كل مؤمن بعقيدة، ليحقق عقيدته ولو اقتضى تحقيقها أن يضحي بهذه الحياة الدنيا جميعا.
[ ص: 3492 ] ومن ثم يدعوهم إلى السباق في ميدان السباق الحقيقي، للغاية التي تستحق السباق. الغاية التي تنتهي إليها مصائرهم، والتي تلازمهم بعد ذلك في عالم البقاء:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سابقوا إلى مغفرة من ربكم، وجنة عرضها كعرض السماء والأرض، أعدت للذين آمنوا بالله ورسله. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم ..
فليس السباق إلى إحراز اللهو واللعب والتفاخر والتكاثر بسباق يليق بمن شبوا عن الطوق، وتركوا عالم اللهو واللعب للأطفال والصغار! إنما السباق إلى ذلك الأفق، وإلى ذلك الهدف، وإلى ذلك الملك العريض: جنة عرضها كعرض السماء والأرض .
وربما كان بعضهم في الزمن الخالي - قبل أن تكشف بعض الحقائق عن سعة هذا الكون - يميل إلى حمل مثل هذه الآية على المجاز، وكذلك حمل بعض الأحاديث النبوية. كذلك الحديث الذي أسلفنا عن أصحاب الغرف التي يتراءاها سكان الجنة كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب.. فأما اليوم ومراصد البشر الصغيرة تكشف عن الأبعاد الكونية الهائلة التي ليس لها حدود، فإن الحديث عن عرض الجنة، والحديث عن ترائي الغرف من بعيد، يقع قطعا موقع الحقيقة القريبة البسيطة المشهودة، ولا يحتاج إلى حمله على المجاز إطلاقا! فإن ما بين الأرض والشمس مثلا لا يبلغ أن يكون شيئا في أبعاد الكون يقاس!
وذلك الملك العريض في الجنة يبلغه كل من أراد، ويسابق إليه كل من يشاء. وعربونه: الإيمان بالله ورسله.
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ..
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21والله ذو الفضل العظيم .. وفضل الله غير محجوز ولا محجور. فهو مباح متاح للراغبين والسابقين. وفي هذا فليتسابق المتسابقون، لا في رقعة الأرض المحدودة الأجل المحدودة الأركان!
ولابد لصاحب العقيدة أن يتعامل مع هذا الوجود الكبير; ولا يحصر نفسه ونظره وتصوره واهتمامه ومشاعره في عالم الأرض الضيق الصغير.. لا بد له من هذا ليؤدي دوره اللائق بصاحب العقيدة. هذا الدور الشاق الذي يصطدم بحقارات الناس وأطماعهم، كما يصطدم بضلال القلوب والتواء النفوس. ويعاني من مقاومة الباطل وتشبثه بموضعه من الأرض ما لا يصبر عليه إلا من يتعامل مع وجود أكبر من هذه الحياة، وأوسع من هذه الأرض، وأبقى من ذلك الفناء..
إن مقاييس هذه الأرض وموازينها لا تمثل الحقيقة التي ينبغي أن تستقر في ضمير صاحب العقيدة. وما تبلغ من تمثيل تلك الحقيقة إلا بقدر ما يبلغ حجم الأرض بالقياس إلى حجم الكون; وما يبلغ عمر الأرض بالقياس إلى الأزل والأبد. والفارق هائل هائل لا تبلغ مقاييس الأرض كلها أن تحدده ولا حتى أن تشير إليه!
ومن ثم يبقى صاحب العقيدة في أفق الحقيقة الكبيرة مستعليا على واقع الأرض الصغير. مهما تضخم هذا الواقع وامتد واستطال. يبقى يتعامل مع تلك الحقيقة الكبيرة الطليقة من قيود هذا الواقع الصغير. ويتعامل مع الوجود الكبير الذي يتمثله في الأزل والأبد. وفي ملك الآخرة الواسع العريض. وفي القيم الإيمانية الثابتة التي لا تهتز لخلل يقع في موازين الحياة الدنيا الصغيرة الخادعة.. وتلك وظيفة الإيمان في حياة أصحاب العقائد المختارين لتعديل قيم الحياة وموازينها، لا للتعامل بها والخضوع لمقتضياتها ...
[ ص: 3487 ] nindex.php?page=treesubj&link=29786_31948_32000_32016_30531_29468_29680_30494_28902_29497_30200_23468_30997_20021_29509_30549_25353_19775_29028nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنَ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=18إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مِنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=24الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=26وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا .نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ [ ص: 3488 ] وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=28يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مِنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلَ الْعَظِيمِ (29)
هَذَا الشَّوْطُ امْتِدَادٌ لِمَوْضُوعِ السُّورَةِ الرَّئِيسِيِّ: تَحْقِيقِ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ فِي النَّفْسِ، حَتَّى يَنْبَثِقَ عَنْهَا الْبَذْلُ الْخَالِصُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَفِيهِ مِنْ مُوحِيَاتِ الْإِيمَانِ، وَمِنَ الْإِيقَاعَاتِ الْمُؤَثِّرَةِ، قَرِيبٌ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الشَّوْطُ الْأَوَّلُ، بَعْدَ ذَلِكَ الْمَطْلَعِ الْعَمِيقِ الْمُثِيرِ.
وَهُوَ يَبْدَأُ بِرَنَّةِ عِتَابٍ مِنَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - لِلْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ لَمْ يَصِلُوا إِلَى تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي يُرِيدُهَا اللَّهُ لَهُمْ; وَتَلْوِيحٌ لَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَهُمْ مِنْ قَسْوَةٍ فِي الْقُلُوبِ وَفِسْقٍ فِي الْأَعْمَالِ، وَتَحْذِيرٍ مِنْ هَذَا الْمَآلِ، الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابِ بِطُولِ الْأَمَدِ عَلَيْهِمْ. مَعَ إِطْمَاعِهِمْ فِي عَوْنِ اللَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْقُلُوبَ كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا.
فَإِذَا انْتَهَتْ هَذِهِ اللَّمْسَةُ تَبِعَتْهَا لَمْسَةٌ أُخْرَى - مَجَالُهَا الْعَالَمُ الْآخَرُ - وَتَكَرَّرَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى إِقْرَاضِ اللَّهِ قَرْضًا حَسَنًا، مَعَ بَيَانِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِمَنْ يُقْرِضُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعِوَضِ الْمُضَاعَفِ وَالْأَجْرِ الْكَرِيمِ.. عَلَى نَحْوٍ مِمَّا جَاءَ فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ.
وَلَمْسَةٌ ثَالِثَةٌ بِوَضْعِ قِيَمِ الدُّنْيَا كُلِّهَا فِي مِيزَانِ اللَّهِ إِلَى جَانِبِ قِيَمِ الْآخِرَةِ.. حَيْثُ تَبْدُو قِيَمُ الْأَرْضِ لُعَبًا خَفِيفَةَ الْوَزْنِ; وَتَرْجَحُ كِفَّةُ الْآخِرَةِ وَيَبْدُو فِيهَا الْجِدُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الِاهْتِمَامَ.
وَمِنْ ثَمَّ يَهْتِفُ بِهِمْ لِيُسَابِقُوا إِلَى قِيَمِ الْآخِرَةِ.. فِي جَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. أُعِدَّتْ لِلَّذِينِ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ.
وَلَمْسَةٌ رَابِعَةٌ تَرْجِعُ بِهِمْ مِنْ سَاحَةِ الْآخِرَةِ إِلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنْ وَاقِعِ الْحَيَاةِ وَأَحْدَاثِهَا، فَتُعَلِّقُ قُلُوبَهُمْ بِقَدَرِ اللَّهِ فِيهَا. فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ سَوَاءٌ. وَمِنْ ثَمَّ يَهُونُ عَلَيْهِمُ الْبَذْلُ، وَلَا يَزْدَهِيهِمْ مِنْ أَعْرَاضِ الْأَرْضِ شَيْءٌ; وَتَرْتَبِطُ أَحَاسِيسُهُمْ كُلُّهُا بِالسَّمَاءِ.
وَبَعْدَ ذَلِكَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ طَرَفًا مِنْ تَارِيخِ دَعْوَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، تَبْدُو فِيهِ وَحْدَةُ الْمَنْهَجِ، وَاسْتِقَامَةُ الطَّرِيقِ. وَأَنَّ الَّذِي يَحِيدُ عَنْهُ فِي كُلِّ عَهْدٍ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَيُلَوِّحُ لَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا لَوَّحَ لَهُمْ فِي أَوَّلِ الشَّوْطِ. لِيَنْتَهِيَ مِنْ هَذَا الْهُتَافِ الْأَخِيرِ لَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِرَسُولِهِ، لِيُؤْتِيَهُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيَجْعَلَ لَهُمْ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرَ لَهُمْ. فَفَضْلُ اللَّهِ لَيْسَ وَقْفًا عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا يَزْعُمُونَ. إِنَّمَا هُوَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ..
وَهَكَذَا تَكُونُ السُّورَةُ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مُتَرَابِطَةَ الْحَلَقَاتِ، فِي خَطٍّ وَاحِدٍ ثَابِتٍ، تَتَوَالَى إِيقَاعَاتُهَا عَلَى الْقُلُوبِ،
[ ص: 3489 ] مُنَوَّعَةً وَمُتَشَابِهَةً. فِيهَا مِنَ التَّكْرَارِ الْقَدْرُ اللَّازِمُ لِتَعْمِيقِ أَثَرِ الْإِيقَاعِ فِي الْقَلْبِ، وَطَرْقُهُ وَهُوَ سَاخِنٌ بِحَرَارَةِ الْإِيقَاعِ بَعْدَ الْإِيقَاعِ!
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ؟ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنَ قَبْلُ، فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا. قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ..
إِنَّهُ عِتَابٌ مُؤَثِّرٌ مِنَ الْمَوْلَى الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ; وَاسْتِبْطَاءٌ لِلِاسْتِجَابَةِ الْكَامِلَةِ مِنْ تِلْكَ الْقُلُوبِ الَّتِي أَفَاضَ عَلَيْهَا مِنْ فَضْلِهِ; فَبَعَثَ فِيهَا الرَّسُولَ يَدْعُوهَا إِلَى الْإِيمَانِ بِرَبِّهَا، وَنَزَّلَ عَلَيْهِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ لِيُخْرِجَهَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَأَرَاهَا مِنْ آيَاتِهِ فِي الْكَوْنِ وَالْخَلْقِ مَا يُبَصِّرُ وَيُحَذِّرُ.
عِتَابٌ فِيهِ الْوُدُّ، وَفِيهِ الْحَضُّ، وَفِيهِ الِاسْتِجَاشَةُ إِلَى الشُّعُورِ بِجَلَالِ اللَّهِ، وَالْخُشُوعِ لِذِكْرِهِ، وَتَلَقِّي مَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ بِمَا يَلِيقُ بِجَلَالِ الْحَقِّ مِنَ الرَّوْعَةِ وَالْخَشْيَةِ وَالطَّاعَةِ وَالِاسْتِسْلَامِ، مَعَ رَائِحَةِ التَّنْدِيدِ وَالِاسْتِبْطَاءِ فِي السُّؤَالِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ؟ ..
وَإِلَى جَانِبِ التَّحْضِيضِ وَالِاسْتِبْطَاءِ تَحْذِيرٌ مِنْ عَاقِبَةِ التَّبَاطُؤِ وَالتَّقَاعُسِ عَنِ الِاسْتِجَابَةِ، وَبَيَانٌ لِمَا يَغْشَى الْقُلُوبَ مِنَ الصَّدَإِ حِينَ يَمْتَدُّ بِهَا الزَّمَنُ بِدُونِ جَلَاءٍ، وَمَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ مِنَ الْقَسْوَةِ بَعْدَ اللِّينِ حِينَ تَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَحِينَ لَا تَخْشَعُ لِلْحَقِّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ، فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ..
وَلَيْسَ وَرَاءَ قَسْوَةِ الْقُلُوبِ إِلَّا الْفِسْقُ وَالْخُرُوجُ.
إِنَّ هَذَا الْقَلْبَ الْبَشَرِيَّ سَرِيعُ التَّقَلُّبِ، سَرِيعُ النِّسْيَانِ. وَهُوَ يَشِفُّ وَيُشْرِقُ فَيَفِيضُ بِالنُّورِ، وَيَرِفُّ كَالشُّعَاعِ; فَإِذَا طَالَ عَلَيْهِ الْأَمَدُ بِلَا تَذْكِيرٍ وَلَا تَذَكُّرٍ تَبَلَّدَ وَقَسَا، وَانْطَمَسَتْ إِشْرَاقَتُهُ، وَأَظْلَمَ وَأَعْتَمَ! فَلَا بُدَّ مِنْ تَذْكِيرِ هَذَا الْقَلْبِ حَتَّى يَذْكُرَ وَيَخْشَعَ، وَلَا بُدَّ مِنَ الطَّرْقِ عَلَيْهِ حَتَّى يَرِقَّ وَيَشِفَّ وَلَا بُدَّ مِنَ الْيَقَظَةِ الدَّائِمَةِ كَيْ لَا يُصِيبَهُ التَّبَلُّدَ وَالْقَسَاوَةُ.
وَلَكِنْ لَا يَأْسَ مِنْ قَلْبٍ خَمَدَ وَجَمُدَ وَقَسَا وَتَبَلَّدَ. فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَدِبَّ فِيهِ الْحَيَاةُ، وَأَنْ يُشْرِقَ فِيهِ النُّورُ، وَأَنْ يَخْشَعَ لِذِكْرِ اللَّهِ. فَاللَّهُ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَتَنْبِضُ بِالْحَيَاةِ، وَتَزْخَرُ بِالنَّبْتِ وَالزَّهْرِ، وَتَمْنَحُ الْأَكْلَ وَالثِّمَارَ.. وَكَذَلِكَ الْقُلُوبُ حِينَ يَشَاءُ اللَّهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ..
وَفِي هَذَا الْقُرْآنِ مَا يُحْيِي الْقُلُوبَ كَمَا تَحْيَا الْأَرْضُ; وَمَا يَمُدُّهَا بِالْغِذَاءِ وَالرَّيِّ وَالدِّفْءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=17قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ..
وَيُتْبِعُ هَذِهِ اللَّمْسَةَ الْمَحْيِيَةَ، وَذَلِكَ الْعِتَابَ الْمُخْجِلَ، وَذَاكَ التَّذْكِيرَ وَالتَّحْذِيرَ، بِحَافِزٍ جَدِيدٍ لِلْبَذْلِ وَالْفِدَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=18إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ، وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ، وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ [ ص: 3490 ] أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ..
إِنَّ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ لَا يَتَفَضَّلُونَ عَلَى آخِذِي الصَّدَقَاتِ، وَلَا يَتَعَامَلُونَ فِي هَذَا مَعَ النَّاسِ. إِنَّمَا هُمْ يُقْرِضُونَ اللَّهَ وَيَتَعَامَلُونَ مُبَاشَرَةً مَعَهُ. فَأَيُّ حَافِزٍ لِلصَّدَقَةِ أَوْقَعُ وَأَعْمَقُ مِنْ شُعُورِ الْمُعْطِي بِأَنَّهُ يُقْرِضُ الْغَنِيَّ الْحَمِيدَ، وَأَنَّهُ يَتَعَامَلُ مَعَ مَالِكِ الْوُجُودِ؟ وَأَنَّ مَا يُنْفِقُهُ مُخْلَفٌ عَلَيْهِ مُضَاعَفًا; وَأَنَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْرًا كَرِيمًا؟
وَمَقَامُ الصِّدِّيقِينَ مَقَامٌ رَفِيعٌ كَمَا تُصَوِّرُهُ الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ. وَمَعَ عُلُوِّ هَذَا الْمَقَامِ فَهُوَ بِفَضْلِ اللَّهِ مَيْسُورٌ لِمَنْ أَرَادَهُ، وَلَيْسَ وَقْفًا عَلَى أَفْرَادٍ وَلَا عَلَى طَائِفَةٍ. فَكُلُّ مَنْ يُحَقِّقُ إِيمَانَهُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ يَطْمَعُ فِي هَذَا الْمَقَامِ الرَّفِيعِ، وَلَا حَجْرَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ..
وَتِلْكَ خَاصِّيَّةُ هَذَا الدِّينِ وَمَيْزَتُهُ. إِنَّهُ طَرِيقٌ مَفْتُوحٌ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ، وَأُفُقٌ يَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ الْجَمِيعُ، لَيْسَ فِيهِ احْتِكَارٌ لِلْمَقَامَاتِ، وَلَيْسَ فِيهِ خُصُوصِيَّاتٌ مَحْجُوزَةٌ لِأُنَاسٍ بِأَعْيَانِهِمْ. وَلَيْسَ إِلَّا الْعَمَلُ يَصْعَدُ بِصَاحِبِهِ إِلَى أَرْقَى الدَّرَجَاتِ. إِنَّهُ دِينٌ لَا مَجَالَ فِيهِ لِلطَّبَقَاتِ الْمَحْفُوظَةِ الْمَقَامِ!
رَوَى الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ فِي كِتَابِهِ "الْمُوَطَّأِ" عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16228صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16572عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662067 "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، لِتُفَاضِلِ مَا بَيْنَهُمْ".. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ: "بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ"..
فَهَذِهِ لَمْسَةُ الْإِيمَانِ. فَأَمَّا لَمْسَةُ الْفِدَاءِ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ:
"وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ"..
وَالْحَدِيثُ عَنْ مَقَامِ الشُّهَدَاءِ وَرَدَ مَرَّاتٍ فِي الْقُرْآنِ، وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ. فَهَذَا الدِّينُ لَا يَقُومُ بِغَيْرِ حِرَاسَةٍ; وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ جِهَادٍ. جِهَادٍ لِتَأْمِينِ الْعَقِيدَةِ وَتَأْمِينِ الدَّعْوَةِ وَحِمَايَةِ أَهْلِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَشَرِيعَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ. وَمِنْ ثَمَّ كَانَ لِلشُّهَدَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَهُمْ وَحْدَهُمُ الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ شُهَدَاءَ - مَقَامُهُمْ، وَكَانَ لَهُمْ قُرْبُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ. الْقُرْبُ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19عِنْدَ رَبِّهِمْ ..
جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=885912 "أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ. فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ! فَقَالُوا: نُحِبُّ أَنْ تَرُدَّنَا إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا فَنُقَاتِلَ فِيكَ فَنُقْتَلَ كَمَا قُتِلْنَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ قَضَيْتُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ".
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652606 "مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ - إِلَّا الشَّهِيدُ - يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ"..
وَكَذَلِكَ كَانَتْ تَهُونُ الْحَيَاةُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ هَذِهِ الْمُوحِيَاتِ، وَيَعْرِفُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ اللَّهِ.. رَوَى الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ ... عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=708093 "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغَّبَ فِي الْجِهَادِ وَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ. فَقَالَ: إِنِّي لَحَرِيصٌ عَلَى الدُّنْيَا إِنْ جَلَسْتُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْهُنَّ! فَرَمَى مَا فِي [ ص: 3491 ] يَدِهِ وَحَمَلَ بِسَيْفِهِ حَتَّى قُتِلَ".. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذَا كَانَ هُوَ
عَبِيرَ بْنَ الْحِمَامِ عَلَيْهِ رِضْوَانُ اللَّهِ. وَبَيْنَمَا الصِّدِّيقُونَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ وَالشُّهَدَاءُ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَقُولُ النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ عَنِ الْكَافِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ..
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَتْرُكُ الْكَرَامَةَ وَالنَّعِيمَ، وَيَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ؟!
وَاللَّمْسَةُ الثَّالِثَةُ فِي هَذَا الشَّوْطِ تَجِيءُ تَعْقِيبًا عَلَى دَعْوَةِ الْإِيمَانِ وَالْبَذْلِ، وَدَعْوَةِ الْفِدَاءِ وَالتَّضْحِيَةِ. تَعْقِيبًا يُصَوِّرُ الدُّنْيَا كُلَّهَا بِصُورَةٍ هَزِيلَةٍ زَهِيدَةٍ تُهَوِّنُ مِنْ شَأْنِهَا وَتَرْفَعُ النُّفُوسَ عَنْهَا، وَتُعَلِّقُهَا بِالْآخِرَةِ وَقِيَمِهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ، وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ، وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا، ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا. وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ. وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ..
وَالْحَيَاةُ الدُّنْيَا حِينَ تُقَاسُ بِمَقَايِيسِهَا هِيَ وَتُوزَنُ بِمَوَازِينِهَا تَبْدُو فِي الْعَيْنِ وَفِي الْحِسِّ أَمْرًا عَظِيمًا هَائِلًا. وَلَكِنَّهَا حِينَ تُقَاسُ بِمَقَايِيسِ الْوُجُودِ وَتُوزَنُ بِمِيزَانِ الْآخِرَةِ تَبْدُو شَيْئًا زَهِيدًا تَافِهًا. وَهِيَ هُنَا فِي هَذَا التَّصْوِيرِ تَبْدُو لُعْبَةَ أَطْفَالٍ بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ جِدٍّ تَنْتَهِي إِلَيْهِ مَصَائِرُ أَهْلِهَا بَعْدَ لُعْبَةِ الْحَيَاةِ!
لَعِبٌ. وَلَهْوٌ. وَزِينَةٌ، وَتَفَاخُرٌ. وَتَكَاثُرٌ ... هَذِهِ هِيَ الْحَقِيقَةُ وَرَاءَ كُلِّ مَا يَبْدُو فِيهَا مِنْ جِدٍّ حَافِلٍ وَاهْتِمَامٍ شَاغِلٍ.. ثُمَّ يَمْضِي يَضْرِبُ لَهَا مَثَلًا مُصَوَّرًا عَلَى طَرِيقَةِ الْقُرْآنِ الْمُبْدِعَةِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ .. وَالْكُفَّارُ هُنَا هُمُ الزُّرَّاعُ. فَالْكَافِرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الزَّارِعُ، يَكْفُرُ أَيْ يَحْجُبُ الْحَبَّةَ وَيُغَطِّيهَا فِي التُّرَابِ. وَلَكِنَّ اخْتِيَارَهُ هُنَا فِيهِ تَوْرِيَةٍ وَإِلْمَاعٍ إِلَى إِعْجَابِ الْكَفَّارِ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا!
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا لِلْحَصَادِ. فَهُوَ مَوْقُوتُ الْأَجَلِ، يَنْتَهِي عَاجِلًا، وَيَبْلُغُ أَجْلَهُ قَرِيبًا
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا .. وَيَنْتَهِي شَرِيطُ الْحَيَاةِ كُلِّهَا بِهَذِهِ الصُّورَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مُشَاهَدَاتِ الْبَشَرِ الْمَأْلُوفَةِ.. يَنْتَهِي بِمَشْهَدِ الْحُطَامِ!
فَأَمَّا الْآخِرَةُ فَلَهَا شَأْنٌ غَيْرُ هَذَا الشَّأْنِ، شَأْنٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْسَبَ حِسَابُهُ، وَيُنْظَرَ إِلَيْهِ، وَيُسْتَعَدَّ لَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ .. فَهِيَ لَا تَنْتَهِي فِي لَمْحَةٍ كَمَا تَنْتَهِي الْحَيَاةُ الدُّنْيَا. وَهِيَ لَا تَنْتَهِي إِلَى حُطَامٍ كَذَلِكَ النَّبَاتِ الْبَالِغِ أَجْلَهُ.. إِنَّهَا حِسَابٌ وَجَزَاءٌ.. وَدَوَامٌ.. يَسْتَحِقُّ الِاهْتِمَامَ!
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=20وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ..
فَمَا لِهَذَا الْمَتَاعِ حَقِيقَةٌ ذَاتِيَّةٌ، إِنَّمَا يَسْتَمِدُّ قِوَامَهُ مِنَ الْغُرُورِ الْخَادِعِ كَمَا أَنَّهُ يُلْهِي وَيُنْسِي فَيَنْتَهِي بِأَهْلِهِ إِلَى غُرُورٍ خَادِعٍ.
وَهِيَ حَقِيقَةٌ حِينَ يَتَعَمَّقُ الْقَلْبُ فِي طَلَبِ الْحَقِيقَةِ. حَقِيقَةٌ لَا يَقْصِدُ بِهَا الْقُرْآنُ الْعُزْلَةَ عَنْ حَيَاةِ الْأَرْضِ، وَلَا إِهْمَالَ عِمَارَتِهَا وَخِلَافَتِهَا الَّتِي نَاطَهَا بِهَذَا الْكَائِنِ الْبَشَرِيِّ . إِنَّمَا يَقْصِدُ بِهَا تَصْحِيحَ الْمَقَايِيسِ الشُّعُورِيَّةِ وَالْقِيَمِ النَّفْسِيَّةِ، وَالِاسْتِعْلَاءَ عَلَى غُرُورِ الْمَتَاعِ الزَّائِلِ وَجَاذِبِيَّتِهِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْأَرْضِ. هَذَا الِاسْتِعْلَاءُ الَّذِي كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ السُّورَةِ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ لِيُحَقِّقُوا إِيمَانَهُمْ. وَالَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُؤْمِنٍ بِعَقِيدَةٍ، لِيُحَقِّقَ عَقِيدَتَهُ وَلَوِ اقْتَضَى تَحْقِيقُهَا أَنْ يُضَحِّيَ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا جَمِيعًا.
[ ص: 3492 ] وَمِنْ ثَمَّ يَدْعُوهُمْ إِلَى السِّبَاقِ فِي مَيْدَانِ السِّبَاقِ الْحَقِيقِيِّ، لِلْغَايَةِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ السِّبَاقَ. الْغَايَةُ الَّتِي تَنْتَهِي إِلَيْهَا مَصَائِرُهُمْ، وَالَّتِي تُلَازِمُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عَالَمِ الْبَقَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ. ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مِنْ يَشَاءُ. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ..
فَلَيْسَ السِّبَاقُ إِلَى إِحْرَازِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالتَّفَاخُرِ وَالتَّكَاثُرِ بِسِبَاقٍ يَلِيقُ بِمَنْ شَبُّوا عَنِ الطَّوْقِ، وَتَرَكُوا عَالَمَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ لِلْأَطْفَالِ وَالصِّغَارِ! إِنَّمَا السِّبَاقُ إِلَى ذَلِكَ الْأُفُقِ، وَإِلَى ذَلِكَ الْهَدَفِ، وَإِلَى ذَلِكَ الْمُلْكِ الْعَرِيضِ: جَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ .
وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ فِي الزَّمَنِ الْخَالِي - قَبْلَ أَنْ تَكْشِفَ بَعْضُ الْحَقَائِقِ عَنْ سَعَةِ هَذَا الْكَوْنِ - يَمِيلُ إِلَى حِمْلِ مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَجَازِ، وَكَذَلِكَ حَمْلِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ. كَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي أَسْلَفْنَا عَنْ أَصْحَابِ الْغُرَفِ الَّتِي يَتَرَاءَاهَا سُكَّانُ الْجَنَّةِ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ.. فَأَمَّا الْيَوْمُ وَمَرَاصِدُ الْبَشَرِ الصَّغِيرَةُ تَكْشِفُ عَنِ الْأَبْعَادِ الْكَوْنِيَّةِ الْهَائِلَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا حُدُودٌ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ عَرْضِ الْجَنَّةِ، وَالْحَدِيثَ عَنْ تَرَائِي الْغُرَفِ مِنْ بَعِيدٍ، يَقَعُ قَطْعًا مَوْقِعَ الْحَقِيقَةِ الْقَرِيبَةِ الْبَسِيطَةِ الْمَشْهُودَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ إِطْلَاقًا! فَإِنَّ مَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَالشَّمْسِ مَثَلًا لَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا فِي أَبْعَادِ الْكَوْنِ يُقَاسُ!
وَذَلِكَ الْمُلْكُ الْعَرِيضُ فِي الْجَنَّةِ يَبْلُغُهُ كُلُّ مَنْ أَرَادَ، وَيُسَابِقُ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ يَشَاءُ. وَعُرْبُونُهُ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .. وَفَضْلُ اللَّهِ غَيْرُ مَحْجُوزٍ وَلَا مَحْجُورٍ. فَهُوَ مُبَاحٌ مُتَاحٌ لِلرَّاغِبِينَ وَالسَّابِقِينَ. وَفِي هَذَا فَلْيَتَسَابَقِ الْمُتَسَابِقُونَ، لَا فِي رُقْعَةِ الْأَرْضِ الْمَحْدُودَةِ الْأَجَلِ الْمَحْدُودَةِ الْأَرْكَانِ!
وَلَابُدَّ لِصَاحِبِ الْعَقِيدَةِ أَنْ يَتَعَامَلَ مَعَ هَذَا الْوُجُودِ الْكَبِيرِ; وَلَا يَحْصُرَ نَفْسَهُ وَنَظَرَهُ وَتَصَوُّرَهُ وَاهْتِمَامَهُ وَمَشَاعِرَهُ فِي عَالَمِ الْأَرْضِ الضَّيِّقِ الصَّغِيرِ.. لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَذَا لِيُؤَدِّيَ دَوْرَهُ اللَّائِقَ بِصَاحِبِ الْعَقِيدَةِ. هَذَا الدَّوْرُ الشَّاقُّ الَّذِي يَصْطَدِمُ بِحِقَارَاتِ النَّاسِ وَأَطْمَاعِهِمْ، كَمَا يَصْطَدِمُ بِضَلَالِ الْقُلُوبِ وَالْتِوَاءِ النُّفُوسِ. وَيُعَانِي مِنْ مُقَاوَمَةِ الْبَاطِلِ وَتَشَبُّثِهِ بِمَوْضِعِهِ مِنَ الْأَرْضِ مَا لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ يَتَعَامَلُ مَعَ وُجُودِ أَكْبَرَ مِنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَأَوْسَعَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَأَبْقَى مِنْ ذَلِكَ الْفَنَاءِ..
إِنَّ مَقَايِيسَ هَذِهِ الْأَرْضِ وَمَوَازِينَهَا لَا تُمَثِّلُ الْحَقِيقَةَ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَقِرَّ فِي ضَمِيرِ صَاحِبِ الْعَقِيدَةِ. وَمَا تَبْلُغُ مِنْ تَمْثِيلِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ إِلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْلُغُ حَجْمُ الْأَرْضِ بِالْقِيَاسِ إِلَى حَجْمِ الْكَوْنِ; وَمَا يَبْلُغُ عُمْرُ الْأَرْضِ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ. وَالْفَارِقُ هَائِلٌ هَائِلٌ لَا تَبْلُغُ مَقَايِيسُ الْأَرْضِ كُلُّهَا أَنْ تُحَدِّدَهُ وَلَا حَتَّى أَنْ تُشِيرَ إِلَيْهِ!
وَمِنْ ثَمَّ يَبْقَى صَاحِبُ الْعَقِيدَةِ فِي أُفُقِ الْحَقِيقَةِ الْكَبِيرَةِ مُسْتَعْلِيًا عَلَى وَاقِعِ الْأَرْضِ الصَّغِيرِ. مَهْمَا تَضَخَّمَ هَذَا الْوَاقِعُ وَامْتَدَّ وَاسْتَطَالَ. يَبْقَى يَتَعَامَلُ مَعَ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْكَبِيرَةِ الطَّلِيقَةِ مِنْ قُيُودِ هَذَا الْوَاقِعِ الصَّغِيرِ. وَيَتَعَامَلُ مَعَ الْوُجُودِ الْكَبِيرِ الَّذِي يَتَمَثَّلُهُ فِي الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ. وَفِي مُلْكِ الْآخِرَةِ الْوَاسِعِ الْعَرِيضِ. وَفِي الْقِيَمِ الْإِيمَانِيَّةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا تَهْتَزُّ لِخَلَلٍ يَقَعُ فِي مَوَازِينِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الصَّغِيرَةِ الْخَادِعَةِ.. وَتِلْكَ وَظِيفَةُ الْإِيمَانِ فِي حَيَاةِ أَصْحَابِ الْعَقَائِدِ الْمُخْتَارِينَ لِتَعْدِيلِ قِيَمِ الْحَيَاةِ وَمَوَازِينِهَا، لَا لِلتَّعَامُلِ بِهَا وَالْخُضُوعِ لِمُقْتَضَيَاتِهَا ...