[ ص: 3624 ] [ ص: 3625 ] بسم الله الرحمن الرحيم
من سورة الملك
إلى سورة المرسلات
الجزء التاسع والعشرون
[ ص: 3626 ] [ ص: 3627 ] (67)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة الملك مكية
وآياتها ثلاثون
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=28723_32501_33679_19609_29703_29485_30532_19960_19961_29494_19790_28658_19786_32436_31762_29687_29625_32435_19785_31756_29038nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=4ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=5ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=6وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=7إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=9قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=10وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=11فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=12إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=13وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=14ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=15هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=17أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم .حاصبا فستعلمون كيف نذير (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=18ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير (18)
[ ص: 3628 ] nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=19أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=21أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=22أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم (22)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=23قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون (23)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=24قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون (24)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=25ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (25)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=26قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين (26)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=27فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون (27)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=28قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم (28)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=29قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين (29)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=30قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين (30)
هذا الجزء كله من السور المكية. كما كان الجزء الذي سبقه كله من السور المدنية. ولكل منهما طابع مميز، وطعم خاص.. وبعض مطالع السور في هذا الجزء من بواكير ما نزل من القرآن كمطلع سورة "المدثر" ومطلع سورة "المزمل". كما أن فيه سورا يحتمل أن تكون قد نزلت بعد البعثة بحوالي ثلاث سنوات كسورة "القلم". وبحوالي عشر سنوات كسورة "الجن" التي يروى أنها نزلت في عودة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
الطائف، حيث أوذي من
ثقيف. ثم صرف الله إليه نفرا من الجن فاستمعوا إليه وهو يرتل القرآن، مما حكته سورة الجن في هذا الجزء. وكانت هذه الرحلة بعد وفاة
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة وأبي طالب قبيل الهجرة بعام أو عامين. وإن كانت هناك رواية أخرى هي الأرجح بأن السورة نزلت في أوائل البعثة.
والقرآن المكي يعالج - في الغالب - إنشاء العقيدة. في الله وفي الوحي، وفي اليوم الآخر. وإنشاء التصور المنبثق من هذه العقيدة لهذا الوجود وعلاقته بخالقه. والتعريف بالخالق تعريفا يجعل الشعور به حيا في القلب، مؤثرا موجها موحيا بالمشاعر اللائقة بعبد يتجه إلى رب، وبالأدب الذي يلزمه العبد مع الرب، وبالقيم والموازين التي يزن بها المسلم الأشياء والأحداث والأشخاص. وقد رأينا نماذج من هذا في السور المكية السابقة، وسنرى نماذج منه في هذا الجزء.
والقرآن المدني يعالج - في الغالب - تطبيق تلك العقيدة وذاك التصور وهذه الموازين في الحياة الواقعية;
[ ص: 3629 ] وحمل النفوس على الاضطلاع بأمانة العقيدة والشريعة في معترك الحياة، والنهوض بتكاليفها في عالم الضمير وعالم الظاهر سواء. وقد رأينا نماذج من هذا في السور المدنية السابقة ومنها سور الجزء الماضي.
وهذه السورة الأولى - سورة تبارك - تعالج إنشاء تصور جديد للوجود وعلاقاته بخالق الوجود. تصور واسع شامل يتجاوز عالم الأرض الضيق وحيز الدنيا المحدود، إلى عوالم في السماوات، وإلى حياة في الآخرة. وإلى خلائق أخرى غير الإنسان في عالم الأرض كالجن والطير، وفي العالم الآخر كجهنم وخزنتها. وإلى عوالم في الغيب غير عالم الظاهر تعلق بها قلوب الناس ومشاعرهم، فلا تستغرق في الحياة الحاضرة الظاهرة، في هذه الأرض. كما أنها تثير في حسهم التأمل فيما بين أيديهم وفي واقع حياتهم وذواتهم مما يمرون به غافلين.
وهي تهز في النفوس جميع الصور والانطباعات والرواسب الجامدة الهامدة المتخلفة من تصور الجاهلية وركودها; وتفتح المنافذ هنا وهناك، وتنفض الغبار، وتطلق الحواس والعقل والبصيرة ترتاد آفاق الكون، وأغوار النفس، وطباق الجو، ومسارب الماء، وخفايا الغيوب، فترى هناك يد الله المبدعة، وتحس حركة الوجود المنبعثة من قدرة الله. وتؤوب من الرحلة وقد شعرت أن الأمر أكبر، وأن المجال أوسع. وتحولت من الأرض - على سعتها - إلى السماء. ومن الظواهر إلى الحقائق. ومن الجمود إلى الحركة. مع حركة القدر، وحركة الحياة، وحركة الأحياء.
الموت والحياة أمران مألوفان مكروران. ولكن السورة تبعث حركة التأمل فيما وراء الموت والحياة من قدر الله وبلائه، ومن حكمة الله وتدبيره:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور .
والسماء خلق ثابت أمام الأعين الجاهلة لا تتجاوزه إلى اليد التي أبدعته، ولا تلتفت لما فيه من كمال. ولكن السورة تبعث حركة التأمل والاستغراق في هذا الجمال والكمال وما وراءها من حركة وأهداف:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3الذي خلق سبع سماوات طباقا. ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=4ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير.. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=5ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين.. .
والحياة الدنيا تبدو في الجاهلية غاية الوجود، ونهاية المطاف. ولكن السورة تكشف الستار عن عالم آخر هو حاضر للشياطين وللكافرين. وهو خلق آخر حافل بالحركة والتوفز والانتظار:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=5وأعتدنا لهم عذاب السعير. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=6وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=7إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8تكاد تميز من الغيظ. كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها: ألم يأتكم نذير؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=9قالوا: بلى! قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا: ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=10وقالوا: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=11فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير! .
والنفوس في الجاهلية لا تكاد تتجاوز هذا الظاهر الذي تعيش فيه، ولا تلقي بالا إلى الغيب وما يحتويه. وهي مستغرقة في الحياة الدنيا محبوسة في قفص الأرض الثابتة المستقرة. فالسورة تشد قلوبهم وأنظارهم إلى الغيب وإلى السماء وإلى القدرة التي لم ترها عين، ولكنها قادرة تفعل ما تشاء حيث تشاء; وحين تشاء وتهز في حسهم هذه الأرض الثابتة التي يطمئنون إليها ويستغرقون فيها
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=12إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=13وأسروا قولكم أو اجهروا به، إنه عليم بذات الصدور. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=14ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=15هو الذي جعل لكم الأرض [ ص: 3630 ] ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=17أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا؟ فستعلمون كيف نذير ..
والطير. إنه خلق يرونه كثيرا ولا يتدبرون معجزته إلا قليلا. ولكن السورة تمسك بأبصارهم لتنظر وبقلوبهم لتتدبر، وترى قدرة الله الذي صور وقدر:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=19أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن؟ ما يمسكهن إلا الرحمن، إنه بكل شيء بصير .
وهم آمنون في دارهم، مطمئنون إلى مكانهم، طمأنينة الغافل عن قدرة الله وقدره. ولكن السورة تهزهم من هذا السبات النفسي، بعد أن هزت الأرض من تحتهم وأثارت الجو من حولهم، تهزهم على قهر الله وجبروته الذي لا يحسبون حسابه:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن؟ إن الكافرون إلا في غرور .
والرزق الذي تناله أيديهم، إنه في حسهم قريب الأسباب، وهي بينهم تنافس وغلاب. ولكن السورة تمد أبصارهم بعيدا هنالك في السماء، ووراء الأسباب المعلومة لهم كما يظنون:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=21أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه؟ بل لجوا في عتو ونفور ..
وهم سادرون في غيهم يحسبون أنهم مهتدون وهم ضالون. فالسورة ترسم لهم حقيقة حالهم وحال المهتدين حقا، في صورة متحركة موحية:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=22أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى؟ أمن يمشي سويا على صراط مستقيم؟ .
وهم لا ينتفعون بما رزقهم الله في ذوات أنفسهم من استعدادات ومدارك; ولا يتجاوزون ما تراه حواسهم إلى التدبر فيما وراء هذا الواقع القريب. فالسورة تذكرهم بنعمة الله فيما وهبهم، وتوجههم إلى استخدام هذه الهبة في تنور المستقبل المغيب وراء الحاضر الظاهر، وتدبر الغاية من هذه البداية:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=23قل: هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، قليلا ما تشكرون. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=24قل: هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ..
وهم يكذبون بالبعث والحشر، ويسألون عن موعده. فالسورة تصوره لهم واقعا مفاجئا قريبا يسوؤهم أن يكون:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=25ويقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=26قل إنما العلم عند الله، وإنما أنا نذير مبين. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=27فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا، وقيل: هذا الذي كنتم به تدعون! ..
وهم يتربصون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه أن يهلكوا فيستريحوا من هذا الصوت الذي يقض عليهم مضجعهم بالتذكير والتحذير والإيقاظ من راحة الجمود! فالسورة تذكرهم بأن هلاك الحفنة المؤمنة أو بقاءها لا يؤثر فيما ينتظرهم هم من عذاب الله على الكفر والتكذيب، فأولى لهم أن يتدبروا أمرهم وحالهم قبل ذلك اليوم العصيب:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=28قل: أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=29قل: هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين .
وتنذرهم السورة في ختامها بتوقع ذهاب الماء الذي به يعيشون، والذي يجريه هو الله الذي به يكفرون!
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=30قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين؟ ..
إنها حركة. حركة في الحواس، وفي الحس، وفي التفكير، وفي الشعور.
ومفتاح السورة كلها، ومحورها الذي تشد إليه تلك الحركة فيها، هو مطلعها الجامع الموحي:
[ ص: 3631 ] nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تبارك الذي بيده الملك، وهو على كل شيء قدير ..
وعن حقيقة الملك وحقيقة القدرة تتفرع سائر الصور التي عرضتها السورة، وسائر الحركات المغيبة والظاهرة التي نبهت القلوب إليها..
فمن الملك ومن القدرة كان خلق الموت والحياة، وكان الابتلاء بهما. وكان خلق السماوات وتزيينها بالمصابيح وجعلها رجوما للشياطين. وكان إعداد جهنم بوصفها وهيئتها وخزنتها. وكان العلم بالسر والجهر. وكان جعل الأرض ذلولا للبشر. وكان الخسف والحاصب والنكير على المكذبين الأولين. وكان إمساك الطير في السماء. وكان القهر والاستعلاء. وكان الرزق كما يشاء. وكان الإنشاء وهبة السمع والأبصار والأفئدة. وكان الذرء في الأرض والحشر. وكان الاختصاص بعلم الآخرة. وكان عذاب الكافرين. وكان الماء الذي به الحياة وكان الذهاب به عند ما يريد..
فكل حقائق السورة وموضوعاتها، وكل صورها وإيحاءاتها مستمدة من إيحاء ذلك المطلع ومدلوله الشامل الكبير:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تبارك الذي بيده الملك، وهو على كل شيء قدير !!
وحقائق السورة وإيحاءاتها تتوالى في السياق، وتتدفق بلا توقف، مفسرة مدلول المطلع المجمل الشامل، مما يصعب معه تقسيمها إلى مقاطع! ويستحسن معه استعراضها في سياقها بالتفصيل:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ..
هذه التسبيحة في مطلع السورة توحي بزيادة بركة الله ومضاعفتها، وتمجيد هذه البركة الرابية الفائضة. وذكر الملك بجوارها يوحي بفيض هذه البركة على هذا الملك، وتمجيدها في الكون بعد تمجيدها في جناب الذات الإلهية. وهي ترنيمة تتجاوب بها أرجاء الوجود، ويعمر بها قلب كل موجود. وهي تنطلق من النطق الإلهي في كتابه الكريم، من الكتاب المكنون، إلى الكون المعلوم.
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تبارك الذي بيده الملك .. فهو المالك له، المهيمن عليه، القابض على ناصيته، المتصرف فيه.. وهي حقيقة. حين تستقر في الضمير تحدد له الوجهة والمصير; وتخليه من التوجه أو الاعتماد أو الطلب من غير المالك المهيمن المتصرف في هذا الملك بلا شريك; كما تخليه من العبودية والعبادة لغير المالك الواحد، والسيد الفريد!
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1وهو على كل شيء قدير .. فلا يعجزه شيء، ولا يفوته شيء، ولا يحول دون إرادته شيء، ولا يحد مشيئته شيء. يخلق ما يشاء، ويفعل ما يريد، وهو قادر على ما يريده غالب على أمره; لا تتعلق بإرادته حدود ولا قيود.. وهي حقيقة حين تستقر في الضمير تطلق تصوره لمشيئة الله وفعله من كل قيد يرد عليه من مألوف الحس أو مألوف العقل أو مألوف الخيال! فقدرة الله وراء كل ما يخطر للبشر على أي حال.. والقيود التي ترد على تصور البشر بحكم تكوينهم المحدود تجعلهم أسرى لما يألفون في تقدير ما يتوقعون من تغيير وتبديل فيما وراء اللحظة الحاضرة والواقع المحدود. فهذه الحقيقة تطلق حسهم من هذا الإسار. فيتوقعون من قدرة الله كل شيء بلا حدود. ويكلون لقدرة الله كل شيء بلا قيود. وينطلقون من أسر اللحظة الحاضرة والواقع المحدود.
[ ص: 3624 ] [ ص: 3625 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِنْ سُورَةِ الْمُلْكِ
إِلَى سُورَةِ الْمُرْسَلَاتِ
الْجُزْءُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ
[ ص: 3626 ] [ ص: 3627 ] (67)
nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ الْمُلْكِ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا ثَلَاثُونَ
بِسْمَ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=28723_32501_33679_19609_29703_29485_30532_19960_19961_29494_19790_28658_19786_32436_31762_29687_29625_32435_19785_31756_29038nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلَقَ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=4ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرَ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=5وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=6وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=7إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=9قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=10وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=11فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=12إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=13وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=14أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=15هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=17أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ .حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=18وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)
[ ص: 3628 ] nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=19أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ (20)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=21أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=22أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=23قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (23)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=24قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=25وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=26قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=27فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=28قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=29قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29)
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=30قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
هَذَا الْجُزْءُ كُلُّهُ مِنَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ. كَمَا كَانَ الْجُزْءُ الَّذِي سَبَقَهُ كُلُّهُ مِنَ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ. وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا طَابَعٌ مُمَيَّزٌ، وَطَعْمٌ خَاصٌّ.. وَبَعْضُ مَطَالِعِ السُّوَرِ فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنْ بَوَاكِيرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ كَمَطْلَعِ سُورَةِ "الْمُدَّثِّرِ" وَمَطْلَعِ سُورَةِ "الْمُزَّمِّلِ". كَمَا أَنَّ فِيهِ سُورًا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَدْ نَزَلَتْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ بِحَوَالَيْ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ كَسُورَةِ "الْقَلَمِ". وَبِحَوَالَيْ عَشْرِ سَنَوَاتٍ كَسُورَةِ "الْجِنِّ" الَّتِي يُرْوَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَوْدَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ
الطَّائِفِ، حَيْثُ أُوذِيَ مِنْ
ثَقِيفٍ. ثُمَّ صَرَفَ اللَّهُ إِلَيْهِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ فَاسْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ يُرَتِّلُ الْقُرْآنَ، مِمَّا حَكَتْهُ سُورَةُ الْجِنِّ فِي هَذَا الْجُزْءِ. وَكَانَتْ هَذِهِ الرِّحْلَةُ بَعْدَ وَفَاةِ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ وَأَبِي طَالِبٍ قُبَيْلَ الْهِجْرَةِ بِعَامٍ أَوْ عَامَيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ رِوَايَةٌ أُخْرَى هِيَ الْأَرْجَحُ بِأَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي أَوَائِلِ الْبَعْثَةِ.
وَالْقُرْآنُ الْمَكِّيُّ يُعَالِجُ - فِي الْغَالِبِ - إِنْشَاءَ الْعَقِيدَةِ. فِي اللَّهِ وَفِي الْوَحْيِ، وَفِي الْيَوْمِ الْآخِرِ. وَإِنْشَاءَ التَّصَوُّرِ الْمُنْبَثِقِ مِنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ لِهَذَا الْوُجُودِ وَعَلَاقَتِهِ بِخَالِقِهِ. وَالتَّعْرِيفِ بِالْخَالِقِ تَعْرِيفًا يَجْعَلُ الشُّعُورَ بِهِ حَيًّا فِي الْقَلْبِ، مُؤَثِّرًا مُوَجِّهًا مُوحِيًا بِالْمَشَاعِرِ اللَّائِقَةِ بِعَبْدٍ يَتَّجِهُ إِلَى رَبٍّ، وَبِالْأَدَبِ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْعَبْدُ مَعَ الرَّبِّ، وَبِالْقِيَمِ وَالْمَوَازِينِ الَّتِي يَزِنُ بِهَا الْمُسْلِمُ الْأَشْيَاءَ وَالْأَحْدَاثَ وَالْأَشْخَاصَ. وَقَدْ رَأَيْنَا نَمَاذِجَ مِنْ هَذَا فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ السَّابِقَةِ، وَسَنَرَى نَمَاذِجَ مِنْهُ فِي هَذَا الْجُزْءِ.
وَالْقُرْآنُ الْمَدَنِيُّ يُعَالِجُ - فِي الْغَالِبِ - تَطْبِيقَ تِلْكَ الْعَقِيدَةِ وَذَاكَ التَّصَوُّرِ وَهَذِهِ الْمَوَازِينِ فِي الْحَيَاةِ الْوَاقِعِيَّةِ;
[ ص: 3629 ] وَحَمْلِ النُّفُوسِ عَلَى الِاضْطِلَاعِ بِأَمَانَةِ الْعَقِيدَةِ وَالشَّرِيعَةِ فِي مُعْتَرَكِ الْحَيَاةِ، وَالنُّهُوضِ بِتَكَالِيفِهَا فِي عَالَمِ الضَّمِيرِ وَعَالَمِ الظَّاهِرِ سَوَاءً. وَقَدْ رَأَيْنَا نَمَاذِجَ مِنْ هَذَا فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ السَّابِقَةِ وَمِنْهَا سُوَرُ الْجُزْءِ الْمَاضِي.
وَهَذِهِ السُّورَةُ الْأُولَى - سُورَةُ تَبَارَكَ - تُعَالِجُ إِنْشَاءَ تَصَوُّرٍ جَدِيدٍ لِلْوُجُودِ وَعَلَاقَاتِهِ بِخَالِقِ الْوُجُودِ. تَصَوُّرٍ وَاسِعٍ شَامِلٍ يَتَجَاوَزُ عَالَمَ الْأَرْضِ الضَّيِّقَ وَحَيِّزَ الدُّنْيَا الْمَحْدُودَ، إِلَى عَوَالِمَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى حَيَاةٍ فِي الْآخِرَةِ. وَإِلَى خَلَائِقَ أُخْرَى غَيْرِ الْإِنْسَانِ فِي عَالَمِ الْأَرْضِ كَالْجِنِّ وَالطَّيْرِ، وَفِي الْعَالَمِ الْآخَرِ كَجَهَنَّمَ وَخَزَنَتِهَا. وَإِلَى عَوَالِمَ فِي الْغَيْبِ غَيْرِ عَالَمِ الظَّاهِرِ تُعَلِّقُ بِهَا قُلُوبَ النَّاسِ وَمَشَاعِرَهُمْ، فَلَا تَسْتَغْرِقُ فِي الْحَيَاةِ الْحَاضِرَةِ الظَّاهِرَةِ، فِي هَذِهِ الْأَرْضِ. كَمَا أَنَّهَا تُثِيرُ فِي حِسِّهِمُ التَّأَمُّلَ فِيمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَفِي وَاقِعِ حَيَاتِهِمْ وَذَوَاتِهِمْ مِمَّا يَمُرُّونَ بِهِ غَافِلِينَ.
وَهِيَ تَهُزُّ فِي النُّفُوسِ جَمِيعَ الصُّوَرِ وَالِانْطِبَاعَاتِ وَالرَّوَاسِبِ الْجَامِدَةِ الْهَامِدَةِ الْمُتَخَلِّفَةِ مِنْ تَصَوُّرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَرُكُودِهَا; وَتَفْتَحُ الْمَنَافِذَ هُنَا وَهُنَاكَ، وَتَنْفُضُ الْغُبَارَ، وَتُطْلِقُ الْحَوَاسَّ وَالْعَقْلَ وَالْبَصِيرَةَ تَرْتَادُ آفَاقَ الْكَوْنِ، وَأَغْوَارَ النَّفْسِ، وَطِبَاقَ الْجَوِّ، وَمَسَارِبَ الْمَاءِ، وَخَفَايَا الْغُيُوبِ، فَتَرَى هُنَاكَ يَدَ اللَّهِ الْمُبْدِعَةَ، وَتُحِسُّ حَرَكَةَ الْوُجُودِ الْمُنْبَعِثَةِ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ. وَتَؤُوبُ مِنَ الرِّحْلَةِ وَقَدْ شَعَرَتْ أَنَّ الْأَمْرَ أَكْبَرُ، وَأَنَّ الْمَجَالَ أَوْسَعُ. وَتَحَوَّلَتْ مِنَ الْأَرْضِ - عَلَى سَعَتِهَا - إِلَى السَّمَاءِ. وَمِنَ الظَّوَاهِرِ إِلَى الْحَقَائِقِ. وَمِنَ الْجُمُودِ إِلَى الْحَرَكَةِ. مَعَ حَرَكَةِ الْقَدَرِ، وَحَرَكَةِ الْحَيَاةِ، وَحَرَكَةِ الْأَحْيَاءِ.
الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ أَمْرَانِ مَأْلُوفَانِ مَكْرُورَانِ. وَلَكِنَّ السُّورَةَ تُبْعَثُ حَرَكَةَ التَّأَمُّلِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ مَنْ قَدَرَ اللَّهِ وَبَلَائِهِ، وَمِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَتَدْبِيرِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ .
وَالسَّمَاءُ خَلْقٌ ثَابِتٌ أَمَامَ الْأَعْيُنِ الْجَاهِلَةِ لَا تَتَجَاوَزُهُ إِلَى الْيَدِ الَّتِي أَبْدَعَتْهُ، وَلَا تَلْتَفِتُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَمَالٍ. وَلَكِنَّ السُّورَةَ تَبْعَثُ حَرَكَةَ التَّأَمُّلِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي هَذَا الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ حَرَكَةٍ وَأَهْدَافٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. مَا تَرَى فِي خَلَقَ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=4ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرَ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ.. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=5وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ.. .
وَالْحَيَاةُ الدُّنْيَا تَبْدُو فِي الْجَاهِلِيَّةِ غَايَةَ الْوُجُودِ، وَنِهَايَةَ الْمَطَافِ. وَلَكِنَّ السُّورَةَ تَكْشِفُ السِّتَارَ عَنْ عَالَمٍ آخَرَ هُوَ حَاضِرٌ لِلشَّيَاطِينِ وَلِلْكَافِرِينَ. وَهُوَ خَلْقٌ آخَرُ حَافِلٌ بِالْحَرَكَةِ وَالتَّوَفُّزِ وَالِانْتِظَارِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=5وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=6وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=7إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ. كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=9قَالُوا: بَلَى! قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا: مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=10وَقَالُوا: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=11فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ! .
وَالنُّفُوسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تَكَادُ تَتَجَاوَزُ هَذَا الظَّاهِرَ الَّذِي تَعِيشُ فِيهِ، وَلَا تُلْقِي بَالًا إِلَى الْغَيْبِ وَمَا يَحْتَوِيهِ. وَهِيَ مُسْتَغْرِقَةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَحْبُوسَةٌ فِي قَفَصِ الْأَرْضِ الثَّابِتَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ. فَالسُّورَةُ تَشُدُّ قُلُوبَهُمْ وَأَنْظَارَهُمُ إِلَى الْغَيْبِ وَإِلَى السَّمَاءِ وَإِلَى الْقُدْرَةِ الَّتِي لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ، وَلَكِنَّهَا قَادِرَةٌ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ حَيْثُ تَشَاءُ; وَحِينَ تَشَاءُ وَتَهُزُّ فِي حِسِّهِمْ هَذِهِ الْأَرْضَ الثَّابِتَةَ الَّتِي يَطْمَئِنُّونَ إِلَيْهَا وَيَسْتَغْرِقُونَ فِيهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=12إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=13وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=14أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=15هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ [ ص: 3630 ] ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=17أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا؟ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ..
وَالطَّيْرُ. إِنَّهُ خَلْقٌ يَرَوْنَهُ كَثِيرًا وَلَا يَتَدَبَّرُونَ مُعْجِزَتَهُ إِلَّا قَلِيلًا. وَلَكِنَّ السُّورَةَ تُمْسِكُ بِأَبْصَارِهِمْ لِتَنْظُرَ وَبِقُلُوبِهِمْ لِتَتَدَبَّرَ، وَتَرَى قُدْرَةَ اللَّهِ الَّذِي صَوَّرَ وَقَدَّرَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=19أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ؟ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ .
وَهُمْ آمِنُونَ فِي دَارِهِمْ، مُطْمَئِنُّونَ إِلَى مَكَانِهِمْ، طُمَأْنِينَةَ الْغَافِلِ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ. وَلَكِنَّ السُّورَةَ تَهُزُّهُمْ مِنْ هَذَا السُّبَاتِ النَّفْسِيِّ، بَعْدَ أَنْ هَزَّتِ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهِمْ وَأَثَارَتِ الْجَوَّ مِنْ حَوْلِهِمْ، تَهُزُّهُمْ عَلَى قَهْرِ اللَّهِ وَجَبَرُوتِهِ الَّذِي لَا يَحْسُبُونَ حِسَابَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ؟ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ .
وَالرِّزْقُ الَّذِي تَنَالُهُ أَيْدِيهِمْ، إِنَّهُ فِي حِسِّهِمْ قَرِيبُ الْأَسْبَابِ، وَهِيَ بَيْنَهُمْ تَنَافُسٌ وَغِلَابٌ. وَلَكِنَّ السُّورَةَ تَمُدُّ أَبْصَارَهُمْ بَعِيدًا هُنَالِكَ فِي السَّمَاءِ، وَوَرَاءَ الْأَسْبَابِ الْمَعْلُومَةِ لَهُمْ كَمَا يَظُنُّونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=21أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ؟ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ..
وَهُمْ سَادِرُونَ فِي غَيِّهِمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ وَهُمْ ضَالُّونَ. فَالسُّورَةُ تَرْسُمُ لَهُمْ حَقِيقَةَ حَالِهِمْ وَحَالَ الْمُهْتَدِينَ حَقًّا، فِي صُورَةٍ مُتَحَرِّكَةٍ مُوحِيَةٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=22أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى؟ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ؟ .
وَهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ فِي ذَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ مِنِ اسْتِعْدَادَاتٍ وَمَدَارِكَ; وَلَا يَتَجَاوَزُونَ مَا تَرَاهُ حَوَاسُّهُمُ إِلَى التَّدَبُّرِ فِيمَا وَرَاءَ هَذَا الْوَاقِعِ الْقَرِيبِ. فَالسُّورَةُ تُذَكِّرُهُمْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ فِيمَا وَهَبَهُمْ، وَتُوَجِّهُهُمْ إِلَى اسْتِخْدَامِ هَذِهِ الْهِبَةِ فِي تَنُّورِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمَغِيبِ وَرَاءَ الْحَاضِرِ الظَّاهِرِ، وَتَدَبُّرِ الْغَايَةِ مِنْ هَذِهِ الْبِدَايَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=23قُلْ: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ، قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=24قُلْ: هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ..
وَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ، وَيَسْأَلُونَ عَنْ مَوْعِدِهِ. فَالسُّورَةُ تُصَوِّرُهُ لَهُمْ وَاقِعًا مُفَاجِئًا قَرِيبًا يَسُوؤُهُمْ أَنْ يَكُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=25وَيَقُولُونَ: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=26قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=27فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَقِيلَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ! ..
وَهُمْ يَتَرَبَّصُونَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ أَنْ يَهْلَكُوا فَيَسْتَرِيحُوا مِنْ هَذَا الصَّوْتِ الَّذِي يُقِضُّ عَلَيْهِمْ مَضْجَعَهُمْ بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّحْذِيرِ وَالْإِيقَاظِ مِنْ رَاحَةِ الْجُمُودِ! فَالسُّورَةُ تُذَكِّرُهُمْ بِأَنَّ هَلَاكَ الْحِفْنَةِ الْمُؤْمِنَةِ أَوْ بَقَاءَهَا لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا يَنْتَظِرُهُمْ هُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ، فَأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يَتَدَبَّرُوا أَمْرَهُمْ وَحَالَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَصِيبِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=28قُلْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=29قُلْ: هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ .
وَتُنْذِرُهُمُ السُّورَةُ فِي خِتَامِهَا بِتَوَقُّعِ ذَهَابِ الْمَاءِ الَّذِي بِهِ يَعِيشُونَ، وَالَّذِي يُجْرِيهِ هُوَ اللَّهُ الَّذِي بِهِ يَكْفُرُونَ!
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=30قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ؟ ..
إِنَّهَا حَرَكَةٌ. حَرَكَةٌ فِي الْحَوَاسِّ، وَفِي الْحِسِّ، وَفِي التَّفْكِيرِ، وَفِي الشُّعُورِ.
وَمِفْتَاحُ السُّورَةِ كُلِّهَا، وَمِحْوَرُهَا الَّذِي تَشُدُّ إِلَيْهِ تِلْكَ الْحَرَكَةُ فِيهَا، هُوَ مَطْلَعُهَا الْجَامِعُ الْمُوحِي:
[ ص: 3631 ] nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ..
وَعَنْ حَقِيقَةِ الْمُلْكِ وَحَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ تَتَفَرَّعُ سَائِرُ الصُّوَرِ الَّتِي عَرَضَتْهَا السُّورَةُ، وَسَائِرُ الْحَرَكَاتِ الْمُغَيَّبَةِ وَالظَّاهِرَةِ الَّتِي نَبَّهَتِ الْقُلُوبَ إِلَيْهَا..
فَمِنَ الْمُلْكِ وَمِنَ الْقُدْرَةِ كَانَ خَلْقُ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، وَكَانَ الِابْتِلَاءُ بِهِمَا. وَكَانَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَتَزْيِينُهَا بِالْمَصَابِيحِ وَجَعْلُهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ. وَكَانَ إِعْدَادُ جَهَنَّمَ بِوَصْفِهَا وَهَيْئَتِهَا وَخَزَنَتِهَا. وَكَانَ الْعِلْمُ بِالسِّرِّ وَالْجَهْرِ. وَكَانَ جَعْلُ الْأَرْضِ ذَلُولًا لِلْبَشَرِ. وَكَانَ الْخَسْفُ وَالْحَاصِبُ وَالنَّكِيرُ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ الْأَوَّلِينَ. وَكَانَ إِمْسَاكُ الطَّيْرِ فِي السَّمَاءِ. وَكَانَ الْقَهْرُ وَالِاسْتِعْلَاءُ. وَكَانَ الرِّزْقُ كَمَا يَشَاءُ. وَكَانَ الْإِنْشَاءُ وَهِبَةُ السَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ. وَكَانَ الذَّرْءُ فِي الْأَرْضِ وَالْحَشْرِ. وَكَانَ الِاخْتِصَاصُ بِعِلْمِ الْآخِرَةِ. وَكَانَ عَذَابُ الْكَافِرِينَ. وَكَانَ الْمَاءُ الَّذِي بِهِ الْحَيَاةُ وَكَانَ الذَّهَابُ بِهِ عِنْدَ مَا يُرِيدُ..
فَكُلُّ حَقَائِقِ السُّورَةِ وَمَوْضُوعَاتِهَا، وَكُلُّ صُوَرِهَا وَإِيحَاءَاتِهَا مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ إِيحَاءِ ذَلِكَ الْمَطْلَعِ وَمَدْلُولِهِ الشَّامِلِ الْكَبِيرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ !!
وَحَقَائِقُ السُّورَةِ وَإِيحَاءَاتُهَا تَتَوَالَى فِي السِّيَاقِ، وَتَتَدَفَّقُ بِلَا تَوَقُّفٍ، مُفَسِّرَةً مَدْلُولَ الْمَطْلَعِ الْمُجْمَلِ الشَّامِلِ، مِمَّا يَصْعُبُ مَعَهُ تَقْسِيمُهَا إِلَى مَقَاطِعَ! وَيُسْتَحْسَنُ مَعَهُ اسْتِعْرَاضُهَا فِي سِيَاقِهَا بِالتَّفْصِيلِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ..
هَذِهِ التَّسْبِيحَةُ فِي مَطْلَعِ السُّورَةِ تُوحِي بِزِيَادَةِ بَرَكَةِ اللَّهِ وَمُضَاعَفَتِهَا، وَتَمْجِيدِ هَذِهِ الْبَرَكَةِ الرَّابِيَةِ الْفَائِضَةِ. وَذِكْرِ الْمُلْكِ بِجِوَارِهَا يُوحِي بِفَيْضِ هَذِهِ الْبَرَكَةِ عَلَى هَذَا الْمُلْكِ، وَتَمْجِيدِهَا فِي الْكَوْنِ بَعْدَ تَمْجِيدِهَا فِي جَنَابِ الذَّاتِ الْإِلَهِيَّةِ. وَهِيَ تَرْنِيمَةٌ تَتَجَاوَبُ بِهَا أَرْجَاءُ الْوُجُودِ، وَيَعْمُرُ بِهَا قَلْبُ كُلِّ مَوْجُودٍ. وَهِيَ تَنْطَلِقُ مِنَ النُّطْقِ الْإِلَهِيِّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، مِنَ الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ، إِلَى الْكَوْنِ الْمَعْلُومِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ .. فَهُوَ الْمَالِكُ لَهُ، الْمُهَيْمِنُ عَلَيْهِ، الْقَابِضُ عَلَى نَاصِيَتِهِ، الْمُتَصَرِّفُ فِيهِ.. وَهِيَ حَقِيقَةٌ. حِينَ تَسْتَقِرُّ فِي الضَّمِيرِ تُحَدِّدُ لَهُ الْوُجْهَةَ وَالْمَصِيرَ; وَتُخَلِّيهِ مِنَ التَّوَجُّهِ أَوِ الاعْتِمَادِ أَوِ الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ الْمُهَيْمِنِ الْمُتَصَرِّفِ فِي هَذَا الْمُلْكِ بِلَا شَرِيكٍ; كَمَا تُخَلِّيهِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَالْعِبَادَةِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ الْوَاحِدِ، وَالسَّيِّدِ الْفَرِيدِ!
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .. فَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَحُولُ دُونَ إِرَادَتِهِ شَيْءٌ، وَلَا يَحُدُّ مَشِيئَتَهُ شَيْءٌ. يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَا يُرِيدُهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ; لَا تَتَعَلَّقُ بِإِرَادَتِهِ حُدُودٌ وَلَا قُيُودٌ.. وَهِيَ حَقِيقَةٌ حِينَ تَسْتَقِرُّ فِي الضَّمِيرِ تُطْلِقُ تَصَوُّرَهُ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَفِعْلِهِ مِنْ كُلِّ قَيْدٍ يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ مَأْلُوفِ الْحِسِّ أَوْ مَأْلُوفِ الْعَقْلِ أَوْ مَأْلُوفِ الْخَيَالِ! فَقُدْرَةُ اللَّهِ وَرَاءَ كُلِّ مَا يَخْطُرُ لِلْبَشَرِ عَلَى أَيِّ حَالٍ.. وَالْقُيُودُ الَّتِي تَرِدُ عَلَى تَصَوُّرِ الْبَشَرِ بِحُكْمِ تَكْوِينِهِمُ الْمَحْدُودِ تَجْعَلُهُمْ أَسْرَى لِمَا يَأْلَفُونَ فِي تَقْدِيرِ مَا يَتَوَقَّعُونَ مِنْ تَغْيِيرٍ وَتَبْدِيلٍ فِيمَا وَرَاءَ اللَّحْظَةِ الْحَاضِرَةِ وَالْوَاقِعِ الْمَحْدُودِ. فَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ تُطْلِقُ حِسَّهُمْ مِنْ هَذَا الْإِسَارِ. فَيَتَوَقَّعُونَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ كُلَّ شَيْءٍ بِلَا حُدُودٍ. وَيَكِلُونَ لِقُدْرَةِ اللَّهِ كُلَّ شَيْءٍ بِلَا قُيُودٍ. وَيَنْطَلِقُونَ مِنْ أَسْرِ اللَّحْظَةِ الْحَاضِرَةِ وَالْوَاقِعِ الْمَحْدُودِ.