[ ص: 3499 ] بسم الله الرحمن الرحيم
من سورة المجادلة
إلى سورة التحريم
الجزء الثامن والعشرون
[ ص: 3500 ] [ ص: 3501 ] (58)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة المجادلة مدنية
وآياتها ثنتان وعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=29029_34433_30563_32462_32116_23271_23495_11340_12087_16359_16369_32498_32344_32385_30603_29752_33144_29717_28723_12129_28862_30511nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=5إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=6يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=8ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا .يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها [ ص: 3502 ] فبئس المصير (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=9يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=10إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=14ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=15أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=16اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=17لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=18يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=19استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=20إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك .في الأذلين (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون (22)
[ ص: 3503 ] نحن في هذه السورة - وفي هذا الجزء كله تقريبا - مع أحداث السيرة في المجتمع المدني. مع الجماعة المسلمة الناشئة; حيث تربى وتقوم، وتعد للنهوض بدورها العالمي، بل بدورها الكوني، الذي قدره الله لها في دورة هذا الكون ومقدراته. وهو دور ضخم يبدأ من إنشاء تصور جديد كامل شامل لهذه الحياة، في نفوس هذه الجماعة، وإقامة حياة واقعية على أساس هذا التصور، ثم تحمله هذه الجماعة إلى العالم كله لتنشئ للبشرية حياة إنسانية قائمة على أساس هذا التصور كذلك.. وهو دور ضخم إذن يقتضي إعدادا كاملا.
ولقد كان أولئك المسلمون الذين يعدهم القدر لهذا الدور الضخم، ناسا من الناس. منهم السابقون من
المهاجرين والأنصار الذين نضج إيمانهم، واكتمل تصورهم للعقيدة الجديدة، وخلصت نفوسهم لها، ووصلوا.. وصلوا إلى حقيقة وجودهم وحقيقة هذا الوجود الكبير; واندمجت حقيقتهم مع حقيقة الوجود، فأصبحوا بهذا طرفا من قدر الله في الكون لا يجدون في أنفسهم عوجا عنه، ولا يجدون في خطاهم تخلفا عن خطاه، ولا يجدون في قلوبهم شيئا إلا الله.. كانوا كما جاء عنهم في هذه السورة:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم. أولئك كتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها. رضي الله عنهم ورضوا عنه. أولئك حزب الله. ألا إن حزب الله هم المفلحون ..
ولكن هؤلاء السابقين كانوا قلة بالقياس إلى الجماعة المسلمة المتزايدة العدد - وبخاصة بعد أن أصبح الإسلام قوة ترهب - حتى قبل الفتح - ودخل فيه من لم يتلق من التربية الإسلامية القسط الكافي، ولم يتنفس في الجو الإسلامي فترة طويلة. كما دخل فيه من المنافقين من آثر المصلحة أو العافية على دخل في القلوب، وتربص بالفرص، وذبذبة بين المعسكر الإسلامي والمعسكرات القوية المناوئة له في ذلك الحين. سواء معسكرات المشركين أو اليهود!
ولقد اقتضت تربية النفوس وإعدادها للدور الكوني الكبير المقدر لها في الأرض جهودا ضخمة، وصبرا طويلا، وعلاجا بطيئا، في صغار الأمور وفي كبارها.. كانت حركة بناء هائلة هذه التي قام بها الإسلام، وقام بها رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - بناء النفوس التي تنهض ببناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، وتقوم على منهج الله، تفهمه وتحققه، وتنقله إلى أطراف الأرض في صورة حية متحركة، لا في صحائف وكلمات.
ونحن نشهد في هذه السورة - وفي هذا الجزء كله - طرفا من تلك الجهود الضخمة، وطرفا من الأسلوب القرآني كذلك في بناء تلك النفوس، وفي علاج الأحداث والعادات والنزوات; كما نشهد جانبا من الصراع الطويل بين الإسلام وخصومه المختلفين من مشركين ويهود ومنافقين.
وفي هذه السورة بصفة خاصة نشهد صورة موحية من رعاية الله للجماعة الناشئة; وهو يصنعها على عينه، ويربيها بمنهجه، ويشعرها برعايته، ويبني في ضميرها الشعور الحي بوجوده - سبحانه - معها في أخص خصائصها، وأصغر شؤونها، وأخفى طواياها وحراسته لها من كيد أعدائها خفيه وظاهره; وأخذها في حماه وكنفه، وضمها إلى لوائه وظله; وتربية أخلاقها وعاداتها وتقاليدها تربية تليق بالجماعة التي تنضوي إلى كنف الله، وتنتسب إليه، وتؤلف حزبه في الأرض، وترفع لواءه لتعرف به في الأرض جميعا.
ومن ثم تبدأ السورة بصورة عجيبة من صور هذه الفترة الفريدة في تاريخ البشرية. فترة اتصال السماء بالأرض في صورة مباشرة محسوسة، ومشاركتها في الحياة اليومية لجماعة من الناس مشاركة ظاهرة:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير .. فنشهد السماء
[ ص: 3504 ] تتدخل في شأن يومي لأسرة صغيرة فقيرة مغمورة، لتقرر حكم الله في قضيتها، وقد سمع - سبحانه - للمرأة وهي تحاور رسول الله فيها، ولم تكد تسمعها
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وهي قريبة منها! وهي
nindex.php?page=treesubj&link=28659صورة تملأ القلب بوجود الله وقربه وعطفه ورعايته.
يليها في سياق السورة توكيد أن الذين يحادون الله ورسوله - وهم أعداء الجماعة المسلمة التي تعيش في كنف الله - مكتوب عليهم الكبت والقهر في الأرض، والعذاب المهين في الآخرة، مأخوذون بما عملوا مما أحصاه الله عليهم، ونسوه هم وهم فاعلوه!
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=6والله على كل شيء شهيد ..
ثم توكيد وتذكير بحضور الله - سبحانه - وشهوده لكل نجوى في خلوة، يحسب أصحابها أنهم منفردون بها. والله معهم أينما كانوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة، إن الله بكل شيء عليم .. وهي صورة تملأ القلب كذلك بوجود الله وحضوره، كما تملؤه برقابته واطلاعه.
وهذا التوكيد مقدمة لتهديد الذين يتناجون في خلواتهم لتدبير المكايد للمسلمين، وملء قلوبهم بالحزن والهم والتوجس. تهديد بأن أمرهم مكشوف، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28781عين الله مطلعة عليهم، ونجواهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول مسجلة، وأن الله آخذهم بها ومعذبهم عليها. ونهي للمسلمين عن التناجي بغير البر والتقوى، وتربية نفوسهم وتقويمها بهذا الخصوص.
ثم يستطرد في تربية هذه النفوس المؤمنة; فيأخذها بأدب السماحة وبالطاعة في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومجالس العلم والذكر. كما يأخذها بأدب السؤال والحديث مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - والجد في هذا الأمر والتوقير.
أما بقية السورة بعد هذا فتنصرف إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28845الحديث عن المنافقين الذين يتولون اليهود; ويتآمرون معهم، ويدارون تآمرهم بالكذب والحلف للرسول وللمؤمنين. وتصورهم في الآخرة كذلك حلافين كذابين; يتقون بالحلف والكذب ما يواجههم من عذاب الله، كما كانوا يتقون بهما في الدنيا ما يواجههم من غضب رسول الله والمؤمنين! مع توكيد أن الذين يحادون الله ورسوله كتب الله عليهم أنهم في الأذلين وأنهم هم الأخسرون. كما كتب أنه ورسله هم الغالبون. وذلك تهوينا لشأنهم، الذي كان بعض المنتسبين إلى الإسلام - وبعض المسلمين - يستعظمه، فيحافظ على مودته معهم، ولا يدرك ضرورة تميز الصف المسلم تحت راية الله وحدها، والاعتزاز برعاية الله وحده، والاطمئنان إلى حراسته الساهرة للفئة التي يصنعها على عينه، ويهيئها لدورها الكوني المرسوم.
[ ص: 3499 ] بِسْمَ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِنْ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ
إِلَى سُورَةِ التَّحْرِيمِ
الْجُزْءُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ
[ ص: 3500 ] [ ص: 3501 ] (58)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ مَدَنِيَّةٌ
وَآيَاتُهَا ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ
بِسْمَ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=29029_34433_30563_32462_32116_23271_23495_11340_12087_16359_16369_32498_32344_32385_30603_29752_33144_29717_28723_12129_28862_30511nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهُ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتِهِمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=5إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=6يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=8أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا .يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا [ ص: 3502 ] فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=9يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=10إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنْ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهُ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=14أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=15أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=16اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=17لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=18يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=19اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانُ أَلا إِنَّ حِزْبُ الشَّيْطَانُ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=20إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ .فِي الأَذَلِّينَ (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مَنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهَ أَلا إِنَّ حِزْبُ اللَّهَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
[ ص: 3503 ] نَحْنُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ - وَفِي هَذَا الْجُزْءِ كُلِّهِ تَقْرِيبًا - مَعَ أَحْدَاثِ السِّيرَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ الْمَدَنِيِّ. مَعَ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ النَّاشِئَةِ; حَيْثُ تُرَبَّى وَتُقَوَّمُ، وَتُعَدُّ لِلنُّهُوضِ بِدَوْرِهَا الْعَالَمِيِّ، بَلْ بِدَوْرِهَا الْكَوْنِيِّ، الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهَا فِي دَوْرَةِ هَذَا الْكَوْنِ وَمُقَدَّرَاتِهِ. وَهُوَ دَوْرٌ ضَخْمٌ يَبْدَأُ مِنْ إِنْشَاءِ تَصَوُّرٍ جَدِيدٍ كَامِلٍ شَامِلٍ لِهَذِهِ الْحَيَاةِ، فِي نُفُوسِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، وَإِقَامَةِ حَيَاةٍ وَاقِعِيَّةٍ عَلَى أَسَاسِ هَذَا التَّصَوُّرِ، ثُمَّ تَحْمِلُهُ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ إِلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُنْشِئَ لِلْبَشَرِيَّةِ حَيَاةً إِنْسَانِيَّةً قَائِمَةً عَلَى أَسَاسِ هَذَا التَّصَوُّرِ كَذَلِكَ.. وَهُوَ دَوْرٌ ضَخْمٌ إِذَنْ يَقْتَضِي إِعْدَادًا كَامِلًا.
وَلَقَدْ كَانَ أُولَئِكَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يُعِدُّهُمُ الْقَدَرُ لِهَذَا الدَّوْرِ الضَّخْمِ، نَاسًا مِنَ النَّاسِ. مِنْهُمُ السَّابِقُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ نَضِجَ إِيمَانُهُمْ، وَاكْتَمَلَ تَصَوُّرُهُمْ لِلْعَقِيدَةِ الْجَدِيدَةِ، وَخَلُصَتْ نُفُوسُهُمْ لَهَا، وَوَصَلُوا.. وَصَلُوا إِلَى حَقِيقَةِ وُجُودِهِمْ وَحَقِيقَةِ هَذَا الْوُجُودِ الْكَبِيرِ; وَانْدَمَجَتْ حَقِيقَتُهُمْ مَعَ حَقِيقَةِ الْوُجُودِ، فَأَصْبَحُوا بِهَذَا طَرَفًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فِي الْكَوْنِ لَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ عِوَجًا عَنْهُ، وَلَا يَجِدُونَ فِي خُطَاهُمْ تَخَلُّفًا عَنْ خُطَاهُ، وَلَا يَجِدُونَ فِي قُلُوبِهِمْ شَيْئًا إِلَّا اللَّهَ.. كَانُوا كَمَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ. أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مَنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا. رَضِيَ اللَّهَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ. أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهَ. أَلا إِنَّ حِزْبُ اللَّهَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ..
وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ السَّابِقِينَ كَانُوا قِلَّةً بِالْقِيَاسِ إِلَى الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ الْمُتَزَايِدَةِ الْعَدَدِ - وَبِخَاصَّةٍ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ الْإِسْلَامُ قُوَّةً تُرْهَبُ - حَتَّى قَبْلَ الْفَتْحِ - وَدَخَلَ فِيهِ مَنْ لَمْ يَتَلَقَّ مِنَ التَّرْبِيَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْقِسْطَ الْكَافِيَ، وَلَمْ يَتَنَفَّسْ فِي الْجَوِّ الْإِسْلَامِيِّ فَتْرَةً طَوِيلَةً. كَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَنْ آثَرَ الْمَصْلَحَةَ أَوِ الْعَافِيَةَ عَلَى دَخَلٍ فِي الْقُلُوبِ، وَتَرَبُّصٍ بِالْفُرَصِ، وَذَبْذَبَةٍ بَيْنَ الْمُعَسْكَرِ الْإِسْلَامِيِّ وَالْمُعَسْكَرَاتِ الْقَوِيَّةِ الْمُنَاوِئَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ. سَوَاءٌ مُعَسْكَرَاتُ الْمُشْرِكِينَ أَوِ الْيَهُودِ!
وَلَقَدِ اقْتَضَتْ تَرْبِيَةُ النُّفُوسِ وَإِعْدَادُهَا لِلدَّوْرِ الْكَوْنِيِّ الْكَبِيرِ الْمُقَدَّرِ لَهَا فِي الْأَرْضِ جُهُودًا ضَخْمَةً، وَصَبْرًا طَوِيلًا، وَعِلَاجًا بَطِيئًا، فِي صِغَارِ الْأُمُورِ وَفِي كِبَارِهَا.. كَانَتْ حَرَكَةَ بِنَاءٍ هَائِلَةٍ هَذِهِ الَّتِي قَامَ بِهَا الْإِسْلَامُ، وَقَامَ بِهَا رَسُولُ الْإِسْلَامِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاءِ النُّفُوسِ الَّتِي تَنْهَضُ بِبِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ وَالدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَتَقُومُ عَلَى مَنْهَجِ اللَّهِ، تَفْهَمُهُ وَتُحَقِّقُهُ، وَتَنْقُلُهُ إِلَى أَطْرَافِ الْأَرْضِ فِي صُورَةٍ حَيَّةٍ مُتَحَرِّكَةٍ، لَا فِي صَحَائِفَ وَكَلِمَاتٍ.
وَنَحْنُ نَشْهَدُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ - وَفِي هَذَا الْجُزْءِ كُلِّهِ - طَرَفًا مِنْ تِلْكَ الْجُهُودِ الضَّخْمَةِ، وَطَرَفًا مِنَ الْأُسْلُوبِ الْقُرْآنِيِّ كَذَلِكَ فِي بِنَاءِ تِلْكَ النُّفُوسِ، وَفِي عِلَاجِ الْأَحْدَاثِ وَالْعَادَاتِ وَالنَّزَوَاتِ; كَمَا نَشْهَدُ جَانِبًا مِنَ الصِّرَاعِ الطَّوِيلِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَخُصُومِهِ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ مُشْرِكِينَ وَيَهُودَ وَمُنَافِقِينَ.
وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ نَشْهَدُ صُورَةً مُوحِيَةً مِنْ رِعَايَةِ اللَّهِ لِلْجَمَاعَةِ النَّاشِئَةِ; وَهُوَ يَصْنَعُهَا عَلَى عَيْنِهِ، وَيُرَبِّيهَا بِمَنْهَجِهِ، وَيُشْعِرُهَا بِرِعَايَتِهِ، وَيَبْنِي فِي ضَمِيرِهَا الشُّعُورَ الْحَيَّ بِوُجُودِهِ - سُبْحَانَهُ - مَعَهَا فِي أَخَصِّ خَصَائِصِهَا، وَأَصْغَرِ شُؤُونِهَا، وَأَخْفَى طَوَايَاهَا وَحِرَاسَتِهِ لَهَا مِنْ كَيْدِ أَعْدَائِهَا خَفِيِّهِ وَظَاهِرِهِ; وَأَخْذِهَا فِي حِمَاهُ وَكَنَفِهِ، وَضَمِّهَا إِلَى لِوَائِهِ وَظِلِّهِ; وَتَرْبِيَةِ أَخْلَاقِهَا وَعَادَاتِهَا وَتَقَالِيدِهَا تَرْبِيَةً تَلِيقُ بِالْجَمَاعَةِ الَّتِي تَنْضَوِي إِلَى كَنَفِ اللَّهِ، وَتَنْتَسِبُ إِلَيْهِ، وَتُؤَلِّفُ حِزْبَهُ فِي الْأَرْضِ، وَتَرْفَعُ لِوَاءَهُ لِتُعْرَفَ بِهِ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا.
وَمِنْ ثَمَّ تَبْدَأُ السُّورَةُ بِصُورَةٍ عَجِيبَةٍ مِنْ صُوَرِ هَذِهِ الْفَتْرَةِ الْفَرِيدَةِ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ. فَتْرَةِ اتِّصَالِ السَّمَاءِ بِالْأَرْضِ فِي صُورَةٍ مُبَاشِرَةٍ مَحْسُوسَةٍ، وَمُشَارَكَتِهَا فِي الْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ لِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ مُشَارَكَةً ظَاهِرَةً:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهُ، وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ .. فَنَشْهَدُ السَّمَاءَ
[ ص: 3504 ] تَتَدَخَّلُ فِي شَأْنٍ يَوْمِيٍّ لِأُسْرَةٍ صَغِيرَةٍ فَقِيرَةٍ مَغْمُورَةٍ، لِتُقَرِّرَ حُكْمَ اللَّهِ فِي قَضِيَّتِهَا، وَقَدْ سَمِعَ - سُبْحَانَهُ - لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ تُحَاوِرُ رَسُولَ اللَّهِ فِيهَا، وَلَمْ تَكَدْ تَسْمَعُهَا
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهَا! وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=28659صُورَةٌ تَمْلَأُ الْقَلْبَ بِوُجُودِ اللَّهِ وَقُرْبِهِ وَعَطْفِهِ وَرِعَايَتِهِ.
يَلِيهَا فِي سِيَاقِ السُّورَةِ تَوْكِيدُ أَنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - وَهُمْ أَعْدَاءُ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ الَّتِي تَعِيشُ فِي كَنَفِ اللَّهِ - مَكْتُوبٌ عَلَيْهِمُ الْكَبْتُ وَالْقَهْرُ فِي الْأَرْضِ، وَالْعَذَابُ الْمُهِينُ فِي الْآخِرَةِ، مَأْخُوذُونَ بِمَا عَمِلُوا مِمَّا أَحْصَاهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَنَسُوهُ هُمْ وَهُمْ فَاعِلُوهُ!
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=6وَاللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ شَهِيدٌ ..
ثُمَّ تَوْكِيدٌ وَتَذْكِيرٌ بِحُضُورِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - وَشُهُودِهِ لِكُلِّ نَجْوَى فِي خَلْوَةٍ، يَحْسَبُ أَصْحَابُهَا أَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ بِهَا. وَاللَّهُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .. وَهِيَ صُورَةٌ تَمْلَأُ الْقَلْبَ كَذَلِكَ بِوُجُودِ اللَّهِ وَحُضُورِهِ، كَمَا تَمْلَؤُهُ بِرَقَابَتِهِ وَاطِّلَاعِهِ.
وَهَذَا التَّوْكِيدُ مُقَدِّمَةٌ لِتَهْدِيدِ الَّذِينَ يَتَنَاجَوْنَ فِي خَلَوَاتِهِمْ لِتَدْبِيرِ الْمَكَايِدِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَلْءِ قُلُوبِهِمْ بِالْحُزْنِ وَالْهَمِّ وَالتَّوَجُّسِ. تَهْدِيدٌ بِأَنَّ أَمْرَهُمْ مَكْشُوفٌ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28781عَيْنَ اللَّهِ مُطَّلِعَةٌ عَلَيْهِمْ، وَنَجْوَاهُمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ مُسَجَّلَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ آخِذُهُمْ بِهَا وَمُعَذِّبُهُمْ عَلَيْهَا. وَنَهْيٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَنِ التَّنَاجِي بِغَيْرِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَتَرْبِيَةُ نُفُوسِهِمْ وَتَقْوِيمُهَا بِهَذَا الْخُصُوصِ.
ثُمَّ يَسْتَطْرِدُ فِي تَرْبِيَةِ هَذِهِ النُّفُوسِ الْمُؤْمِنَةِ; فَيَأْخُذُهَا بِأَدَبِ السَّمَاحَةِ وَبِالطَّاعَةِ فِي مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ. كَمَا يَأْخُذُهَا بِأَدَبِ السُّؤَالِ وَالْحَدِيثِ مَعَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْجِدُّ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَالتَّوْقِيرُ.
أَمَّا بَقِيَّةُ السُّورَةِ بَعْدَ هَذَا فَتَنْصَرِفُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28845الْحَدِيثِ عَنِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْيَهُودَ; وَيَتَآمَرُونَ مَعَهُمْ، وَيُدَارُونَ تَآمُرَهُمْ بِالْكَذِبِ وَالْحَلِفِ لِلرَّسُولِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وَتُصَوِّرُهُمْ فِي الْآخِرَةِ كَذَلِكَ حَلَّافِينَ كَذَّابِينَ; يَتَّقُونَ بِالْحَلِفِ وَالْكَذِبِ مَا يُوَاجِهُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، كَمَا كَانُوا يَتَّقُونَ بِهِمَا فِي الدُّنْيَا مَا يُوَاجِهُهُمْ مِنْ غَضَبِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ! مَعَ تَوْكِيدٍ أَنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ فِي الْأَذَلِّينَ وَأَنَّهُمْ هُمُ الْأَخْسَرُونَ. كَمَا كَتَبَ أَنَّهُ وَرُسُلَهُ هُمُ الْغَالِبُونَ. وَذَلِكَ تَهْوِينًا لِشَأْنِهِمُ، الَّذِي كَانَ بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ - وَبَعْضُ الْمُسْلِمِينَ - يَسْتَعْظِمُهُ، فَيُحَافِظُ عَلَى مَوَدَّتِهِ مَعَهُمْ، وَلَا يُدْرِكُ ضَرُورَةَ تَمَيُّزِ الصَّفِّ الْمُسْلِمِ تَحْتَ رَايَةِ اللَّهِ وَحْدَهَا، وَالِاعْتِزَازِ بِرِعَايَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَالِاطْمِئْنَانِ إِلَى حِرَاسَتِهِ السَّاهِرَةِ لِلْفِئَةِ الَّتِي يَصْنَعُهَا عَلَى عَيْنِهِ، وَيُهَيِّئُهَا لِدَوْرِهَا الْكَوْنِيِّ الْمَرْسُومِ.