[ ص: 3549 ] (61)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة الصف مدنية
وآياتها أربع عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=29677_29680_26881_30516_7862_18470_29706_30514_18085_19489_33133_29032nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=1سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم (1) nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=6وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=7ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=8يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=9هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=13وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=14يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من [ ص: 3550 ] أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله .فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين (14)
هذه السورة تستهدف أمرين أساسيين واضحين في سياقها كل الوضوح، إلى جانب الإشارات والتلميحات الفرعية التي يمكن إرجاعها إلى ذينك الأمرين الأساسيين:
تستهدف أولا أن تقرر في ضمير المسلم أن دينه هو المنهج الإلهي للبشرية في صورته الأخيرة، سبقته صور منه تناسب أطوارا معينة في تاريخ البشرية، وسبقته تجارب في حياة الرسل وحياة الجماعات، تمهد كلها لهذه الصورة الأخيرة من الدين الواحد، الذي أراد الله أن يكون خاتمة الرسالات. وأن يظهره على الدين كله في الأرض..
ومن ثم يذكر رسالة
موسى ليقرر أن قومه الذين أرسل إليهم آذوه وانحرفوا عن رسالته فضلوا، ولم يعودوا أمناء على دين الله في الأرض:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وإذ قال موسى لقومه: يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم. فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم، والله لا يهدي القوم الفاسقين .. وإذن فقد انتهت قوامة قوم
موسى على دين الله فلم يعودوا أمناء عليه، مذ زاغوا فأزاغ الله قلوبهم، ومذ ضلوا فأضلهم الله والله لا يهدي القوم الفاسقين.
ويذكر رسالة
عيسى ليقرر أنه جاء امتدادا لرسالة
موسى، ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وممهدا للرسالة الأخيرة ومبشرا برسولها; ووصلة بين الدين الكتابي الأول والدين الكتابي الأخير:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=6وإذ قال عيسى ابن مريم: يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ..
وإذن فقد جاء ليسلم أمانة الدين الإلهي التي حملها بعد
موسى إلى الرسول الذي يبشر به.
وكان مقررا في علم الله وتقديره أن تنتهي هذه الخطوات إلى قرار ثابت دائم، وأن يستقر دين الله في الأرض في صورته الأخيرة على يدي رسوله الأخير:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=9هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
هذا الهدف الأول الواضح في السورة يقوم عليه الهدف الثاني. فإن شعور المسلم بهذه الحقيقة، وإدراكه لقصة العقيدة، ولنصيبه هو من أمانتها في الأرض.. يستتبع شعوره بتكاليف هذه الأمانة شعورا يدفعه إلى صدق النية في الجهاد لإظهار دينه على الدين كله - كما أراد الله - وعدم التردد بين القول والفعل; ويقبح أن يعلن المؤمن الرغبة في الجهاد ثم ينكص عنه، كما يبدو أنه حدث من فريق من المسلمين كما تذكر الروايات.. ومن ثم يجيء في مطلع السورة بعد إعلان تسبيح الكون وما فيه لله..
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص .
ثم يدعوهم في وسط السورة إلى أربح تجارة في الدنيا والآخرة:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم؟ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم. ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، ومساكن طيبة في جنات عدن، ذلك الفوز العظيم. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=13وأخرى تحبونها: نصر من الله وفتح قريب، وبشر المؤمنين .
ثم يختم السورة بنداء أخير للذين آمنوا، ليكونوا أنصار الله كما كان الحواريون أصحاب
عيسى أنصاره
[ ص: 3551 ] إلى الله، على الرغم من تكذيب بني إسرائيل به وعدائهم لله:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=14يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين: من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله. فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ..
هذان الخطان واضحان في السورة كل الوضوح، يستغرقان كل نصوصها تقريبا. فلا يبقى إلا التنديد بالمكذبين بالرسالة الأخيرة - وهذه قصتها وهذه غايتها - وهذا التنديد متصل دائما بالخطين الأساسيين فيها. وذلك قول الله تعالى، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذكر تبشير
عيسى - عليه السلام - به:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=6فلما جاءهم بالبينات قالوا: هذا سحر مبين. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=7ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام؟ والله لا يهدي القوم الظالمين. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=8يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون ..
وفيه يتضح في ضمير المسلم أن دينه هو دين الله في صورته الأخيرة في الأرض وأن أمانة العقيدة في البشرية كلها موكولة إليه; يعلم أنه مكلف أن يجاهد في سبيل الله، كما يحب الله; ويتضح طريقه، فلا يبقى في تصوره غبش، ولا يبقى في حياته مجال للتمتمة والغمغمة في هذه القضية، أو للتردد والتلفت عن الهدف المرسوم والنصيب المقسوم في علم الله وتقديره منذ بعيد.
وفي أثناء توجيهه إلى هذا الهدف الواضح يوجه كذلك إلى خلق المسلم وطبيعة ضميره. وهو أن لا يقول ما لا يفعل، وألا يختلف له قول وفعل، ولا ظاهر وباطن، ولا سريرة وعلانية. وأن يكون هو نفسه في كل حال. متجردا لله. خالصا لدعوته. صريحا في قوله وفعله. ثابت الخطو في طريقه. متضامنا مع إخوانه. كالبنيان المرصوص..
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=1سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ..
تجيء هذه التسبيحة من الوجود كله لله العزيز الحكيم، في مطلع السورة التي تعلن للمسلمين أن دينهم هو الحلقة الأخيرة في دين الله; وأنهم هم الأمناء على هذا الدين الذي يوحد الله، وينكر على الكافرين المشركين كفرهم وشركهم، والذي يدعوهم للجهاد لنصرته، وقد قدر الله أن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون. فيوحي هذا المطلع أن الأمانة التي يقوم عليها المسلمون هي أمانة الوجود كله; وأن العقيدة التي يطلب إليهم الجهاد فيها هي عقيدة كل ما في السماوات وما في الأرض; وإن ظهور هذا الدين على الدين كله، هو ظاهرة كونية تتسق مع اتجاه الكون كله إلى الله العزيز الحكيم.
ثم يعاتب الله الذين آمنوا عتابا شديدا على أمر حدث من طائفة منهم. أمر يكرهه الله أشد الكره، ويمقته أكبر المقت، ويستفظعه من الذين آمنوا على وجه الخصوص:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا، كأنهم بنيان مرصوص ..
قال
علي بن طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به. فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين،
[ ص: 3552 ] وشق عليهم أمره، فقال الله سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ... .. وقد اختار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في تفسيره هذا القول.
وقال
ابن كثير في تفسيره: "وحملوا الآية - يعني الجمهور - على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم، فلما فرض نكل عنه بعضهم، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=77ألم تر إلى الذين قيل لهم: كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية. وقالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال؟ لولا أخرتنا إلى أجل قريب! قل: متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا. nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أينما تكونوا يدرككم الموت. ولو كنتم في بروج مشيدة .."
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك نزلت توبيخا لقوم كانوا يقولون: قتلنا. ضربنا. طعنا. وفعلنا ... ولم يكونوا فعلوا ذلك!
والراجح من سياق الآيات وذكر القتال أن مناسبة النزول هي التي عليها الجمهور وهي اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير. ولكن النصوص القرآنية دائما أبعد مدى من الحوادث المفردة التي تنزل الآيات لمواجهتها، وأشمل لحالات كثيرة غير الحالة التي نزلت بسببها. ومن ثم فإننا نسير مع هذه النصوص إلى مدلولاتها العامة، مع اعتبار الحادث الذي تذكره روايات النزول.
[ ص: 3549 ] (61)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الصَّفِّ مَدَنِيَّةٌ
وَآيَاتُهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ
بِسْمَ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=29677_29680_26881_30516_7862_18470_29706_30514_18085_19489_33133_29032nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=1سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهِ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=6وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنَ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=7وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=8يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=9هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتٍ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=13وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=14يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ [ ص: 3550 ] أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارَ اللَّهِ .فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
هَذِهِ السُّورَةُ تَسْتَهْدِفُ أَمْرَيْنِ أَسَاسِيَّيْنِ وَاضِحَيْنِ فِي سِيَاقِهَا كُلَّ الْوُضُوحِ، إِلَى جَانِبِ الْإِشَارَاتِ وَالتَّلْمِيحَاتِ الْفَرْعِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ إِرْجَاعُهَا إِلَى ذَيْنِكَ الْأَمْرَيْنِ الْأَسَاسِيَّيْنِ:
تَسْتَهْدِفُ أَوَّلًا أَنْ تُقَرِّرَ فِي ضَمِيرِ الْمُسْلِمِ أَنَّ دِينَهُ هُوَ الْمَنْهَجُ الْإِلَهِيُّ لِلْبَشَرِيَّةِ فِي صُورَتِهِ الْأَخِيرَةِ، سَبَقَتْهُ صُوَرٌ مِنْهُ تُنَاسِبُ أَطْوَارًا مُعَيَّنَةً فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ، وَسَبَقَتْهُ تَجَارِبُ فِي حَيَاةِ الرُّسُلِ وَحَيَاةِ الْجَمَاعَاتِ، تُمَهِّدُ كُلُّهَا لِهَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الدِّينِ الْوَاحِدِ، الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ خَاتِمَةَ الرِّسَالَاتِ. وَأَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ فِي الْأَرْضِ..
وَمِنْ ثَمَّ يَذْكُرُ رِسَالَةَ
مُوسَى لِيُقَرِّرَ أَنَّ قَوْمَهُ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ آذَوْهُ وَانْحَرَفُوا عَنْ رِسَالَتِهِ فَضَّلُوا، وَلَمْ يَعُودُوا أُمَنَاءَ عَلَى دِينِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ. فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهِ قُلُوبَهُمْ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ .. وَإِذَنْ فَقَدِ انْتَهَتْ قِوَامَةُ قَوْمِ
مُوسَى عَلَى دِينِ اللَّهِ فَلَمْ يَعُودُوا أُمَنَاءَ عَلَيْهِ، مُذْ زَاغُوا فَأَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَمُذْ ضَلُّوا فَأَضَلَّهُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ.
وَيَذْكُرُ رِسَالَةَ
عِيسَى لِيُقَرِّرَ أَنَّهُ جَاءَ امْتِدَادًا لِرِسَالَةِ
مُوسَى، وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَمُمَهِّدًا لِلرِّسَالَةِ الْأَخِيرَةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولِهَا; وَوُصْلَةً بَيْنَ الدِّينِ الْكِتَابِيِّ الْأَوَّلِ وَالدِّينِ الْكِتَابِيِّ الْأَخِيرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=6وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنَ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ..
وَإِذَنْ فَقَدْ جَاءَ لِيُسَلِّمَ أَمَانَةَ الدِّينِ الْإِلَهِيِّ الَّتِي حَمَلَهَا بَعْدَ
مُوسَى إِلَى الرَّسُولِ الَّذِي يُبَشِّرُ بِهِ.
وَكَانَ مُقَرَّرًا فِي عِلْمِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ أَنْ تَنْتَهِيَ هَذِهِ الْخُطُوَاتُ إِلَى قَرَارٍ ثَابِتٍ دَائِمٍ، وَأَنْ يَسْتَقِرَّ دِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فِي صُورَتِهِ الْأَخِيرَةِ عَلَى يَدَيْ رَسُولِهِ الْأَخِيرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=9هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .
هَذَا الْهَدَفُ الْأَوَّلُ الْوَاضِحُ فِي السُّورَةِ يَقُومُ عَلَيْهِ الْهَدَفُ الثَّانِي. فَإِنَّ شُعُورَ الْمُسْلِمِ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ، وَإِدْرَاكَهُ لِقِصَّةِ الْعَقِيدَةِ، وَلِنَصِيبِهِ هُوَ مِنْ أَمَانَتِهَا فِي الْأَرْضِ.. يَسْتَتْبِعُ شُعُورَهُ بِتَكَالِيفِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ شُعُورًا يَدْفَعُهُ إِلَى صِدْقِ النِّيَّةِ فِي الْجِهَادِ لِإِظْهَارِ دِينِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ - كَمَا أَرَادَ اللَّهُ - وَعَدَمِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ; وَيُقَبِّحُ أَنْ يُعْلِنَ الْمُؤْمِنُ الرَّغْبَةَ فِي الْجِهَادِ ثُمَّ يَنْكِصُ عَنْهُ، كَمَا يَبْدُو أَنَّهُ حَدَثَ مِنْ فَرِيقٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا تَذْكُرُ الرِّوَايَاتُ.. وَمِنْ ثَمَّ يَجِيءُ فِي مَطْلَعِ السُّورَةِ بَعْدَ إِعْلَانِ تَسْبِيحِ الْكَوْنِ وَمَا فِيهِ لِلَّهِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ .
ثُمَّ يَدْعُوهُمْ فِي وَسَطِ السُّورَةِ إِلَى أَرْبَحِ تِجَارَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ. ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ، وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتٍ عَدْنٍ، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=13وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ .
ثُمَّ يَخْتِمُ السُّورَةَ بِنِدَاءٍ أَخِيرٍ لِلَّذِينِ آمَنُوا، لِيَكُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا كَانَ الْحَوَارِيُّونَ أَصْحَابُ
عِيسَى أَنْصَارَهُ
[ ص: 3551 ] إِلَى اللَّهِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَكْذِيبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِهِ وَعَدَائِهِمْ لِلَّهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=14يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصَارَ اللَّهِ. فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ، فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ..
هَذَانَ الْخَطَّانِ وَاضِحَانِ فِي السُّورَةِ كُلَّ الْوُضُوحِ، يَسْتَغْرِقَانِ كُلَّ نُصُوصِهَا تَقْرِيبًا. فَلَا يَبْقَى إِلَّا التَّنْدِيدُ بِالْمُكَذِّبِينَ بِالرِّسَالَةِ الْأَخِيرَةِ - وَهَذِهِ قِصَّتُهَا وَهَذِهِ غَايَتُهَا - وَهَذَا التَّنْدِيدُ مُتَّصِلٌ دَائِمًا بِالْخَطَّيْنِ الْأَسَاسِيَّيْنِ فِيهَا. وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذِكْرِ تَبْشِيرِ
عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=6فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=7وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ؟ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=8يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ..
وَفِيهِ يَتَّضِحُ فِي ضَمِيرِ الْمُسْلِمِ أَنَّ دِينَهُ هُوَ دِينُ اللَّهِ فِي صُورَتِهِ الْأَخِيرَةِ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ أَمَانَةَ الْعَقِيدَةِ فِي الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا مَوْكُولَةٌ إِلَيْهِ; يَعْلَمُ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَمَا يُحِبُّ اللَّهُ; وَيَتَّضِحُ طَرِيقُهُ، فَلَا يَبْقَى فِي تَصَوُّرِهِ غَبَشٌ، وَلَا يَبْقَى فِي حَيَاتِهِ مَجَالٌ لِلتَّمْتَمَةِ وَالْغَمْغَمَةِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، أَوْ لِلتَّرَدُّدِ وَالتَّلَفُّتِ عَنِ الْهَدَفِ الْمَرْسُومِ وَالنَّصِيبِ الْمَقْسُومِ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ مُنْذُ بَعِيدٍ.
وَفِي أَثْنَاءِ تَوْجِيهِهِ إِلَى هَذَا الْهَدَفِ الْوَاضِحِ يُوَجِّهُ كَذَلِكَ إِلَى خُلُقِ الْمُسْلِمِ وَطَبِيعَةِ ضَمِيرِهِ. وَهُوَ أَنْ لَا يَقُولَ مَا لَا يَفْعَلُ، وَأَلَّا يَخْتَلِفَ لَهُ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَلَا ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، وَلَا سَرِيرَةٌ وَعَلَانِيَةٌ. وَأَنْ يَكُونَ هُوَ نَفْسُهُ فِي كُلِّ حَالٍ. مُتَجَرِّدًا لِلَّهِ. خَالِصًا لِدَعْوَتِهِ. صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ. ثَابِتَ الْخَطْوِ فِي طَرِيقِهِ. مُتَضَامِنًا مَعَ إِخْوَانِهِ. كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=1سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ..
تَجِيءُ هَذِهِ التَّسْبِيحَةُ مِنَ الْوُجُودِ كُلِّهِ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، فِي مَطْلَعِ السُّورَةِ الَّتِي تُعْلِنُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّ دِينَهُمْ هُوَ الْحَلْقَةُ الْأَخِيرَةُ فِي دِينِ اللَّهِ; وَأَنَّهُمْ هُمُ الْأُمَنَاءُ عَلَى هَذَا الدِّينِ الَّذِي يُوَحِّدُ اللَّهَ، وَيُنْكِرُ عَلَى الْكَافِرِينَ الْمُشْرِكِينَ كُفْرَهُمْ وَشِرْكَهُمْ، وَالَّذِي يَدْعُوهُمْ لِلْجِهَادِ لِنُصْرَتِهِ، وَقَدْ قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. فَيُوحِي هَذَا الْمَطْلَعُ أَنَّ الْأَمَانَةَ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ هِيَ أَمَانَةُ الْوُجُودِ كُلِّهِ; وَأَنَّ الْعَقِيدَةَ الَّتِي يَطْلُبُ إِلَيْهِمُ الْجِهَادَ فِيهَا هِيَ عَقِيدَةُ كُلِّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ; وَإِنَّ ظُهُورَ هَذَا الدِّينِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، هُوَ ظَاهِرَةٌ كَوْنِيَّةٌ تَتَّسِقُ مَعَ اتِّجَاهِ الْكَوْنِ كُلِّهِ إِلَى اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
ثُمَّ يُعَاتِبُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا عِتَابًا شَدِيدًا عَلَى أَمْرٍ حَدَثَ مِنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ. أَمْرٍ يَكْرَهُهُ اللَّهُ أَشَدَّ الْكُرْهِ، وَيَمْقُتُهُ أَكْبَرَ الْمَقْتِ، وَيَسْتَفْظِعُهُ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا، كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ..
قَالَ
عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْجِهَادُ يَقُولُونَ: لَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ دَلَّنَا عَلَى أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ، فَنَعْمَلُ بِهِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِيمَانٌ بِهِ لَا شَكَّ فِيهِ، وَجِهَادُ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ الَّذِينَ خَالَفُوا الْإِيمَانَ وَلَمْ يُقِرُّوا بِهِ. فَلَمَّا نَزَلَ الْجِهَادُ كَرِهَ ذَلِكَ نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،
[ ص: 3552 ] وَشَقَّ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ، فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ... .. وَقَدِ اخْتَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ هَذَا الْقَوْلَ.
وَقَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: "وَحَمَلُوا الْآيَةَ - يَعْنِي الْجُمْهُورَ - عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ تَمَنَّوْا فَرِيضَةَ الْجِهَادِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فُرِضَ نَكَلَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=77أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً. وَقَالُوا: رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالُ؟ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ! قُلْ: مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا. nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ. وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ .."
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكُ نَزَلَتْ تَوْبِيخًا لِقَوْمٍ كَانُوا يَقُولُونَ: قَتَلْنَا. ضَرَبْنَا. طَعَنَّا. وَفَعَلْنَا ... وَلَمْ يَكُونُوا فَعَلُوا ذَلِكَ!
وَالرَّاجِحُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَاتِ وَذِكْرِ الْقِتَالِ أَنَّ مُنَاسَبَةَ النُّزُولِ هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا الْجُمْهُورُ وَهِيَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ. وَلَكِنَّ النُّصُوصَ الْقُرْآنِيَّةَ دَائِمًا أَبْعَدُ مَدًى مِنَ الْحَوَادِثِ الْمُفْرَدَةِ الَّتِي تَنْزِلُ الْآيَاتُ لِمُوَاجَهَتِهَا، وَأَشْمَلُ لِحَالَاتٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ الْحَالَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِسَبَبِهَا. وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّنَا نَسِيرُ مَعَ هَذِهِ النُّصُوصِ إِلَى مَدْلُولَاتِهَا الْعَامَّةِ، مَعَ اعْتِبَارِ الْحَادِثِ الَّذِي تَذْكُرُهُ رِوَايَاتُ النُّزُولِ.