والآن وقد انتهى من تصوير الهول في مشاهد ذلك اليوم، وفي صورة ذلك العذاب; فإنه يتجه إلى تصوير حقيقة النفس البشرية في مواجهة الشر والخير، في حالتي إيمانها وخلوها من الإيمان. ويقرر
nindex.php?page=treesubj&link=29468_29680مصير المؤمنين كما قرر
nindex.php?page=treesubj&link=29468مصير المجرمين: nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إن الإنسان خلق هلوعا: nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=20إذا مسه الشر جزوعا، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=21وإذا مسه الخير منوعا. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=22إلا المصلين nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=23الذين هم على صلاتهم دائمون. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=24والذين في أموالهم حق معلوم nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=25للسائل والمحروم. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=26والذين يصدقون بيوم الدين. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=27والذين هم من عذاب ربهم مشفقون. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=28إن عذاب ربهم غير مأمون. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=29والذين هم لفروجهم حافظون. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=30إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=31فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=32والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=33والذين هم بشهاداتهم قائمون. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=34والذين هم على صلاتهم يحافظون. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=35أولئك في جنات مكرمون .
وصورة الإنسان - عند خواء قلبه من الإيمان - كما يرسمها القرآن صورة عجيبة في صدقها ودقتها وتعبيرها الكامل عن الملامح الأصيلة في هذا المخلوق; والتي لا يعصمه منها ولا يرفعه عنها إلا العنصر الإيماني، الذي
[ ص: 3699 ] يصله بمصدر يجد عنده الطمأنينة التي تمسك به من الجزع عند ملاقاة الشر، ومن الشح عند امتلاك الخير.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إن الإنسان خلق هلوعا: nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=20إذا مسه الشر جزوعا. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=21وإذا مسه الخير منوعا ..
لكأنما كل كلمة لمسة من ريشة مبدعة تضع خطا في ملامح هذا الإنسان. حتى إذا اكتملت الآيات الثلاث القصار المعدودة الكلمات نطقت الصورة ونبضت بالحياة. وانتفض من خلالها الإنسان بسماته وملامحه الثابتة. هلوعا.. جزوعا عند مس الشر، يتألم للذعته، ويجزع لوقعه، ويحسب أنه دائم لا كاشف له. ويظن اللحظة الحاضرة سرمدا مضروبا عليه; ويحبس نفسه بأوهامه في قمقم من هذه اللحظة وما فيها من الشر الواقع به. فلا يتصور أن هناك فرجا; ولا يتوقع من الله تغييرا. ومن ثم يأكله الجزع، ويمزقه الهلع. ذلك أنه لا يأوي إلى ركن ركين يشد من عزمه، ويعلق به رجاءه وأمله.. منوعا للخير إذا قدر عليه. يحسب أنه من كده وكسبه فيضن به على غيره، ويحتجنه لشخصه، ويصبح أسير ما ملك منه، مستعبدا للحرص عليه! ذلك أنه لا يدرك حقيقة الرزق ودوره هو فيه. ولا يتطلع إلى خير منه عند ربه وهو منقطع عنه خاوي القلب من الشعور به.. فهو هلوع في الحالتين.. هلوع من الشر. هلوع على الخير.. وهي صورة بائسة للإنسان، حين يخلو قلبه من الإيمان.
ومن ثم يبدو الإيمان بالله مسألة ضخمة في حياة الإنسان. لا كلمة تقال باللسان، ولا شعائر تعبدية تقام. إنه حالة نفس ومنهج حياة، وتصور كامل للقيم والأحداث والأحوال. وحين يصبح القلب خاويا من هذا المقوم فإنه يتأرجح ويهتز وتتناوبه الرياح كالريشة! ويبيت في قلق وخوف دائم، سواء أصابه الشر فجزع، أم أصابه الخير فمنع. فأما حين يعمره الإيمان فهو منه في طمأنينة وعافية، لأنه متصل بمصدر الأحداث ومدبر الأحوال مطمئن إلى قدره شاعر برحمته، مقدر لابتلائه، متطلع دائما إلى فرجه من الضيق، ويسره من العسر. متجه إليه بالخير، عالم أنه ينفق مما رزقه، وأنه مجزي على ما أنفق في سبيله، معوض عنه في الدنيا والآخرة.. فالإيمان كسب في الدنيا يتحقق قبل جزاء الآخرة، يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طوال رحلة الحياة الدنيا.
وصفة المؤمنين المستثنين من الهلع، تلك السمة العامة للإنسان، يفصلها السياق هنا ويحددها:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=22إلا المصلين. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=23الذين هم على صلاتهم دائمون ..
والصلاة فوق أنها ركن الإسلام وعلامة الإيمان، هي وسيلة الاتصال بالله والاستمداد من ذلك الرصيد. ومظهر العبودية الخالصة التي يتجرد فيها مقام الربوبية ومقام العبودية في صورة معينة. وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=23الذين هم على صلاتهم دائمون .. تعطي صورة الاستقرار والاستطراد، فهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل وهي صلة بالله مستمرة غير منقطعة.. وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عمل شيئا من العبادة أثبته - أي داوم عليه - وكان يقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=883462 "وإن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل".. لملاحظة
nindex.php?page=treesubj&link=31825صفة الاطمئنان والاستقرار والثبات على الاتصال بالله، كما ينبغي من الاحترام لهذا الاتصال. فليس هو لعبة توصل أو تقطع، حسب المزاج!
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=24والذين في أموالهم حق معلوم nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=25للسائل والمحروم ..
وهي الزكاة على وجه التخصيص والصدقات المعلومة القدر.. وهي حق في أموال المؤمنين.. أو لعل المعنى أشمل من هذا وأكبر. وهو أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يشعرون أنه حق للسائل والمحروم. وفي هذا
[ ص: 3700 ] تخلص من الشح واستعلاء على الحرص! كما أن فيه شعورا بواجب الواجد تجاه المحروم، في هذه الأمة المتضامنة المتكافلة.. والسائل الذي يسأل; والمحروم الذي لا يسأل ولا يعبر عن حاجته فيحرم. أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم وعف عن السؤال. والشعور بأن للمحتاجين والمحرومين حقا في الأموال هو شعور بفضل الله من جهة، وبآصرة الإنسانية من جهة، فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص والشح. وهو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل الأمة كلها وتعاونها. فهي فريضة ذات دلالات شتى، في عالم الضمير وعالم الواقع سواء.. وذكرها هنا فوق أنه يرسم خطا في
nindex.php?page=treesubj&link=8106ملامح النفس المؤمنة فهو حلقة من حلقات
nindex.php?page=treesubj&link=18896_18897_18905العلاج للشح والحرص في السورة.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=26والذين يصدقون بيوم الدين ..
وهذه الصفة ذات علاقة مباشرة بموضوع السورة الرئيسي. وهي في الوقت ذاته ترسم خطا أساسيا في ملامح النفس المؤمنة. فالتصديق بيوم الدين شطر الإيمان. وهو ذو أثر حاسم في منهج الحياة شعورا وسلوكا. والميزان في يد المصدق بيوم الدين غير الميزان في يد المكذب بهذا اليوم أو المستريب فيه. ميزان الحياة والقيم والأعمال والأحداث.. المصدق بيوم الدين يعمل وهو ناظر لميزان السماء لا لميزان الأرض، ولحساب الآخرة لا لحساب الدنيا ويتقبل الأحداث خيرها وشرها وفي حسابه أنها مقدمات نتائجها هناك، فيضيف إليها النتائج المرتقبة حين يزنها ويقومها.. والمكذب بيوم الدين يحسب كل شيء بحسب ما يقع له منه في هذه الحياة القصيرة المحدودة، ويتحرك وحدوده هي حدود هذه الأرض وحدود هذا العمر. ومن ثم يتغير حسابه وتختلف نتائج موازينه، وينتهي إلى نتائج خاطئة فوق ما ينحصر في مساحة من المكان ومساحة من الزمان محدودة.. وهو بائس مسكين معذب قلق لأن ما يقع في هذا الشطر من الحياة الذي يحصر فيه تأملاته وحساباته وتقديراته، قد لا يكون مطمئنا ولا مريحا ولا عادلا ولا معقولا، ما لم يضف إليه حساب الشطر الآخر وهو أكبر وأطول. ومن ثم يشقى به من لا يحسب حساب الآخرة أو يشقى غيره من حوله. ولا تستقيم له حياة رفيعة لا يجد جزاءها في هذه الأرض واضحا.. ومن ثم كان التصديق باليوم الآخر شطر الإيمان الذي يقوم عليه منهج الحياة في الإسلام.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=27والذين هم من عذاب ربهم مشفقون. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=28إن عذاب ربهم غير مأمون ..
وهذه درجة أخرى وراء مجرد التصديق بيوم الدين. درجة الحساسية المرهفة، والرقابة اليقظة، والشعور بالتقصير في جناب الله على كثرة العبادة، والخوف من تلفت القلب واستحقاقه للعذاب في أية لحظة، والتطلع إلى الله للحماية والوقاية.
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من هو عند الله. وهو يعرف أن الله قد اصطفاه ورعاه.. كان دائم الحذر دائم الخوف لعذاب الله. وكان على يقين أن عمله لا يعصمه ولا يدخله الجنة إلا بفضل من الله ورحمة. وقال لأصحابه:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655241 "لن يدخل الجنة أحدا عمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته".
وفي قوله هنا:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=28إن عذاب ربهم غير مأمون .. إيحاء بالحساسية الدائمة التي لا تغفل لحظة، فقد تقع موجبات العذاب في لحظة الغفلة فيحق العذاب. والله لا يطلب من الناس إلا هذه اليقظة وهذه الحساسية، فإذا غلبهم ضعفهم معها، فرحمته واسعة، ومغفرته حاضرة. وباب التوبة مفتوح ليست عليه مغاليق! وهذا
[ ص: 3701 ] قوام الأمر في الإسلام بين الغفلة والقلق. والإسلام غير هذا وتلك. والقلب الموصول بالله يحذر ويرجو، ويخاف ويطمع، وهو مطمئن لرحمة الله على كل حال.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=29والذين هم لفروجهم حافظون. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=30إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=31فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ..
وهذه تعني طهارة النفس والجماعة، فالإسلام يريد مجتمعا طاهرا نظيفا، وفي الوقت ذاته ناصعا صريحا. مجتمعا تؤدى فيه كل الوظائف الحيوية، وتلبى فيه كل دوافع الفطرة. ولكن بغير فوضى ترفع الحياء الجميل، وبغير التواء يقتل الصراحة النظيفة. مجتمعا يقوم على أساس الأسرة الشرعية المتينة القوائم. وعلى البيت العلني الواضح المعالم. مجتمعا يعرف فيه كل طفل أباه، ولا يخجل من مولده. لا لأن الحياء منزوع من الوجوه والنفوس. ولكن لأن العلاقات الجنسية قائمة على أساس نظيف صريح، طويل الأمد، واضح الأهداف، يرمي إلى النهوض بواجب إنساني واجتماعي، لا لمجرد إرضاء النزوة الحيوانية والشهوة الجنسية!
ومن ثم يذكر القرآن هنا من صفات المؤمنين
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=29والذين هم لفروجهم حافظون nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=30إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=31فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ..
فيقرر نظافة الاتصال بالأزواج وبما ملكت الأيمان - من الإماء حين يوجدن بسبب مشروع - والسبب المشروع الوحيد الذي يعترف به الإسلام هو السبي في قتال في سبيل الله. وهي الحرب الوحيدة التي يقرها الإسلام - والأصل في حكم هذا السبي هو ما ذكرته آية سورة محمد:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ولكن قد يتخلف بعض السبي بلا من ولا فداء لملابسات واقعية; فهذا يظل رقيقا إذا كان المعسكر الآخر يسترق أسرى المسلمين في أية صورة من صور الرق - ولو سماه بغير اسمه! - ويجوز الإسلام وطء الإماء عندئذ من صاحبهن وحده، ويجعل عتقهن موكولا إلى الوسائل الكثيرة التي شرعها الإسلام لتجفيف هذا المورد. ويقف الإسلام بمبادئه صريحا نظيفا لا يدع هؤلاء الأسيرات لفوضى الاختلاط الجنسي القذر كما يقع لأسيرات الحروب قديما وحديثا! ولا يتدسس ويلتوي فيسميهن حرات وهن إماء في الحقيقة!
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=31فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون .. وبذلك يغلق الباب في وجه كل قذارة جنسية، في أية صورة غير هاتين الصورتين الواضحتين الصريحتين.. فلا يرى في الوظيفة الطبيعية قذارة في ذاتها; ولكن القذارة في الالتواء بها. والإسلام نظيف صريح قويم..
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=32والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون .
وهذه من القوائم الأخلاقية التي يقيم الإسلام عليها نظام المجتمع. ورعاية الأمانات والعهود في الإسلام تبدأ من رعاية الأمانة الكبرى التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان. وهي أمانة العقيدة والاستقامة عليها اختيارا لا اضطرارا.. ومن رعاية العهد الأول المقطوع على فطرة الناس وهم بعد في الأصلاب أن الله ربهم الواحد، وهم بخلقتهم على هذا العهد شهود.. ومن رعاية تلك الأمانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر الأمانات والعهود في معاملات الأرض وقد شدد الإسلام في الأمانة والعهد وكرر وأكد، ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة. وجعل رعاية الأمانة والعهد سمة النفس
[ ص: 3702 ] المؤمنة، كما جعل خيانة الأمانة وإخلاف العهد سمة النفس المنافقة والكافرة. ورد هذا في مواضع شتى من القرآن والسنة لا تدع مجالا للشك في أهمية هذا الأمر البالغة في عرف الإسلام.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=33والذين هم بشهاداتهم قائمون ..
وقد ناط الله بأداء الشهادة حقوقا كثيرة، بل ناط بها حدود الله، التي تقام بقيام الشهادة. فلم يكن بد أن يشدد الله في القيام بالشهادة، وعدم التخلف عنها ابتداء، وعدم كتمانها عند التقاضي، ومن القيام بها أداؤها بالحق دون ميل ولا تحريف. وقد جعلها الله شهادة له هو ليربطها بطاعته، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأقيموا الشهادة لله .. وجعلها هنا سمة من سمات المؤمنين وهي أمانة من الأمانات، أفردها بالذكر للتعظيم من شأنها وإبراز أهميتها..
وكما بدأ سمات النفوس المؤمنة بالصلاة، ختمها كذلك بالصلاة:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=34والذين هم على صلاتهم يحافظون ..
وهي صفة غير صفة الدوام التي ذكرت في صدر هذه الصفات. تتحقق بالمحافظة على الصلاة في مواعيدها، وفي فرائضها، وفي سننها، وفي هيئتها، وفي الروح التي تؤدى بها. فلا يضيعونها إهمالا وكسلا. ولا يضيعونها بعدم إقامتها على وجهها.. وذكر الصلاة في المطلع والختام يوحي بالاحتفال والاهتمام. وبهذا تختم سمات المؤمنين..
وعندئذ يقرر مصير هذا الفريق من الناس بعد ما قرر من قبل مصير الفريق الآخر:
وَالْآنَ وَقَدِ انْتَهَى مِنْ تَصْوِيرِ الْهَوْلِ فِي مَشَاهِدِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَفِي صُورَةِ ذَلِكَ الْعَذَابِ; فَإِنَّهُ يَتَّجِهُ إِلَى تَصْوِيرِ حَقِيقَةِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ فِي مُوَاجَهَةِ الشَّرِّ وَالْخَيْرِ، فِي حَالَتَيْ إِيمَانِهَا وَخُلُوِّهَا مِنَ الْإِيمَانِ. وَيُقَرِّرُ
nindex.php?page=treesubj&link=29468_29680مَصِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَرَّرَ
nindex.php?page=treesubj&link=29468مَصِيرَ الْمُجْرِمِينَ: nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا: nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=20إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=21وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=22إِلا الْمُصَلِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=23الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=24وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=25لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=26وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=27وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=28إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=29وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=30إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=31فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=32وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=33وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=34وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=35أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
وَصُورَةُ الْإِنْسَانِ - عِنْدَ خَوَاءِ قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ - كَمَا يَرْسُمُهَا الْقُرْآنُ صُورَةٌ عَجِيبَةٌ فِي صِدْقِهَا وَدِقَّتِهَا وَتَعْبِيرِهَا الْكَامِلِ عَنِ الْمَلَامِحِ الْأَصِيلَةِ فِي هَذَا الْمَخْلُوقِ; وَالَّتِي لَا يَعْصِمُهُ مِنْهَا وَلَا يَرْفَعُهُ عَنْهَا إِلَّا الْعُنْصُرُ الْإِيمَانِيُّ، الَّذِي
[ ص: 3699 ] يَصِلُهُ بِمَصْدَرٍ يَجِدُ عِنْدَهُ الطُّمَأْنِينَةَ الَّتِي تُمْسِكُ بِهِ مِنَ الْجَزَعِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الشَّرِّ، وَمِنَ الشُّحِّ عِنْدَ امْتِلَاكِ الْخَيْرِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا: nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=20إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=21وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ..
لَكَأَنَّمَا كُلُّ كَلِمَةٍ لَمْسَةٌ مِنْ رِيشَةٍ مُبْدِعَةٍ تَضَعُ خَطًّا فِي مَلَامِحِ هَذَا الْإِنْسَانِ. حَتَّى إِذَا اكْتَمَلَتِ الآيَاتُ الثَّلَاثُ الْقِصَارُ الْمَعْدُودَةُ الْكَلِمَاتِ نَطَقَتِ الصُّورَةُ وَنَبَضَتْ بِالْحَيَاةِ. وَانْتَفَضَ مِنْ خِلَالِهَا الْإِنْسَانُ بِسِمَاتِهِ وَمَلَامِحِهِ الثَّابِتَةِ. هَلُوعًا.. جَزُوعًا عِنْدَ مَسِّ الشَّرِّ، يَتَأَلَّمُ لِلَذْعَتِهِ، وَيَجْزَعُ لِوَقْعِهِ، وَيَحْسَبُ أَنَّهُ دَائِمٌ لَا كَاشِفَ لَهُ. وَيَظُنُّ اللَّحْظَةَ الْحَاضِرَةَ سَرْمَدًا مَضْرُوبًا عَلَيْهِ; وَيَحْبِسُ نَفْسَهُ بِأَوْهَامِهِ فِي قُمْقُمٍ مِنْ هَذِهِ اللَّحْظَةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ الْوَاقِعِ بِهِ. فَلَا يَتَصَوَّرُ أَنَّ هُنَاكَ فَرَجًا; وَلَا يَتَوَقَّعُ مِنَ اللَّهِ تَغْيِيرًا. وَمِنْ ثَمَّ يَأْكُلُهُ الْجَزَعُ، وَيُمَزِّقُهُ الْهَلَعُ. ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ رَكِينٍ يَشُدُّ مِنْ عَزْمِهِ، وَيُعَلِّقُ بِهِ رَجَاءَهُ وَأَمَلَهُ.. مَنُوعًا لِلْخَيْرِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ. يَحْسَبُ أَنَّهُ مِنْ كَدِّهِ وَكَسْبِهِ فَيَضِنُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَحْتَجِنُهُ لِشَخْصِهِ، وَيُصْبِحُ أَسِيرَ مَا مَلَكَ مِنْهُ، مُسْتَعْبَدًا لِلْحِرْصِ عَلَيْهِ! ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الرِّزْقِ وَدَوْرَهُ هُوَ فِيهِ. وَلَا يَتَطَلَّعُ إِلَى خَيْرٍ مِنْهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ خَاوِي الْقَلْبِ مِنَ الشُّعُورِ بِهِ.. فَهُوَ هَلُوعٌ فِي الْحَالَتَيْنِ.. هَلُوعٌ مِنَ الشَّرِّ. هَلُوعٌ عَلَى الْخَيْرِ.. وَهِيَ صُورَةٌ بَائِسَةٌ لِلْإِنْسَانِ، حِينَ يَخْلُو قَلْبُهُ مِنَ الْإِيمَانِ.
وَمِنْ ثَمَّ يَبْدُو الْإِيمَانُ بِاللَّهِ مَسْأَلَةً ضَخْمَةً فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ. لَا كَلِمَةً تُقَالُ بِاللِّسَانِ، وَلَا شَعَائِرَ تَعَبُّدِيَّةَ تُقَامُ. إِنَّهُ حَالَةُ نَفْسٍ وَمَنْهَجُ حَيَاةٍ، وَتَصَوُّرٌ كَامِلٌ لِلْقِيَمِ وَالْأَحْدَاثِ وَالْأَحْوَالِ. وَحِينَ يُصْبِحُ الْقَلْبُ خَاوِيًا مِنْ هَذَا الْمُقَوِّمِ فَإِنَّهُ يَتَأَرْجَحُ وَيَهْتَزُّ وَتَتَنَاوَبُهُ الرِّيَاحُ كَالرِّيشَةِ! وَيَبِيتُ فِي قَلَقٍ وَخَوْفٍ دَائِمٍ، سَوَاءٌ أَصَابَهُ الشَّرُّ فَجَزِعَ، أَمْ أَصَابَهُ الْخَيْرُ فَمَنَعَ. فَأَمَّا حِينَ يَعْمُرُهُ الْإِيمَانُ فَهُوَ مِنْهُ فِي طُمَأْنِينَةٍ وَعَافِيَةٍ، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَصْدَرِ الْأَحْدَاثِ وَمُدَبِّرِ الْأَحْوَالِ مُطْمَئِنٌّ إِلَى قَدَرِهِ شَاعِرٌ بِرَحْمَتِهِ، مُقَدِّرٌ لِابْتِلَائِهِ، مُتَطَلِّعٌ دَائِمًا إِلَى فَرَجِهِ مِنَ الضِّيقِ، وَيُسْرِهِ مِنَ الْعُسْرِ. مُتَّجِهٌ إِلَيْهِ بِالْخَيْرِ، عَالِمٌ أَنَّهُ يُنْفِقُ مِمَّا رَزَقَهُ، وَأَنَّهُ مَجْزِيٌّ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِي سَبِيلِهِ، مُعَوَّضٌ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.. فَالْإِيمَانُ كَسْبٌ فِي الدُّنْيَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ جَزَاءِ الْآخِرَةِ، يَتَحَقَّقُ بِالرَّاحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالثَّبَاتِ وَالِاسْتِقْرَارِ طَوَالَ رِحْلَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَصِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَثْنَيْنَ مِنَ الْهَلَعِ، تِلْكَ السِّمَةُ الْعَامَّةُ لِلْإِنْسَانِ، يُفَصِّلُهَا السِّيَاقُ هُنَا وَيُحَدِّدُهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=22إِلا الْمُصَلِّينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=23الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ..
وَالصَّلَاةُ فَوْقَ أَنَّهَا رُكْنُ الْإِسْلَامِ وَعَلَامَةُ الْإِيمَانِ، هِيَ وَسِيلَةُ الِاتِّصَالِ بِاللَّهِ وَالِاسْتِمْدَادِ مِنْ ذَلِكَ الرَّصِيدِ. وَمَظْهَرُ الْعُبُودِيَّةِ الْخَالِصَةِ الَّتِي يَتَجَرَّدُ فِيهَا مَقَامُ الرُّبُوبِيَّةِ وَمَقَامُ الْعُبُودِيَّةِ فِي صُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَصِفَةُ الدَّوَامِ الَّتِي يُخَصِّصُهَا بِهَا هُنَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=23الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ .. تُعْطِي صُورَةَ الِاسْتِقْرَارِ وَالِاسْتِطْرَادِ، فَهِيَ صَلَاةٌ لَا يَقْطَعُهَا التَّرْكُ وَالْإِهْمَالُ وَالْكَسَلُ وَهِيَ صِلَةٌ بِاللَّهِ مُسْتَمِرَّةٌ غَيْرُ مُنْقَطِعَةٍ.. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا عَمِلَ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَةِ أَثْبَتَهُ - أَيْ دَاوَمَ عَلَيْهِ - وَكَانَ يَقُولُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=883462 "وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ".. لِمُلَاحَظَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=31825صِفَةِ الِاطْمِئْنَانِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الِاتِّصَالِ بِاللَّهِ، كَمَا يَنْبَغِي مِنَ الاحْتِرَامِ لِهَذَا الِاتِّصَالِ. فَلَيْسَ هُوَ لُعْبَةً تُوصَلُ أَوْ تُقْطَعُ، حَسَبَ الْمِزَاجِ!
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=24وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=25لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ..
وَهِيَ الزَّكَاةُ عَلَى وَجْهِ التَّخْصِيصِ وَالصَّدَقَاتُ الْمَعْلُومَةُ الْقَدْرِ.. وَهِيَ حَقٌّ فِي أَمْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ.. أَوْ لَعَلَّ الْمَعْنَى أَشْمَلُ مِنْ هَذَا وَأَكْبَرُ. وَهُوَ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَصِيبًا مَعْلُومًا يَشْعُرُونَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَفِي هَذَا
[ ص: 3700 ] تَخَلُّصٌ مِنَ الشُّحِّ وَاسْتِعْلَاءٌ عَلَى الْحِرْصِ! كَمَا أَنَّ فِيهِ شُعُورًا بِوَاجِبِ الْوَاجِدِ تُجَاهَ الْمَحْرُومِ، فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُتَضَامِنَةِ الْمُتَكَافِلَةِ.. وَالسَّائِلُ الَّذِي يَسْأَلُ; وَالْمَحْرُومُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَلَا يُعَبِّرُ عَنْ حَاجَتِهِ فَيُحْرَمُ. أَوْ لَعَلَّهُ الَّذِي نَزَلَتْ بِهِ النَّوَازِلُ فَحُرِمَ وَعَفَّ عَنِ السُّؤَالِ. وَالشُّعُورُ بِأَنَّ لِلْمُحْتَاجِينَ وَالْمَحْرُومِينَ حَقًّا فِي الْأَمْوَالِ هُوَ شُعُورٌ بِفَضْلِ اللَّهِ مِنْ جِهَةٍ، وَبِآصِرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ مِنْ جِهَةٍ، فَوْقَ مَا فِيهِ مِنْ تَحَرُّرٍ شُعُورِيٍّ مِنْ رِبْقَةِ الْحِرْصِ وَالشُّحِّ. وَهُوَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ ضَمَانَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ لِتَكَافُلِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا وَتَعَاوُنِهَا. فَهِيَ فَرِيضَةٌ ذَاتُ دَلَالَاتٍ شَتَّى، فِي عَالَمِ الضَّمِيرِ وَعَالَمِ الْوَاقِعِ سَوَاءً.. وَذِكْرُهَا هُنَا فَوْقَ أَنَّهُ يَرْسُمُ خَطًّا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=8106مَلَامِحِ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ فَهُوَ حَلْقَةٌ مِنْ حَلَقَاتِ
nindex.php?page=treesubj&link=18896_18897_18905الْعِلَاجِ لِلشُّحِّ وَالْحِرْصِ فِي السُّورَةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=26وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ..
وَهَذِهِ الصِّفَةُ ذَاتُ عَلَاقَةٍ مُبَاشِرَةً بِمَوْضُوعِ السُّورَةِ الرَّئِيسِيِّ. وَهِيَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ تَرْسُمُ خَطًّا أَسَاسِيًّا فِي مَلَامِحِ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ. فَالتَّصْدِيقُ بِيَوْمِ الدِّينِ شَطْرُ الْإِيمَانِ. وَهُوَ ذُو أَثَرٍ حَاسِمٍ فِي مَنْهَجِ الْحَيَاةِ شُعُورًا وَسُلُوكًا. وَالْمِيزَانُ فِي يَدِ الْمُصَدِّقِ بِيَوْمِ الدِّينِ غَيْرُ الْمِيزَانِ فِي يَدِ الْمُكَذِّبِ بِهَذَا الْيَوْمِ أَوِ الْمُسْتَرِيبِ فِيهِ. مِيزَانُ الْحَيَاةِ وَالْقِيَمِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَحْدَاثِ.. الْمُصَدِّقُ بِيَوْمِ الدِّينِ يَعْمَلُ وَهُوَ نَاظِرٌ لِمِيزَانِ السَّمَاءِ لَا لِمِيزَانِ الْأَرْضِ، وَلِحِسَابِ الْآخِرَةِ لَا لِحِسَابِ الدُّنْيَا وَيَتَقَبَّلُ الْأَحْدَاثَ خَيْرَهَا وَشَرَّهَا وَفِي حِسَابِهِ أَنَّهَا مُقَدِّمَاتٌ نَتَائِجُهَا هُنَاكَ، فَيُضِيفُ إِلَيْهَا النَّتَائِجَ الْمُرْتَقَبَةَ حِينَ يَزِنُهَا وَيُقَوِّمُهَا.. وَالْمُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ يَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الْقَصِيرَةِ الْمَحْدُودَةِ، وَيَتَحَرَّكُ وَحُدُودُهُ هِيَ حُدُودُ هَذِهِ الْأَرْضِ وَحُدُودُ هَذَا الْعُمْرِ. وَمِنْ ثَمَّ يَتَغَيَّرُ حِسَابُهُ وَتَخْتَلِفُ نَتَائِجُ مَوَازِينِهِ، وَيَنْتَهِي إِلَى نَتَائِجَ خَاطِئَةٍ فَوْقَ مَا يَنْحَصِرُ فِي مِسَاحَةٍ مِنَ الْمَكَانِ وَمِسَاحَةٍ مِنَ الزَّمَانِ مَحْدُودَةٍ.. وَهُوَ بَائِسٌ مِسْكِينٌ مُعَذَّبٌ قَلِقٌ لِأَنَّ مَا يَقَعُ فِي هَذَا الشَّطْرِ مِنَ الْحَيَاةِ الَّذِي يَحْصُرُ فِيهِ تَأَمُّلَاتِهِ وَحِسَابَاتِهِ وَتَقْدِيرَاتِهِ، قَدْ لَا يَكُونُ مُطَمْئِنًا وَلَا مُرِيحًا وَلَا عَادِلًا وَلَا مَعْقُولًا، مَا لَمْ يُضِفْ إِلَيْهِ حِسَابَ الشَّطْرِ الْآخَرِ وَهُوَ أَكْبَرُ وَأَطْوَلُ. وَمِنْ ثَمَّ يَشْقَى بِهِ مَنْ لَا يَحْسَبُ حِسَابَ الْآخِرَةِ أَوْ يَشْقَى غَيْرُهُ مِنْ حَوْلِهِ. وَلَا تَسْتَقِيمُ لَهُ حَيَاةٌ رَفِيعَةٌ لَا يَجِدُ جَزَاءَهَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ وَاضِحًا.. وَمِنْ ثَمَّ كَانَ التَّصْدِيقُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ شَطْرَ الْإِيمَانِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ مَنْهَجُ الْحَيَاةِ فِي الْإِسْلَامِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=27وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=28إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ..
وَهَذِهِ دَرَجَةٌ أُخْرَى وَرَاءَ مُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ بِيَوْمِ الدِّينِ. دَرَجَةُ الْحَسَاسِيَةِ الْمُرْهَفَةُ، وَالرَّقَابَةِ الْيَقِظَةِ، وَالشُّعُورِ بِالتَّقْصِيرِ فِي جَنَابِ اللَّهِ عَلَى كَثْرَةِ الْعِبَادَةِ، وَالْخَوْفِ مَنْ تَلَفُّتِ الْقَلْبِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعَذَابِ فِي أَيَّةِ لَحْظَةٍ، وَالتَّطَلُّعِ إِلَى اللَّهِ لِلْحِمَايَةِ وَالْوِقَايَةِ.
وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَنْ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ. وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اصْطَفَاهُ وَرَعَاهُ.. كَانَ دَائِمَ الْحَذَرِ دَائِمَ الْخَوْفِ لِعَذَابِ اللَّهِ. وَكَانَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ عَمَلُهُ لَا يَعْصِمُهُ وَلَا يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ إِلَّا بِفَضْلٍ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٍ. وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655241 "لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ".
وَفِي قَوْلِهِ هُنَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=28إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ .. إِيحَاءٌ بِالْحَسَاسِيَةِ الدَّائِمَةِ الَّتِي لَا تَغْفُلُ لَحْظَةً، فَقَدْ تَقَعُ مُوجِبَاتُ الْعَذَابِ فِي لَحْظَةِ الْغَفْلَةِ فَيَحِقُّ الْعَذَابُ. وَاللَّهُ لَا يَطْلُبُ مِنَ النَّاسِ إِلَّا هَذِهِ الْيَقَظَةَ وَهَذِهِ الْحَسَاسِيَةَ، فَإِذَا غَلَبَهُمْ ضَعْفُهُمْ مَعَهَا، فَرَحْمَتُهُ وَاسِعَةٌ، وَمَغْفِرَتُهُ حَاضِرَةٌ. وَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ لَيْسَتْ عَلَيْهِ مَغَالِيقُ! وَهَذَا
[ ص: 3701 ] قِوَامُ الْأَمْرِ فِي الْإِسْلَامِ بَيْنَ الْغَفْلَةِ وَالْقَلَقِ. وَالْإِسْلَامُ غَيْرُ هَذَا وَتِلْكَ. وَالْقَلْبُ الْمَوْصُولُ بِاللَّهِ يَحْذَرُ وَيَرْجُو، وَيَخَافُ وَيَطْمَعُ، وَهُوَ مُطْمَئِنٌّ لِرَحْمَةِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=29وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=30إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=31فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ..
وَهَذِهِ تَعْنِي طَهَارَةَ النَّفْسِ وَالْجَمَاعَةِ، فَالْإِسْلَامُ يُرِيدُ مُجْتَمَعًا طَاهِرًا نَظِيفًا، وَفِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ نَاصِعًا صَرِيحًا. مُجْتَمَعًا تُؤَدَّى فِيهِ كُلُّ الْوَظَائِفِ الْحَيَوِيَّةِ، وَتُلَبَّى فِيهِ كُلُّ دَوَافِعِ الْفِطْرَةِ. وَلَكِنْ بِغَيْرِ فَوْضَى تَرْفَعُ الْحَيَاءَ الْجَمِيلَ، وَبِغَيْرِ الْتِوَاءٍ يَقْتُلُ الصَّرَاحَةَ النَّظِيفَةَ. مُجْتَمَعًا يَقُومُ عَلَى أَسَاسِ الْأُسْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَتِينَةِ الْقَوَائِمِ. وَعَلَى الْبَيْتِ الْعَلَنِيِّ الْوَاضِحِ الْمَعَالِمِ. مُجْتَمَعًا يَعْرِفُ فِيهِ كُلُّ طِفْلٍ أَبَاهُ، وَلَا يَخْجَلُ مِنْ مَوْلِدِهِ. لَا لِأَنَّ الْحَيَاءَ مَنْزُوعٌ مِنَ الْوُجُوهِ وَالنُّفُوسِ. وَلَكِنْ لِأَنَّ الْعَلَاقَاتِ الْجِنْسِيَّةَ قَائِمَةٌ عَلَى أَسَاسٍ نَظِيفٍ صَرِيحٍ، طَوِيلِ الْأَمَدِ، وَاضِحِ الْأَهْدَافِ، يَرْمِي إِلَى النُّهُوضِ بِوَاجِبٍ إِنْسَانِيٍّ وَاجْتِمَاعِيٍّ، لَا لِمُجَرَّدِ إِرْضَاءِ النَّزْوَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالشَّهْوَةِ الْجِنْسِيَّةِ!
وَمِنْ ثَمَّ يَذْكُرُ الْقُرْآنُ هُنَا مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=29وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=30إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=31فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ..
فَيُقَرِّرُ نَظَافَةَ الِاتِّصَالِ بِالْأَزْوَاجِ وَبِمَا مَلَكَتِ الْأَيْمَانُ - مِنَ الْإِمَاءِ حِينَ يُوجَدْنَ بِسَبَبٍ مَشْرُوعٍ - وَالسَّبَبُ الْمَشْرُوعُ الْوَحِيدُ الَّذِي يَعْتَرِفُ بِهِ الْإِسْلَامُ هُوَ السَّبْيُ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَهِيَ الْحَرْبُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي يُقِرُّهَا الْإِسْلَامُ - وَالْأَصْلُ فِي حُكْمِ هَذَا السَّبْيِ هُوَ مَا ذَكَرَتْهُ آيَةُ سُورَةِ مُحَمَّدٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَلَكِنْ قَدْ يَتَخَلَّفُ بَعْضُ السَّبْيِ بِلَا مَنٍّ وَلَا فِدَاءٍ لِمُلَابَسَاتٍ وَاقِعِيَّةٍ; فَهَذَا يَظَلُّ رَقِيقًا إِذَا كَانَ الْمُعَسْكَرُ الْآخَرُ يَسْتَرِقُّ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَيَّةِ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الرِّقِّ - وَلَوْ سَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ! - وَيُجَوِّزُ الْإِسْلَامُ وَطْءَ الْإِمَاءِ عِنْدَئِذٍ مِنْ صَاحَبِهِنَّ وَحْدَهُ، وَيَجْعَلُ عِتْقَهُنَّ مَوْكُولًا إِلَى الْوَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي شَرَعَهَا الْإِسْلَامُ لِتَجْفِيفِ هَذَا الْمَوْرِدِ. وَيَقِفُ الْإِسْلَامُ بِمَبَادِئِهِ صَرِيحًا نَظِيفًا لَا يَدْعُ هَؤُلَاءِ الْأَسِيرَاتِ لِفَوْضَى الِاخْتِلَاطِ الْجِنْسِيِّ الْقَذِرِ كَمَا يَقَعُ لِأَسِيرَاتِ الْحُرُوبِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا! وَلَا يَتَدَسَّسُ وَيَلْتَوِي فَيُسَمِّيهِنَّ حُرَّاتٍ وَهُنَّ إِمَاءٌ فِي الْحَقِيقَةِ!
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=31فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ .. وَبِذَلِكَ يُغْلِقُ الْبَابَ فِي وَجْهِ كُلِّ قَذَارَةٍ جِنْسِيَّةٍ، فِي أَيَّةِ صُورَةٍ غَيْرِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ الْوَاضِحَتَيْنِ الصَّرِيحَتَيْنِ.. فَلَا يَرَى فِي الْوَظِيفَةِ الطَّبِيعِيَّةِ قَذَارَةً فِي ذَاتِهَا; وَلَكِنَّ الْقَذَارَةَ فِي الِالْتِوَاءِ بِهَا. وَالْإِسْلَامُ نَظِيفٌ صَرِيحٌ قَوِيمٌ..
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=32وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ .
وَهَذِهِ مِنَ الْقَوَائِمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يُقِيمُ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا نِظَامَ الْمُجْتَمَعِ. وَرِعَايَةَ الْأَمَانَاتِ وَالْعُهُودِ فِي الْإِسْلَامِ تَبْدَأُ مِنْ رِعَايَةِ الْأَمَانَةِ الْكُبْرَى الَّتِي عَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ. وَهِيَ أَمَانَةُ الْعَقِيدَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهَا اخْتِيَارًا لَا اضْطِرَارًا.. وَمِنْ رِعَايَةِ الْعَهْدِ الْأَوَّلِ الْمَقْطُوعِ عَلَى فِطْرَةِ النَّاسِ وَهُمْ بَعْدُ فِي الْأَصْلَابِ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمُ الْوَاحِدُ، وَهُمْ بِخِلْقَتِهِمْ عَلَى هَذَا الْعَهْدِ شُهُودٌ.. وَمِنْ رِعَايَةِ تِلْكَ الْأَمَانَةِ وَهَذَا الْعَهْدِ تَنْبَثِقُ رِعَايَةُ سَائِرِ الْأَمَانَاتِ وَالْعُهُودِ فِي مُعَامَلَاتِ الْأَرْضِ وَقَدْ شَدَّدَ الْإِسْلَامُ فِي الْأَمَانَةِ وَالْعَهْدِ وَكَرَّرَ وَأَكَّدَ، لِيُقِيمَ الْمُجْتَمَعَ عَلَى أُسُسٍ مَتِينَةٍ مِنَ الْخُلُقِ وَالثِّقَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ. وَجَعَلَ رِعَايَةَ الْأَمَانَةِ وَالْعَهْدِ سِمَةَ النَّفْسِ
[ ص: 3702 ] الْمُؤْمِنَةِ، كَمَا جَعَلَ خِيَانَةَ الْأَمَانَةِ وَإِخْلَافَ الْعَهْدِ سِمَةَ النَّفْسِ الْمُنَافِقَةِ وَالْكَافِرَةِ. وَرَدَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لَا تَدَعُ مَجَالًا لِلشَّكِّ فِي أَهَمِّيَّةِ هَذَا الْأَمْرِ الْبَالِغَةِ فِي عُرْفِ الْإِسْلَامِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=33وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ..
وَقَدْ نَاطَ اللَّهُ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ حُقُوقًا كَثِيرَةً، بَلْ نَاطَ بِهَا حُدُودَ اللَّهِ، الَّتِي تُقَامُ بِقِيَامِ الشَّهَادَةِ. فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ أَنْ يُشَدِّدَ اللَّهُ فِي الْقِيَامِ بِالشَّهَادَةِ، وَعَدَمِ التَّخَلُّفِ عَنْهَا ابْتِدَاءً، وَعَدَمِ كِتْمَانِهَا عِنْدَ التَّقَاضِي، وَمِنَ الْقِيَامِ بِهَا أَدَاؤُهَا بِالْحَقِّ دُونَ مَيْلٍ وَلَا تَحْرِيفٍ. وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ شَهَادَةً لَهُ هُوَ لِيَرْبُطَهَا بِطَاعَتِهِ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ .. وَجَعَلَهَا هُنَا سِمَةً مِنْ سِمَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ أَمَانَةٌ مِنَ الْأَمَانَاتِ، أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ لِلتَّعْظِيمِ مِنْ شَأْنِهَا وَإِبْرَازِ أَهَمِّيَّتِهَا..
وَكَمَا بَدَأَ سِمَاتِ النُّفُوسِ الْمُؤْمِنَةِ بِالصَّلَاةِ، خَتَمَهَا كَذَلِكَ بِالصَّلَاةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=34وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ..
وَهِيَ صِفَةٌ غَيْرُ صِفَةِ الدَّوَامِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي صَدْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ. تَتَحَقَّقُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَوَاعِيدِهَا، وَفِي فَرَائِضِهَا، وَفِي سُنَنِهَا، وَفِي هَيْئَتِهَا، وَفِي الرُّوحِ الَّتِي تُؤَدَّى بِهَا. فَلَا يُضَيِّعُونَهَا إِهْمَالًا وَكَسَلًا. وَلَا يُضَيِّعُونَهَا بِعَدَمِ إِقَامَتِهَا عَلَى وَجْهِهَا.. وَذِكْرُ الصَّلَاةِ فِي الْمَطْلَعِ وَالْخِتَامِ يُوحِي بِالِاحْتِفَالِ وَالِاهْتِمَامِ. وَبِهَذَا تُخْتَمُ سِمَاتُ الْمُؤْمِنِينَ..
وَعِنْدَئِذٍ يُقَرِّرُ مَصِيرَ هَذَا الْفَرِيقِ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ مَا قَرَّرَ مِنْ قَبْلُ مَصِيرَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ: