nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=1ن، والقلم وما يسطرون. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2ما أنت بنعمة ربك بمجنون. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وإن لك لأجرا غير ممنون. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=5فستبصر ويبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=6بأييكم المفتون. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=7إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=8فلا تطع المكذبين. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=9ودوا لو تدهن فيدهنون. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=10ولا تطع كل حلاف مهين. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=11هماز مشاء بنميم. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=12مناع للخير معتد أثيم. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=13عتل بعد ذلك زنيم. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=14أن كان ذا مال وبنين. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=15إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=16سنسمه على الخرطوم ..
يقسم الله - سبحانه - بنون، وبالقلم، وبالكتابة. والعلاقة واضحة بين الحرف (نون) . بوصفه أحد حروف الأبجدية وبين القلم، والكتابة.. فأما القسم بها فهو تعظيم لقيمتها، وتوجيه إليها، في وسط الأمة التي لم تكن تتجه إلى التعلم عن هذا الطريق، وكانت الكتابة فيها متخلفة ونادرة، في الوقت الذي كان دورها المقدر لها في
[ ص: 3655 ] علم الله يتطلب نمو هذه المقدرة فيها، وانتشارها بينها، لتقوم بنقل هذه العقيدة وما يقوم عليها من مناهج الحياة إلى أرجاء الأرض. ثم لتنهض بقيادة البشرية قيادة رشيدة. وما من شك أن الكتابة عنصر أساسي في النهوض بهذه المهمة الكبرى.
ومما يؤكد هذا المفهوم أن يبدأ الوحي بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقرأ باسم ربك الذي خلق. nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=2خلق الإنسان من علق. nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=3اقرأ وربك الأكرم. nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=4الذي علم بالقلم. nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=5علم الإنسان ما لم يعلم .. وأن يكون هذا الخطاب موجها للنبي الأمي - الذي قدر الله أن يكون أميا لحكمة معينة - ولكنه بدأ الوحي إليه منوها بالقراءة والتعليم بالقلم. ثم أكد هذه اللفتة هنا بالقسم بنون، والقلم وما يسطرون. وكان هذا حلقة من المنهج الإلهي لتربية هذه الأمة وإعدادها للقيام بالدور الكوني الضخم الذي قدره لها في علمه المكنون.
يقسم الله - سبحانه - بنون والقلم وما يسطرون، منوها بقيمة الكتابة معظما لشأنها كما أسلفنا لينفي عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - تلك الفرية التي رماه بها المشركون، مستبعدا لها، ونعمته على رسوله ترفضها.
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2ما أنت بنعمة ربك بمجنون ..
فيثبت في هذه الآية القصيرة وينفي.. يثبت نعمة الله على نبيه، في تعبير يوحي بالقربى والمودة: حين يضيفه سبحانه إلى ذاته: "ربك". وينفي تلك الصفة المفتراة التي لا تجتمع مع نعمة الله، على عبد نسبه إليه وقربه واصطفاه..
وإن العجب ليأخذ كل دارس لسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قومه، من قولتهم هذه عنه، وهم الذين علموا منه رجاحة العقل حتى حكموه بينهم في رفع الحجر الأسود قبل النبوة بأعوام كثيرة. وهم الذين لقبوه بالأمين، وظلوا يستودعونه أماناتهم حتى يوم هجرته، بعد عدائهم العنيف له، فقد ثبت أن عليا - كرم الله وجهه - تخلف عن رسول الله أياما في
مكة، ليرد إليهم ودائعهم التي كانت عنده; حتى وهم يحادونه ويعادونه ذلك العداء العنيف. وهم الذين لم يعرفوا عليه كذبة واحدة قبل البعثة. فلما سأل
هرقل nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان عنه: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل نبوته؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان - وهو عدوه قبل إسلامه - لا، فقال
هرقل: ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله!
إن الإنسان ليأخذه العجب أن يبلغ الغيظ بالناس إلى الحد الذي يدفع مشركي
قريش إلى أن يقولوا هذه القولة وغيرها عن هذا الإنسان الرفيع الكريم، المشهور بينهم برجاحة العقل وبالخلق القويم. ولكن الحقد يعمي ويصم، والغرض يقذف بالفرية دون تحرج! وقائلها يعرف قبل كل أحد، أنه كذاب أثيم!
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2ما أنت بنعمة ربك بمجنون .. هكذا في عطف وفي إيناس وفي تكريم، ردا على ذلك الحقد الكافر، وهذا الافتراء الذميم.
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وإن لك لأجرا غير ممنون ..
وإن لك لأجرا دائما موصولا، لا ينقطع ولا ينتهي، أجرا عند ربك الذي أنعم عليك بالنبوة ومقامها الكريم.. وهو إيناس كذلك وتسرية وتعويض فائض غامر عن كل حرمان وعن كل جفوة وعن كل بهتان يرميه به المشركون. وماذا فقد من يقول له ربه:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وإن لك لأجرا غير ممنون ؟ في عطف وفي مودة وفي تكريم؟
[ ص: 3656 ] ثم تجيء الشهادة الكبرى والتكريم العظيم:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم ..
وتتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد على النبي الكريم; ويثبت هذا الثناء العلوي في صميم الوجود!
ويعجز كل قلم، ويعجز كل تصور، عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود، وهي شهادة من الله، في ميزان الله، لعبد الله، يقول له فيها:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم . ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله مما لا يبلغ إلى إدراك مداه أحد من العالمين!
ودلالة هذه الكلمة العظيمة على عظمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - تبرز من نواح شتى:
تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال، يسجلها ضمير الكون، وتثبت في كيانه، وتتردد في الملإ الأعلى إلى ما شاء الله.
وتبرز من جانب آخر، من جانب إطاقة
محمد - صلى الله عليه وسلم - لتلقيها. وهو يعلم من ربه هذا، قائل هذه الكلمة. ما هو؟ ما عظمته؟ ما دلالة كلماته؟ ما مداها؟ ما صداها؟ ويعلم من هو إلى جانب هذه العظمة المطلقة، التي يدرك هو منها مالا يدركه أحد من العالمين.
إن إطاقة
محمد - صلى الله عليه وسلم - لتلقي هذه الكلمة، من هذا المصدر، وهو ثابت، لا ينسحق تحت ضغطها الهائل - ولو أنها ثناء - ولا تتأرجح شخصيته تحت وقعها وتضطرب.. تلقيه لها في طمأنينة وفي تماسك وفي توازن.. هو ذاته دليل على عظمة شخصيته فوق كل دليل.
ولقد رويت عن
nindex.php?page=treesubj&link=30961عظمة خلقه في السيرة، وعلى لسان أصحابه روايات منوعة كثيرة. وكان واقع سيرته أعظم شهادة من كل ما روي عنه. ولكن هذه الكلمة أعظم بدلالتها من كل شيء آخر. أعظم بصدورها عن العلي الكبير. وأعظم بتلقي
محمد لها وهو يعلم من هو العلي الكبير، وبقائه بعدها ثابتا راسخا مطمئنا. لا يتكبر على العباد، ولا ينتفخ، ولا يتعاظم، وهو الذي سمع ما سمع من العلي الكبير!
والله أعلم حيث يجعل رسالته. وما كان إلا
محمد - صلى الله عليه وسلم - بعظمة نفسه هذه - من يحمل هذه الرسالة الأخيرة بكل عظمتها الكونية الكبرى. فيكون كفئا لها، كما يكون صورة حية منها.
إن هذه الرسالة من الكمال والجمال، والعظمة والشمول، والصدق والحق، بحيث لا يحملها إلا الرجل الذي يثني عليه الله هذا الثناء. فتطيق شخصيته كذلك تلقي هذا الثناء. في تماسك وفي توازن، وفي طمأنينة. طمأنينة القلب الكبير الذي يسع حقيقة تلك الرسالة وحقيقة هذا الثناء العظيم. ثم يتلقى - بعد ذلك - عتاب ربه له ومؤاخذته إياه على بعض تصرفاته، بذات التماسك وذات التوازن وذات الطمأنينة. ويعلن هذه كما يعلن تلك، لا يكتم من هذه شيئا ولا تلك.. وهو هو في كلتا الحالتين النبي الكريم. والعبد الطائع. والمبلغ الأمين.
إن حقيقة هذه النفس من حقيقة هذه الرسالة. وإن عظمة هذه النفس من عظمة هذه الرسالة. وإن
nindex.php?page=treesubj&link=30231الحقيقة المحمدية كالحقيقة الإسلامية لأبعد من مدى أي مجهر يملكه بشر. وقصارى ما يملكه راصد لعظمة هذه الحقيقة المزدوجة أن يراها ولا يحدد مداها. وأن يشير إلى مسارها الكوني دون أن يحدد هذا المسار!
ومرة أخرى أجد نفسي مشدودا للوقوف إلى جوار الدلالة الضخمة لتلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذه الكلمة من ربه، وهو ثابت راسخ متوازن مطمئن الكيان.. لقد كان - وهو بشر - يثني على أحد أصحابه، فيهتز
[ ص: 3657 ] كيان صاحبه هذا وأصحابه من وقع هذا الثناء العظيم. وهو بشر وصاحبه يعلم أنه بشر. وأصحابه يدركون أنه بشر. إنه نبي نعم. ولكن في الدائرة المعلومة الحدود. دائرة البشرية ذات الحدود.. فأما هو فيتلقى هذه الكلمة من الله. وهو يعلم من هو الله. هو بخاصة يعلم من هو الله! هو يعلم منه ما لا يعلمه سواه. ثم يصطبر ويتماسك ويتلقى ويسير ... إنه أمر فوق كل تصور وفوق كل تقدير!!!
إنه
محمد - وحده - هو الذي يرقى إلى هذا الأفق من العظمة.. إنه
محمد - وحده - هو الذي يبلغ قمة الكمال الإنساني المجانس لنفخة الله في الكيان الإنساني. إنه
محمد - وحده - هو الذي يكافئ هذه الرسالة الكونية العالمية الإنسانية; حتى لتتمثل في شخصه حية، تمشي على الأرض في إهاب إنسان.. إنه
محمد - وحده الذي علم الله منه أنه أهل لهذا المقام. والله أعلم حيث يجعل رسالته - وأعلن في هذه أنه على خلق عظيم. وأعلن في الأخرى أنه - جل شأنه وتقدست ذاته وصفاته، يصلي عليه هو وملائكته
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إن الله وملائكته يصلون على النبي . وهو - جل شأنه - وحده القادر على أن يهب عبدا من عباده ذلك الفضل العظيم..
ثم إن لهذه اللفتة دلالتها على تمجيد العنصر الأخلاقي في ميزان الله; وأصالة هذا العنصر في الحقيقة الإسلامية كأصالة الحقيقة المحمدية.
والناظر في هذه العقيدة، كالناظر في سيرة رسولها، يجد العنصر الأخلاقي بارزا أصيلا فيها، تقوم عليه أصولها التشريعية وأصولها التهذيبية على السواء..
nindex.php?page=treesubj&link=32020الدعوة الكبرى في هذه العقيدة إلى الطهارة والنظافة والأمانة والصدق والعدل والرحمة والبر وحفظ العهد، ومطابقة القول للفعل، ومطابقتهما معا للنية والضمير; والنهي عن الجور والظلم والخداع والغش وأكل أموال الناس بالباطل، والاعتداء على الحرمات والأعراض، وإشاعة الفاحشة بأية صورة من الصور.. والتشريعات في هذه العقيدة لحماية هذه الأسس وصيانة العنصر الأخلاقي في الشعور والسلوك، وفي أعماق الضمير وفي واقع المجتمع. وفي العلاقات الفردية والجماعية والدولية على السواء.
والرسول الكريم يقول: "إنما بعثت لأتمم
nindex.php?page=treesubj&link=19506_18667_19473مكارم الأخلاق".. فيلخص رسالته في هذا الهدف النبيل. وتتوارد أحاديثه تترى في الحض على كل خلق كريم. وتقوم سيرته الشخصية مثالا حيا وصفحة نقية، وصورة رفيعة، تستحق من الله أن يقول عنها في كتابه الخالد:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم .. فيمجد بهذا الثناء نبيه - صلى الله عليه وسلم - كما يمجد به العنصر الأخلاقي في منهجه الذي جاء به هذا النبي الكريم، ويشد به الأرض إلى السماء، ويعلق به قلوب الراغبين إليه - سبحانه - وهو يدلهم على ما يحب ويرضى من الخلق القويم.
وهذا الاعتبار هو الاعتبار الفذ في أخلاقية الإسلام. فهي أخلاقية لم تنبع من البيئة، ولا من اعتبارات أرضية إطلاقا وهي لا تستمد ولا تعتمد على اعتبار من اعتبارات العرف أو المصلحة أو الارتباطات التي كانت قائمة في الجيل. إنما تستمد من السماء وتعتمد على السماء. تستمد من هتاف السماء للأرض لكي تتطلع إلى الأفق.
وتستمد من صفات الله المطلقة ليحققها البشر في حدود الطاقة، كي يحققوا إنسانيتهم العليا، وكي يصبحوا أهلا لتكريم الله لهم واستخلافهم في الأرض; وكي يتأهلوا للحياة الرفيعة الأخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55في مقعد صدق عند مليك مقتدر .. ومن ثم فهي غير مقيدة ولا محدودة بحدود من أي اعتبارات قائمة في الأرض; إنما هي طليقة ترتفع إلى أقصى ما يطيقه البشر، لأنها تتطلع إلى تحقيق صفات الله الطليقة من كل حد ومن كل قيد.
ثم إنها ليست فضائل مفردة: صدق. وأمانة. وعدل. ورحمة. وبر.... إنما هي منهج متكامل، تتعاون
[ ص: 3658 ] فيه التربية التهذيبية مع الشرائع التنظيمية; وتقوم عليه فكرة الحياة كلها واتجاهاتها جميعا، وتنتهي في خاتمة المطاف إلى الله. لا إلى أي اعتبار آخر من اعتبارات هذه الحياة!
وقد تمثلت هذه الأخلاقية الإسلامية بكمالها وجمالها وتوازنها واستقامتها واطرادها وثباتها في
محمد - صلى الله عليه وسلم - وتمثلت في ثناء الله العظيم، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم ..
وبعد هذا الثناء الكريم على عبده يطمئنه إلى غده مع المشركين، الذين رموه بذلك البهت اللئيم; ويهددهم بافتضاح أمرهم وانكشاف بطلانهم وضلالهم المبين:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=5فستبصر ويبصرون. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=6بأييكم المفتون. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=7إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ..
والمفتون الذي يطمئن الله نبيه إلى كشفه وتعيينه هو الضال. أو هو الممتحن الذي يكشف الامتحان عن حقيقته. وكلا المدلولين قريب من قريب.. وهذا الوعد فيه من الطمأنينة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين معه، بقدر ما فيه من التهديد للمناوئين له المفترين عليه.. أيا كان مدلول الجنون الذي رموه به. والأقرب إلى الظن أنهم لم يكونوا يقصدون به ذهاب العقل. فالواقع يكذب هذا القول. إنما كانوا يعنون به مخالطة الجنة له، وإيحاءهم إليه بهذا القول الغريب البديع - كما كانوا يظنون أن لكل شاعر شيطانا هو الذي يمده ببديع القول! - وهو مدلول بعيد عن حقيقة حال النبي - صلى الله عليه وسلم - وغريب عن طبيعة ما يوحى إليه من القول الثابت الصادق المستقيم.
وهذا الوعد من الله يشير إلى أن الغد سيكشف عن حقيقة النبي وحقيقة مكذبيه. ويثبت أيهم الممتحن بما هو فيه; أو أيهم الضال فيما يدعيه. ويطمئنه إلى أن ربههو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين .. وربه هو الذي أوحى إليه، فهو يعلم أنه المهتدي ومن معه. وفي هذا ما يطمئنه وما يقلق أعداءه، وما يبعث في قلوبهم التوجس والقلق لما سيجيء!
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=1ن، وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=5فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=6بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=7إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=8فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=9وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=10وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=11هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=12مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=13عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=14أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=15إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ: أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=16سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ..
يُقْسِمُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - بِنُونٍ، وَبِالْقَلَمِ، وَبِالْكِتَابَةِ. وَالْعَلَاقَةُ وَاضِحَةٌ بَيْنَ الْحَرْفِ (نُونٍ) . بِوَصْفِهِ أَحَدَ حُرُوفِ الْأَبْجَدِيَّةِ وَبَيْنَ الْقَلَمِ، وَالْكِتَابَةِ.. فَأَمَّا الْقَسَمُ بِهَا فَهُوَ تَعْظِيمٌ لِقِيمَتِهَا، وَتَوْجِيهٌ إِلَيْهَا، فِي وَسَطِ الْأُمَّةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ تَتَّجِهُ إِلَى التَّعَلُّمِ عَنْ هَذَا الطَّرِيقِ، وَكَانَتِ الْكِتَابَةُ فِيهَا مُتَخَلِّفَةً وَنَادِرَةً، فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ دَوْرُهَا الْمُقَدَّرُ لَهَا فِي
[ ص: 3655 ] عِلْمِ اللَّهِ يَتَطَلَّبُ نُمُوَّ هَذِهِ الْمَقْدِرَةِ فِيهَا، وَانْتِشَارَهَا بَيْنَهَا، لِتَقُومَ بِنَقْلِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ وَمَا يَقُومُ عَلَيْهَا مِنْ مَنَاهِجِ الْحَيَاةِ إِلَى أَرْجَاءِ الْأَرْضِ. ثُمَّ لِتَنْهَضَ بِقِيَادَةِ الْبَشَرِيَّةِ قِيَادَةً رَشِيدَةً. وَمَا مِنْ شَكٍّ أَنَّ الْكِتَابَةَ عُنْصُرٌ أَسَاسِيٌّ فِي النُّهُوضِ بِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ الْكُبْرَى.
وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الْمَفْهُومَ أَنْ يَبْدَأَ الْوَحْيُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=2خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=3اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=4الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=5عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .. وَأَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِطَابُ مُوَجَّهًا لِلنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ - الَّذِي قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ أُمِّيًّا لِحِكْمَةٍ مُعَيَّنَةٍ - وَلَكِنَّهُ بَدَأَ الْوَحْيَ إِلَيْهِ مُنَوِّهًا بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّعْلِيمِ بِالْقَلَمِ. ثُمَّ أَكَّدَ هَذِهِ اللَّفْتَةَ هُنَا بِالْقَسَمِ بِنُونٍ، وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ. وَكَانَ هَذَا حَلْقَةً مِنَ الْمَنْهَجِ الْإِلَهِيِّ لِتَرْبِيَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِعْدَادِهَا لِلْقِيَامِ بِالدَّوْرِ الْكَوْنِيِّ الضَّخْمِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهَا فِي عِلْمِهِ الْمَكْنُونِ.
يُقْسِمُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - بِنُونٍ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، مُنَوِّهًا بِقِيمَةِ الْكِتَابَةِ مُعَظِّمًا لِشَأْنِهَا كَمَا أَسْلَفْنَا لِيَنْفِيَ عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ الْفِرْيَةَ الَّتِي رَمَاهُ بِهَا الْمُشْرِكُونَ، مُسْتَبْعِدًا لَهَا، وَنِعْمَتُهُ عَلَى رَسُولِهِ تَرْفُضُهَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ..
فَيَثُبِتُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْقَصِيرَةِ وَيَنْفِي.. يُثْبِتُ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ، فِي تَعْبِيرٍ يُوحِي بِالْقُرْبَى وَالْمَوَدَّةِ: حِينَ يُضِيفُهُ سُبْحَانَهُ إِلَى ذَاتِهِ: "رَبِّكَ". وَيَنْفِي تِلْكَ الصِّفَةَ الْمُفْتَرَاةَ الَّتِي لَا تَجْتَمِعُ مَعَ نِعْمَةِ اللَّهِ، عَلَى عَبْدٍ نَسَبَهُ إِلَيْهِ وَقَرَّبَهُ وَاصْطَفَاهُ..
وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَأْخُذُ كُلَّ دَارِسٍ لِسِيرَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْمِهِ، مِنْ قَوْلَتِهِمْ هَذِهِ عَنْهُ، وَهُمُ الْذِينَ عَلِمُوا مِنْهُ رَجَاحَةَ الْعَقْلِ حَتَّى حَكَّمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي رَفْعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِأَعْوَامٍ كَثِيرَةٍ. وَهُمُ الْذِينَ لَقَّبُوهُ بِالْأَمِينِ، وَظَلُّوا يَسْتَوْدِعُونَهُ أَمَانَاتِهِمْ حَتَّى يَوْمِ هِجْرَتِهِ، بَعْدَ عَدَائِهِمُ الْعَنِيفِ لَهُ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَيَّامًا فِي
مَكَّةَ، لِيَرُدَّ إِلَيْهِمْ وَدَائِعَهُمُ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ; حَتَّى وَهُمْ يُحَادُّونَهُ وَيُعَادُونَهُ ذَلِكَ الْعَدَاءَ الْعَنِيفَ. وَهُمُ الْذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا عَلَيْهِ كِذْبَةً وَاحِدَةً قَبْلَ الْبَعْثَةِ. فَلَمَّا سَأَلَ
هِرَقْلُ nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبَا سُفْيَانَ عَنْهُ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ؟ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبُو سُفْيَانَ - وَهُوَ عَدُوُّهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ - لَا، فَقَالَ
هِرَقْلُ: مَا كَانَ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ!
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِيَأْخُذَهُ الْعَجَبُ أَنْ يَبْلُغَ الْغَيْظُ بِالنَّاسِ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي يَدْفَعُ مُشْرِكِي
قُرَيْشٍ إِلَى أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْقَوْلَةَ وَغَيْرَهَا عَنْ هَذَا الْإِنْسَانِ الرَّفِيعِ الْكَرِيمِ، الْمَشْهُورِ بَيْنَهُمْ بِرَجَاحَةِ الْعَقْلِ وَبِالْخُلُقِ الْقَوِيمِ. وَلَكِنَّ الْحِقْدَ يُعْمِي وَيُصِمُّ، وَالْغَرَضُ يَقْذِفُ بِالْفِرْيَةِ دُونَ تَحَرُّجٍ! وَقَائِلُهَا يَعْرِفُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ، أَنَّهُ كَذَّابٌ أَثِيمٌ!
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ .. هَكَذَا فِي عَطْفٍ وَفِي إِينَاسٍ وَفِي تَكْرِيمٍ، رَدًّا عَلَى ذَلِكَ الْحِقْدِ الْكَافِرِ، وَهَذَا الِافْتِرَاءِ الذَّمِيمِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ..
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا دَائِمًا مَوْصُولًا، لَا يَنْقَطِعُ وَلَا يَنْتَهِي، أَجْرًا عِنْدَ رَبِّكَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِالنُّبُوَّةِ وَمَقَامِهَا الْكَرِيمِ.. وَهُوَ إِينَاسٌ كَذَلِكَ وَتَسْرِيَةٌ وَتَعْوِيضٌ فَائِضٌ غَامِرٌ عَنْ كُلِّ حِرْمَانٍ وَعَنْ كُلِّ جَفْوَةٍ وَعَنْ كُلِّ بُهْتَانٍ يَرْمِيهِ بِهِ الْمُشْرِكُونَ. وَمَاذَا فَقَدَ مِنْ يَقُولُ لَهُ رَبُّهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ؟ فِي عَطْفٍ وَفِي مَوَدَّةٍ وَفِي تَكْرِيمٍ؟
[ ص: 3656 ] ثُمَّ تَجِيءُ الشَّهَادَةُ الْكُبْرَى وَالتَّكْرِيمُ الْعَظِيمُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ..
وَتَتَجَاوَبُ أَرْجَاءُ الْوُجُودِ بِهَذَا الثَّنَاءِ الْفَرِيدِ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ; وَيُثْبِتُ هَذَا الثَّنَاءَ الْعُلْوِيَّ فِي صَمِيمِ الْوُجُودِ!
وَيَعْجَزُ كُلُّ قَلَمٍ، وَيَعْجَزُ كُلُّ تَصَوُّرٍ، عَنْ وَصْفِ قِيمَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ رَبِّ الْوُجُودِ، وَهِيَ شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهِ، فِي مِيزَانِ اللَّهِ، لِعَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ لَهُ فِيهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ . وَمَدْلُولُ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ هُوَ مَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا لَا يَبْلُغُ إِلَى إِدْرَاكِ مَدَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ!
وَدَلَالَةُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعَظِيمَةِ عَلَى عَظَمَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبْرُزُ مِنْ نَوَاحٍ شَتَّى:
تَبَرُزُ مِنْ كَوْنِهَا كَلِمَةً مِنَ اللَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، يُسَجِّلُهَا ضَمِيرُ الْكَوْنِ، وَتَثْبُتُ فِي كِيَانِهِ، وَتَتَرَدَّدُ فِي الْمَلَإِ الْأَعْلَى إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ.
وَتَبَرُزُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ، مِنْ جَانِبِ إِطَاقَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتُلْقِيَهَا. وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ رَبِّهِ هَذَا، قَائِلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. مَا هُوَ؟ مَا عَظَمَتُهُ؟ مَا دَلَالَةُ كَلِمَاتِهِ؟ مَا مَدَاهَا؟ مَا صَدَاهَا؟ وَيَعْلَمُ مَنْ هُوَ إِلَى جَانِبِ هَذِهِ الْعَظَمَةِ الْمُطْلَقَةِ، الَّتِي يُدْرِكُ هُوَ مِنْهَا مَالَا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ.
إِنَّ إِطَاقَةَ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَلَقِّي هَذِهِ الْكَلِمَةِ، مِنْ هَذَا الْمَصْدَرِ، وَهُوَ ثَابِتٌ، لَا يَنْسَحِقُ تَحْتَ ضَغْطِهَا الْهَائِلِ - وَلَوْ أَنَّهَا ثَنَاءٌ - وَلَا تَتَأَرْجَحُ شَخْصِيَّتُهُ تَحْتَ وَقْعِهَا وَتَضْطَرِبُ.. تَلَقِّيهِ لَهَا فِي طُمَأْنِينَةٍ وَفِي تَمَاسُكٍ وَفِي تَوَازُنٍ.. هُوَ ذَاتُهُ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَةِ شَخْصِيَّتِهِ فَوْقَ كُلِّ دَلِيلٍ.
وَلَقَدْ رُوِيَتْ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30961عَظَمَةِ خُلُقِهِ فِي السِّيرَةِ، وَعَلَى لِسَانِ أَصْحَابِهِ رِوَايَاتٌ مُنَوَّعَةٌ كَثِيرَةٌ. وَكَانَ وَاقِعُ سِيرَتِهِ أَعْظَمَ شَهَادَةٍ مِنْ كُلِّ مَا رُوِيَ عَنْهُ. وَلَكِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَعْظَمُ بِدَلَالَتِهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ آخَرَ. أَعْظَمُ بِصُدُورِهَا عَنِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ. وَأَعْظَمُ بِتَلَقِّي
مُحَمَّدٍ لَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، وَبَقَائِهِ بَعْدَهَا ثَابِتًا رَاسِخًا مُطَمْئِنًا. لَا يَتَكَبَّرُ عَلَى الْعِبَادِ، وَلَا يَنْتَفِخُ، وَلَا يَتَعَاظَمُ، وَهُوَ الَّذِي سَمِعَ مَا سَمِعَ مِنَ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ!
وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ. وَمَا كَانَ إِلَّا
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَظَمَةِ نَفْسِهِ هَذِهِ - مَنْ يَحْمِلُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ الْأَخِيرَةَ بِكُلِّ عَظَمَتِهَا الْكَوْنِيَّةِ الْكُبْرَى. فَيَكُونُ كُفْئًا لَهَا، كَمَا يَكُونُ صُورَةً حَيَّةً مِنْهَا.
إِنَّ هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنَ الْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، وَالْعَظَمَةِ وَالشُّمُولِ، وَالصِّدْقِ وَالْحَقِّ، بِحَيْثُ لَا يَحْمِلُهَا إِلَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُثْنِي عَلَيْهِ اللَّهُ هَذَا الثَّنَاءَ. فَتُطِيقُ شَخْصِيَّتُهُ كَذَلِكَ تَلَقِّيَ هَذَا الثَّنَاءِ. فِي تَمَاسُكٍ وَفِي تَوَازُنٍ، وَفِي طُمَأْنِينَةٍ. طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ الْكَبِيرِ الَّذِي يَسَعُ حَقِيقَةَ تِلْكَ الرِّسَالَةِ وَحَقِيقَةَ هَذَا الثَّنَاءِ الْعَظِيمِ. ثُمَّ يَتَلَقَّى - بَعْدَ ذَلِكَ - عِتَابَ رَبِّهِ لَهُ وَمُؤَاخَذَتَهُ إِيَّاهُ عَلَى بَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ، بِذَاتِ التَّمَاسُكِ وَذَاتِ التَّوَازُنِ وَذَاتِ الطُّمَأْنِينَةِ. وَيُعْلِنُ هَذِهِ كَمَا يُعْلِنُ تِلْكَ، لَا يَكْتُمُ مِنْ هَذِهِ شَيْئًا وَلَا تِلْكَ.. وَهُوَ هُوَ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ. وَالْعَبْدُ الطَّائِعُ. وَالْمُبَلِّغُ الْأَمِينُ.
إِنَّ حَقِيقَةَ هَذِهِ النَّفْسِ مِنْ حَقِيقَةِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ. وَإِنَّ عَظَمَةَ هَذِهِ النَّفْسِ مِنْ عَظَمَةِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ. وَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30231الْحَقِيقَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ كَالْحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِأَبْعَدِ مِنْ مَدَى أَيِّ مِجْهَرٍ يَمْلِكُهُ بَشَرٌ. وَقُصَارَى مَا يَمْلِكُهُ رَاصِدٌ لِعَظَمَةِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الْمُزْدَوِجَةِ أَنْ يَرَاهَا وَلَا يُحَدِّدَ مَدَاهَا. وَأَنْ يُشِيرَ إِلَى مَسَارِهَا الْكَوْنِيِّ دُونَ أَنْ يُحَدِّدَ هَذَا الْمَسَارَ!
وَمَرَّةً أُخْرَى أَجِدُ نَفْسِي مَشْدُودًا لِلْوُقُوفِ إِلَى جِوَارِ الدَّلَالَةِ الضَّخْمَةِ لِتَلَقِّي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ ثَابِتٌ رَاسِخٌ مُتَوَازِنٌ مُطَمْئِنُ الْكِيَانِ.. لَقَدْ كَانَ - وَهُوَ بَشَرٌ - يُثْنِي عَلَى أَحَدِ أَصْحَابِهِ، فَيَهْتَزُّ
[ ص: 3657 ] كِيَانُ صَاحِبِهِ هَذَا وَأَصْحَابِهِ مِنْ وَقْعِ هَذَا الثَّنَاءِ الْعَظِيمِ. وَهُوَ بَشَرٌ وَصَاحِبُهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَشَرٌ. وَأَصْحَابُهُ يُدْرِكُونَ أَنَّهُ بَشَرٌ. إِنَّهُ نَبِيٌّ نَعَمْ. وَلَكِنْ فِي الدَّائِرَةِ الْمَعْلُومَةِ الْحُدُودِ. دَائِرَةِ الْبَشَرِيَّةِ ذَاتِ الْحُدُودِ.. فَأَمَّا هُوَ فَيَتَلَقَّى هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنَ اللَّهِ. وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ اللَّهُ. هُوَ بِخَاصَّةٍ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ اللَّهُ! هُوَ يَعْلَمُ مِنْهُ مَا لَا يَعْلَمُهُ سِوَاهُ. ثُمَّ يَصْطَبِرُ وَيَتَمَاسَكُ وَيَتَلَقَّى وَيَسِيرُ ... إِنَّهُ أَمْرٌ فَوْقَ كُلِّ تَصَوُّرٍ وَفَوْقَ كُلِّ تَقْدِيرٍ!!!
إِنَّهُ
مُحَمَّدٌ - وَحْدَهُ - هُوَ الَّذِي يَرْقَى إِلَى هَذَا الْأُفُقِ مِنَ الْعَظَمَةِ.. إِنَّهُ
مُحَمَّدٌ - وَحْدَهُ - هُوَ الَّذِي يَبْلُغُ قِمَّةَ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُجَانِسِ لِنَفْخَةِ اللَّهِ فِي الْكِيَانِ الْإِنْسَانِيِّ. إِنَّهُ
مُحَمَّدٌ - وَحْدَهُ - هُوَ الَّذِي يُكَافِئُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ الْكَوْنِيَّةِ الْعَالَمِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ; حَتَّى لَتَتَمَثَّلُ فِي شَخْصِهِ حَيَّةً، تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فِي إِهَابِ إِنْسَانٍ.. إِنَّهُ
مُحَمَّدٌ - وَحْدَهُ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ أَهْلٌ لِهَذَا الْمَقَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ - وَأَعْلَنَ فِي هَذِهِ أَنَّهُ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ. وَأَعْلَنَ فِي الْأُخْرَى أَنَّهُ - جَلَّ شَأْنُهُ وَتَقَدَّسَتْ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ، يُصَلِّي عَلَيْهِ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ . وَهُوَ - جَلَّ شَأْنُهُ - وَحْدَهُ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَهَبَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ ذَلِكَ الْفَضْلَ الْعَظِيمَ..
ثُمَّ إِنَّ لِهَذِهِ اللَّفْتَةِ دَلَالَتَهَا عَلَى تَمْجِيدِ الْعُنْصُرِ الْأَخْلَاقِيِّ فِي مِيزَانِ اللَّهِ; وَأَصَالَةِ هَذَا الْعُنْصُرِ فِي الْحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَأَصَالَةِ الْحَقِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.
وَالنَّاظِرُ فِي هَذِهِ الْعَقِيدَةِ، كَالنَّاظِرِ فِي سِيرَةِ رَسُولِهَا، يَجِدُ الْعُنْصُرَ الْأَخْلَاقِيَّ بَارِزًا أَصِيلًا فِيهَا، تَقُومُ عَلَيْهِ أُصُولُهَا التَّشْرِيعِيَّةُ وَأُصُولُهَا التَّهْذِيبِيَّةُ عَلَى السَّوَاءِ..
nindex.php?page=treesubj&link=32020الدَّعْوَةُ الْكُبْرَى فِي هَذِهِ الْعَقِيدَةِ إِلَى الطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَالْبِرِّ وَحِفْظِ الْعَهْدِ، وَمُطَابَقَةِ الْقَوْلِ لِلْفِعْلِ، وَمُطَابَقَتِهِمَا مَعًا لِلنِّيَّةِ وَالضَّمِيرِ; وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْخِدَاعِ وَالْغِشِّ وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى الْحُرُمَاتِ وَالْأَعْرَاضِ، وَإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ بِأَيَّةِ صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ.. وَالتَّشْرِيعَاتُ فِي هَذِهِ الْعَقِيدَةِ لِحِمَايَةِ هَذِهِ الْأُسُسِ وَصِيَانَةِ الْعُنْصُرِ الْأَخْلَاقِيِّ فِي الشُّعُورِ وَالسُّلُوكِ، وَفِي أَعْمَاقِ الضَّمِيرِ وَفِي وَاقِعِ الْمُجْتَمَعِ. وَفِي الْعَلَاقَاتِ الْفَرْدِيَّةِ وَالْجَمَاعِيَّةِ وَالدَّوْلِيَّةِ عَلَى السَّوَاءِ.
وَالرَّسُولُ الْكَرِيمُ يَقُولُ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=19506_18667_19473مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ".. فَيُلَخِّصُ رِسَالَتَهُ فِي هَذَا الْهَدَفِ النَّبِيلِ. وَتَتَوَارَدُ أَحَادِيثَهُ تَتْرَى فِي الْحَضِّ عَلَى كُلِّ خُلُقٍ كَرِيمٍ. وَتَقُومُ سِيرَتُهُ الشَّخْصِيَّةُ مِثَالًا حَيًّا وَصَفْحَةً نَقِيَّةً، وَصُورَةً رَفِيعَةً، تَسْتَحِقُّ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ عَنْهَا فِي كِتَابِهِ الْخَالِدِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ .. فَيُمَجِّدُ بِهَذَا الثَّنَاءِ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يُمَجِّدُ بِهِ الْعُنْصُرَ الْأَخْلَاقِيَّ فِي مَنْهَجِهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ هَذَا النَّبِيُّ الْكَرِيمُ، وَيَشُدُّ بِهِ الْأَرْضَ إِلَى السَّمَاءِ، وَيُعَلِّقُ بِهِ قُلُوبَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - وَهُوَ يَدُلُّهُمْ عَلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى مِنَ الْخُلُقِ الْقَوِيمِ.
وَهَذَا الِاعْتِبَارُ هُوَ الِاعْتِبَارُ الْفَذُّ فِي أَخْلَاقِيَّةِ الْإِسْلَامِ. فَهِيَ أَخْلَاقِيَّةٌ لَمْ تَنْبُعْ مِنَ الْبِيئَةِ، وَلَا مِنِ اعْتِبَارَاتٍ أَرْضِيَّةٍ إِطْلَاقًا وَهِيَ لَا تُسْتَمَدُّ وَلَا تَعْتَمِدُ عَلَى اعْتِبَارٍ مِنِ اعْتِبَارَاتِ الْعُرْفِ أَوِ الْمَصْلَحَةِ أَوِ الارْتِبَاطَاتِ الَّتِي كَانَتْ قَائِمَةً فِي الْجِيلِ. إِنَّمَا تُسْتَمَدُّ مِنَ السَّمَاءِ وَتَعْتَمِدُ عَلَى السَّمَاءِ. تُسْتَمَدُّ مِنْ هُتَافِ السَّمَاءِ لِلْأَرْضِ لِكَيْ تَتَطَلَّعَ إِلَى الْأُفُقِ.
وَتُسْتَمَدُّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الْمُطْلَقَةِ لِيُحَقِّقَهَا الْبَشَرُ فِي حُدُودِ الطَّاقَةِ، كَيْ يُحَقِّقُوا إِنْسَانِيَّتَهُمُ الْعُلْيَا، وَكَيْ يُصْبِحُوا أَهْلًا لِتَكْرِيمِ اللَّهِ لَهُمْ وَاسْتِخْلَافِهِمْ فِي الْأَرْضِ; وَكَيْ يَتَأَهَّلُوا لِلْحَيَاةِ الرَّفِيعَةِ الْأُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ .. وَمِنْ ثَمَّ فَهِيَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ وَلَا مَحْدُودَةٍ بِحُدُودٍ مِنْ أَيِّ اعْتِبَارَاتٍ قَائِمَةٍ فِي الْأَرْضِ; إِنَّمَا هِيَ طَلِيقَةٌ تَرْتَفِعُ إِلَى أَقْصَى مَا يُطِيقُهُ الْبَشَرُ، لِأَنَّهَا تَتَطَلَّعُ إِلَى تَحْقِيقِ صِفَاتِ اللَّهِ الطَّلِيقَةِ مَنْ كُلِّ حَدٍّ وَمَنْ كُلِّ قَيْدٍ.
ثُمَّ إِنَّهَا لَيْسَتْ فَضَائِلَ مُفْرَدَةً: صِدْقٌ. وَأَمَانَةٌ. وَعَدْلٌ. وَرَحْمَةٌ. وَبِرٌّ.... إِنَّمَا هِيَ مَنْهَجٌ مُتَكَامِلٌ، تَتَعَاوَنُ
[ ص: 3658 ] فِيهِ التَّرْبِيَةُ التَّهْذِيبِيَّةُ مَعَ الشَّرَائِعِ التَّنْظِيمِيَّةِ; وَتَقُومُ عَلَيْهِ فِكْرَةُ الْحَيَاةِ كُلِّهَا وَاتِّجَاهَاتُهَا جَمِيعًا، وَتَنْتَهِي فِي خَاتِمَةِ الْمَطَافِ إِلَى اللَّهِ. لَا إِلَى أَيِّ اعْتِبَارٍ آخَرَ مِنِ اعْتِبَارَاتٍ هَذِهِ الْحَيَاةِ!
وَقَدْ تَمَثَّلَتْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِكَمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَتَوَازُنِهَا وَاسْتِقَامَتِهَا وَاطِّرَادِهَا وَثَبَاتِهَا فِي
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَثَّلَتْ فِي ثَنَاءِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ..
وَبَعْدَ هَذَا الثَّنَاءِ الْكَرِيمِ عَلَى عَبْدِهِ يُطَمْئِنُهُ إِلَى غَدِهِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ رَمَوْهُ بِذَلِكَ الْبُهْتِ اللَّئِيمِ; وَيُهَدِّدُهُمْ بِافْتِضَاحِ أَمْرِهِمْ وَانْكِشَافِ بُطْلَانِهِمْ وَضَلَالِهِمُ الْمُبِينِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=5فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=6بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ. nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=7إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ..
وَالْمَفْتُونُ الَّذِي يُطَمْئِنُ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِلَى كَشْفِهِ وَتَعْيِينِهِ هُوَ الضَّالُّ. أَوْ هُوَ الْمُمْتَحَنُ الَّذِي يَكْشِفُ الِامْتِحَانُ عَنْ حَقِيقَتِهِ. وَكِلَا الْمَدْلُولَيْنِ قَرِيبٌ مِنْ قَرِيبٍ.. وَهَذَا الْوَعْدُ فِيهِ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ، بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ التَّهْدِيدِ لِلْمُنَاوِئِينَ لَهُ الْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ.. أَيًّا كَانَ مَدْلُولُ الْجُنُونِ الَّذِي رَمَوْهُ بِهِ. وَالْأَقْرَبُ إِلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَقْصِدُونَ بِهِ ذَهَابَ الْعَقْلِ. فَالْوَاقِعُ يُكَذِّبُ هَذَا الْقَوْلَ. إِنَّمَا كَانُوا يَعْنُونَ بِهِ مُخَالَطَةَ الْجِنَّةِ لَهُ، وَإِيحَاءَهُمْ إِلَيْهِ بِهَذَا الْقَوْلِ الْغَرِيبِ الْبَدِيعِ - كَمَا كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ لِكُلِّ شَاعِرٍ شَيْطَانًا هُوَ الَّذِي يَمُدُّهُ بِبَدِيعِ الْقَوْلِ! - وَهُوَ مَدْلُولٌ بَعِيدٌ عَنْ حَقِيقَةِ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَرِيبٌ عَنْ طَبِيعَةِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ الثَّابِتِ الصَّادِقِ الْمُسْتَقِيمِ.
وَهَذَا الْوَعْدُ مِنَ اللَّهِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْغَدَ سَيَكْشِفُ عَنْ حَقِيقَةِ النَّبِيِّ وَحَقِيقَةِ مُكَذِّبِيهِ. وَيُثْبِتُ أَيُّهُمُ الْمُمْتَحَنُ بِمَا هُوَ فِيهِ; أَوْ أَيُّهُمُ الضَّالُّ فِيمَا يَدَّعِيهِ. وَيُطَمْئِنُهُ إِلَى أَنَّ رَبَّهُهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .. وَرَبُّهُ هُوَ الَّذِي أَوْحَى إِلَيْهِ، فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ الْمُهْتَدِي وَمَنْ مَعَهُ. وَفِي هَذَا مَا يُطَمْئِنُهُ وَمَا يُقْلِقُ أَعْدَاءَهُ، وَمَا يَبْعَثُ فِي قُلُوبِهِمُ التَّوَجُّسَ وَالْقَلَقَ لِمَا سَيَجِيءُ!